23 يوليو من الجزائر.. ثورة فى زمانها ومكانها الأثر وحلم التحرر والتقدم

قد تكون مصادفة أن تأتى ذكرى ثورة 23 يوليو 1952، وأنا خارج مصر، فى الجزائر الشقيقة، لكنها مصادفة خير من ألف ميعاد، فالجزائر الشقيقة، هى الوطن الذى يمكن بها أن تنظر إلى ثورة يوليو وتسمع كثيرا من القصص والروايات من الأشقاء بالجزائر عن مصر، لا ألتقى مثقفا أو دبلوماسيا أو إعلاميا أو مسؤولا أو أى رجل أو امرأة إلا ويأتى ذكر مصر بالخير والحب، ولهذا ليس غريبا أن يحمل المصريون مشاعر الحب والقرب بالأشقاء فى الجزائر الحبيبة.
على مدى انعقاد الملتقى العربى الأول حول اللغة العربية والإعلام، بعنوان «الضاد فى وسائل الإعلام»، من تنظيم «جمعية الكلمة للثقافة والإعلام»، برعاية وزير الاتصال السيد محمد مزيان، طوال فترة الانعقاد لم ينقطع ذكر مصر والحديث عنها، وعند ما تم تكريمى كانت مصر حاضرة بدورها وأحلامها ووجودها، وعند ما نزلنا فى فندق الأوراسى أول وأقدم فنادق الجزائر بعد الاستقلال يرد ذكر الزعيم جمال عبدالناصر، وعلاقة مصر بالعروبة والقومية ودعم حركات التحرر، وعلى رأسها الثورة الجزائرية فى مواجهة الاستعمار الفرنسى، بلد المليون شهيد لا تنسى عبدالناصر، كما لا تنسى شهداءها وجبهة التحرير، وتحمل لمصر والمصريين مكانة فى القلب، مثلما يحمل المصريون هذا كله.
لهذا بدا لى الأمر مصادفة مهمة ورسالة، أن أحضر الذكرى 73 لثورة 23 يوليو، فى الجزائر بلد المليون شهيد، والتى كان جهد مصر فى دعم التحرر فيها واضحا ولا تزال بصمات الثورة مستمرة وقوية، والعلاقة التى تربط الشعوب بمصر قائمة بالرغم من تحولات وتغييرات شهدها العالم والإقليم وكل دولة، وفى ذكرى 23 يوليو لم يكن التأثير محليا فى مواجهة الظلم وغياب العدالة والإقطاع والفساد السياسى والاستعمار، ومجتمع النصف فى المئة لكن أثر الثورة خارج حدود مصر كان ضخما ولا يزال، فى دعم حركات التحرر شمالًا وجنوبًا فى الجزائر العربية الأفريقية وفى دول أفريقيا.
وسعت مصر عبدالناصر إلى بناء منظمات توازن الاستقطاب فى الحرب الباردة، وهى من من الدول المؤسسة والفعالة التى حافظت على استقلالية حركة عدم الانحياز وما زالت تتمسك بهذا الأمر، ورغم حرصها على السلام، إلا أنها تمتلك القوة الكافية لحماية أمنها القومى والقدرة على التأثير السياسى والتى تتمثل بفكرة الاستقلالية وعدم الانخراط فى الاستقطاب وفى نفس الوقت تدعم الاستقلال الاقتصادى والتنمية المستقلة، حاليا ترتبط مصر بأفريقيا ويحرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على تقوية دائرة مصر العربية والأفريقية والإسلامية ويرى أن أفريقيا ليست مواد خام لكنها كيانات من حقها أن تطمح للتنمية والتقدم وتحوز قدرات العصر، وأن تنتهى من انقطاع مع عهد الاستعمار الذى نمط النظر لهذه الدول، والدائرة الأفريقية من الدوائر المهمة التى يدعمها الرئيس عبدالفتاح السيسى وعقد الكثير من الفعاليات مع أوروبا ومع الصين ومع أمريكا ومع روسيا ومع اليابان، وهى عملية إحياء للتحركات المصرية لكن بقوانين العصر وتوازناته.
جرت العادة أن تأتى ذكرى ثورة يوليو، وسط جدل لم ينقطع طوال عقود، وبالرغم من مرور 55 عاما على رحيل جمال عبدالناصر، لا يزال يثير النقاش وأثره يستمر، وهناك أعداء طبيعيون للثورة من الإقطاع السابق وتوابع الاستعمار والقصر، وهناك أيضا نقاد من أجيال الثورة بعضهم ينتقد بعقل والبعض يتجاهل الزمان والمكان، بينما الواقع والتعامل مع التاريخ يفترض أن يتم فى الزمان والمكان والظروف، ومن السطحية فى عصر أدوات التواصل أن يكتب شخصا ما بوستا أو تويتة ينفى فيها أى ميزة للثورة، أو ينفى أى عيب، بينما الواقع يقول إننا أمام حدث غير من مصائر وتوازنات الإقليم لعقود وإن بعض المبادئ التى وضعتها الثورة لا تزال قائمة، ولا تزال طموحات بناء حياة سياسية ضمن مسيرة الجمهورية الجديدة.
ثم إن ما قدمته مصر الثورة فى دعم حركات التحرر يفترض النظر له وتقييمه فى زمانه ومكانه، وليس بقوانين وقواعد الحاضر، لكن بموازين زمنها ومكانها، لأن تأثير ما قدمته أكبر مما يمكن تقييمه الآن، وفيما يتعلق بالمكسب والخسارة فقد ربحت حركات التحرر وواجهت الاستعمار، وتخلصت من استغلال وعبودية، وبالطبع كانت هناك نقاط انتقاد وفرص تراجعت، وتحولات فى السياسة، وفى المقابل كما يرى البعض فقد دفعت مصر ثمن كل هذا من فرصتها للتنمية لكنها فى المقابل ربحت وجودها وتأثيرها المستمر، ومع الأزمنة وتغير الأحوال والتوازنات فى العالم، تغيرت الأولويات وأيضاً التحركات نحو محاولة بناء سلام بعد عقود الحرب، مع الحفاظ على الدولة والتنمية والمستقبل، وهى طموحات تتواصل وتختلف طبقا لتحولات إقليمية وسياسية وتوازنات وإحداث وتحركات تفرض نفسها وتفرض تعديلات فى إنتاج بدائل وطرق ومسارات لمعالجة كل هذا فقد تغيرت معادلات النفوذ والقوة والاقتصاد، ومع هذا تتمسك مصر فى علاقاتها الخارجية وسط تحديات كبرى بالمبادئ والمواجهة، تتمسك مصر الدولة بدوائرها وتسعى لموقف عربى ينطلق من الفعل وليس رد الفعل وتتمسك فى مواجهة حرب الإبادة فى غزة برفض التهجير والسعى لوقف الحرب وتجاوز عناصر أدت لتفكك دول وتساقط أنظمة، وتحولات ما بعد 7 أكتوبر 2023.
وفى كلمته فى ذكرى ثورة يوليو أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، «فى مثل هذا اليوم، سطر المصريون صفحة مضيئة فى تاريخ بلدهم، حين اندلعت شرارة ثورة يوليو عام 1952، لتكون نقطة تحول فى مسيرة الوطن، أنهت حقبة الاحتلال البغيض، ورسخت قيم العزة والكرامة والاستقلال، وأضاءت مشاعل التحرر فى دول العالم الثالث ومنطقتنا العربية فكانت الثورة المصرية ملهمة، للخلاص من الاستعمار واستقلال القرار الوطنى».
وأكد الرئيس استمرار مسيرة التنمية ووجه تحية خالصة من القلب، لقادة ثورة يوليو المجيدة، ولجيش مصر الأبى، وشرطتها الباسلة، ولكل يد مصرية، تبنى وتنمى الوطن، وتحفظ وترعى مؤسساته الوطنية.
لقد عشت ذكرى ثورة يوليو هذه المرة فى الجزائر الشقيقة إحدى أبرز نقاط وجود ثورة يوليو ودورها فى دعم حركات التحرر وبناء طموحات وبناء دوائر مصر الاستراتيجية التى دعمها السيسى ويسعى لبناء طموحات فى عصر مختلف فى التحديات والطموحات.
لقد قطعت مصر مسافات وعقود، وتركت أثرها وطموحاتها، ودفعت ثمنا وربحت وخسرت لكنها بقيت موحدة متناغمة شعبها متجانس قادر على الحلم ومواجهة التحديات والاستمرار فى الزمان والمكان.


Trending Plus