طلاق الحرب.. الفرار من جحيم الزوجية تحت النار.. «اليوم السابع» يكشف رحلة شقاء لـ«سودانيات» للانفصال عن أزواجهن وسط المعارك الضارية.. اللاجئات فى الخارج يعشن أوضاعا صعبة بلا سند.. والمعلَّقات مأساتهن لا تُوصف

السودان "أرشيفية"
السودان "أرشيفية"
تحقيق - أمنية الموجى - محمد سالمان

- الاشتباكات تقضى على آمال إصلاح عيوب المنظومة القانونية.. والفوضى تفاقم أوضاع السيدات الراغبات فى «التسريح بالمعروف»
 

- الضغوط النفسية والعنف الزوجي والانهيار الاقتصادي ومرارة النزوح وهم اللجوء وزواج القاصرات.. أبرز العوامل وراء ارتفاع نسب الطلاق

- «حكاية أنديرا» محامية كرست وقتها لمساعدة السودانيات عبر تقديم الاستشارات القانونية عن بُعد.. وتؤكد: «وصمة المطلقة» أكثر ما تخشاه النساء.. وهناك حالات تخلصن من حياتهن

- باحثة اجتماعية: هناك عادات وتقاليد خاطئة يجب تغييرها.. والأطفال الحلقة الأضعف والطلاق الآمن هو الحل.. وحقوقية: الحرب عرقلت كافة الجهود لتعديل وضع المرأة السودانية

 

يعانى السودان الويلات، ولا أحد يتابع ما يدور فيه عن قرب؛ سوى بعض التقارير المتناثرة، أو عناوين تتصدر نشرات الأخبار من حين لآخر، عن الحرب، والتهجير، والإبادة.

السودان، الذى طالما ارتبط اسمه بالخصوبة، والأرض الطيبة، ونسائه الصبوحات البشوشات… صرن اليوم وقودًا للحرب، نعم، يموت الرجال فى الحروب، لكن النساء دائمًا ما يدفعن الأثمان مضاعفة؛ تفقد الواحدة منهن الأب، والزوج، والابن، ثم تُجبَر على أن تجمع شتات قلبها لتبقى عمود الخيمة الوحيد الذى لم يسقط بعد.

فى السودان، تفرّ النساء هاربات، لا فقط من الحرب، بل من ويلاتها وآثارها، تدفع المرأة الثمن كأرملة، أو مطلقة، أو لاجئة تبحث عن خلاص مجهول.

3
 

لم تكن «أسماء» -اسم مستعار- تتخيل أن أحلامها ستتحول إلى كابوس، تتردّد فى ذاكرتها صور متفرقة من ليلة الحنّاء وليلة الزفاف، وتتنامى إلى سمعها أصوات الغناء، قبل أن تتداخل فجأة مع دقات طبول أخرى.. طبول الحرب.

تتساقط الدموع من عينيها، ثم تتحجر على خديها، وهى لا تكاد تصدق ما آلت إليه حياتها فى ليلة حالكة السواد كغيرها من ليالى الحرب السودانية، لا أحد فى هذا البلد ينعم بالأمان، الكل فى قلق مستمر من اقتراب الموت، حتى فيما يُعرف بـ«المناطق الآمنة»، الكل يحمل هم النجاة، وتتراجع باقى المطالب والأمنيات جانبًا، لكن وسط تلك المأساة، كان عليها أن تتحمل همومًا إضافية جعلت النوم يفارق عينيها، وبلغت ذروتها بعد مكالمة هاتفية صادمة من زوجها، كاد عقلها يطير بسببها.

«إذا لم تتراجعى عما فى رأسك وطلبك للطلاق، سوف أرمى الأطفال فى بئر، لن تريهم مجددًا، وأنا لا أريدهم أيضًا».. كلمات الزوج نزلت على رأس أسماء كالصاعقة، فقد كانت تطلب منه الطلاق، فلم يجد وسيلة للضغط عليها سوى اختطاف طفليها «ولد وبنت»، مستغلاً حالة انفلات أمنى خلفتها الحرب، وتواجدهما فى منطقة بعيدة عن ديارهما وأهلهما وذويهما ممن لهم قدرة على إيقافه عند حده.

1
 

لم يكن طلب أسماء للطلاق أمرًا ثانويًا يمكنها التغاضى عنه أمام أهوال الحرب فى السودان، فقبل اندلاع الاشتباكات بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع فى 15 أبريل 2023، كان عليها مواجهة اشتباكات يومية فى منزلها، «عنف جسدى ولفظى لا يتوقف»، ويحدث لأقل الأسباب، وحالة نفسية تسوء يومًا تلو الآخر، وليس هذا فحسب، بل توجب عليها العمل للإنفاق على أطفالها وزوجها نفسه، الذى كان يخرج كل يوم ولا يعود إلا فى المساء، متجاهلاً احتياجات أسرته بالكامل.

لسنوات عدة، ظلت «أسماء» تشكو إلى أسرتها من سوء وضعها مع زوجها، لكنها لم تجد أبدًا آذانًا صاغية، فالطلاق فى المجتمع السودانى ليس بالفكرة المقبولة نهائيًا، وطالما رضخت للمطالب بالاستمرار، على أمل تحسن حاله يومًا ما، لكن هذا اليوم لم يأتِ أبدًا.

بعد الحرب، عاشت «أسماء» موقفًا لا تُحسد عليه أبدًا، بعد ما اختطف الزوج «الطفلين» عنوة من بين أحضانها، ولم يعاملهما كأى أب يخاف على أبنائه، بل عرضهما للخطر عبر الإقامة فى منزل يمكن وصفه بـ«ثكنة عسكرية» لأفراد الدعم السريع، مما شكّل خطورة كبرى على الأطفال، فاضطرا للاختباء فى غرفة النوم لأيام وليال طوال فترة تواجد العناصر المسلحة بالمنزل.

وسط أهوال الحرب، وجدت أسماء نفسها بلا سند حقيقى، فى مواجهة مجتمع يرفض الطلاق، وزوج يهددها بإبعاد أطفالها عنها وإساءة معاملتهم، لا سيما أنهما كانا يعيشان وضعًا نفسيًا صعبًا جراء رؤيتهما لها وهى تتعرض للعنف مئات المرات أمام أعينهما. إضافة إلى ذلك، لم تكن الإجراءات القانونية التى اتخذتها فعالة فى ظل فوضى تعم البلاد، ولم تجد أمامها سوى الصبر والتواصل مع محامية متخصصة فى الأحوال الشخصية تُدعى «أنديرا الأمين» تقيم بالقاهرة.

رغم عدم تمكن أنديرا من زيارة «أسماء»، لكنها درست حالتها القانونية، وظلت على تواصل معها حتى علمت بالمصادفة بأن الزوج والأولاد يتواجدون فى منطقة آمنة، فنصحت الزوجة بالتوجه إلى النيابة وتقديم بلاغات بما تملكه من مستندات، وبالفعل، تم استدعاء الزوج، واستعادة الأطفال منه، وبعد ذلك قضت المحكمة بطلاقها منه، لتبدأ رحلة جديدة فى حياتها، بعيدة عن دوامة العنف الأسرى، وبات عليها الآن تركيز جهودها على النجاة من الحرب كغيرها من السودانيين بعد ما أزيل من على كاهلها عبء التخلص من زواج فاشل.

معاناة أسماء ليست حالة فريدة، إنما هناك المئات من السيدات الأخريات داخل الأراضى السودانية وخارجها ممن يُعانين للحصول على الطلاق، وزادت الحرب من معاناتهن فى ظل حالة الفوضى فى المؤسسات، ومشاكل اللجوء والنزوح، وانهيار الوضع المالى للأسر، مما يجعل مطالبهن رفاهية فى أعين بعض المحيطين بهن من العائلة، لا سيما أن المجتمع السودانى لا يتقبل «الطلاق» بسهولة فى وقت السلم، فما بالك فى وقت الحرب.

فى تحقيق «طلاق الحرب»، رصدنا حالات لسيدات سودانيات يعِشن تجارب صعبة حتى حصلن على أحكام بالطلاق، وكيف زادت الحرب من معاناتهن، إضافة إلى ذلك، حاولنا رصد وتحليل أسباب ارتفاع نسب الطلاق فى ظل الحرب، وكذلك بحثنا عن أبرز العقبات القانونية التى تواجه الراغبات فى الطلاق، سواء داخل السودان أو خارجه حاليًا، إلى جانب مناقشة فكرة خوف السيدات من تعامل أسرهن والمجتمع السودانى مع المطلقة، ورفضه القاطع لفكرة الطلاق مهما كانت مساوئ الزواج.

معركة قانونية عن بُعد

سلمى «اسم مستعار»، إحدى حالات الطلاق خلال فترة الحرب، تحكى بأن قرار الانفصال عن زوجها كان مؤجلاً فقط، لكن ما حدث فى السودان من عدم استقرار سرّع وتيرة اتخاذه، فقد كانت تعيش فى إحدى دول الخليج العربى برفقة زوجها قبل اندلاع الحرب، ولم تكن الأمور مستقرة بينهما، وزادت المشاكل بعد انتقال أهل الزوج للإقامة معهما بعد مغادرتهم السودان بسبب الاضطرابات.

تقول سلمى إن الوضع بعد الحرب أصبح لا يُحتمل، فكان عليها تلبية مطالب زوجها وأسرته، إضافة إلى غياب أى سند لها فى الغربة أو حتى دعم، فى ظل انشغال أسرتها بمحاولة النجاة من الأوضاع الكارثية فى السودان والنزوح بعيدًا عن أماكن الاشتباكات.

اتخذت سلمى قرار الانفصال «منفردة»، معتبرة أن أى تأخير له أضرار أكثر، فى ظل عدم وجود أطفال، فتكون الأمور أخف وطأة، إلا أنها كان عليها ابتلاع مرارة الغربة وحدها، بدون سند أو عائل أو حتى وطن تعود إليه عندما تسوء الظروف، وزادت الصدمة عند ما رفض الزوج إتمام الطلاق بشكل ودى، ولم يكن أمامها سوى اللجوء إلى القضاء، لكنها لم تعرف كيف تفعل ذلك بدون دعم مادى يعينها فى هذه المعركة القانونية؟!

وجدت سلمى نفسها فى مأزق كبير، وحالة نفسية صعبة، لدرجة أنها عندما نصحها البعض بتلقى استشارات قانونية عن بعد لعدم قدرتها تحمل نفقات توكيل محامى فى البلد المقيمة به، كانت غير قادرة على سرد مأساتها بشكل غير مرتب حتى اسمها بالكامل كانت تخطئ فيه!، فتذكر اسمين وتعتذر عن ذكر الاسم الثالث، وبعد عدة أشهر من التعامل النفسى معها بدأت تستجمع قوتها، واتخذت كل الخطوات القانونية حتى حصلت على حكم بالطلاق بعد معركة قانونية دامت ثلاثة أشهر.

 

طلاق بالاتفاق ولكن!

قصة أخرى للطلاق بعد الحرب، بطلتها مروة -اسم مستعار-، تختلف فى تفاصيلها عما سبقها من حكايات، فقد كانت تعيش مع زوجها فى إحدى بلاد الخليج العربى بشكل مستقر قبل الحرب، إلا أن حياتها انقلبت رأسًا على عقب بعد إقامة والدة زوجها وشقيقاته معهم بعد مغادرتهم السودان بسبب الحرب.

باتت حياة مروة اليومية جحيمًا بسبب تغيّر معاملة زوجها لها، نتيجة تحريض والدته وشقيقاته على ضرورة زواجه من أخرى حتى ينجب أطفالًا، لذا، وصل بها الحال إلى طلب الطلاق، رغم أنها لم تكن تعرف أين ستعيش فى الغربة بدون عائل أو سند؟ لكنها اتخذت القرار على أى حال، للتخلص من السجن الذى تعيش فيه، ووافق زوجها على الطلاق بسبب ضغط عائلته لتنتقل للعيش بمفردها، إلا أنها اصطدمت بعدم قدرتها على إيجاد عمل توفّر منه قيمة إيجار المسكن أو طعامها وشرابها.

وفى النهاية، تواصلت مع أقارب لها وافقوا على إقامتها معهم بسبب أوضاعها الصعبة، وبالتأكيد عدم قدرتها على العودة إلى السودان، فأسرتها نفسها مشتتة ما بين نازح فى الداخل ولاجئ فى الخارج.

إحصائيات صادمة

الحالات السابق الإشارة إليها ليست سوى لمحة بسيطة عما سببته الحرب بالشعب السودانى، فالسودان الذى يعرفه الجميع تغيّر وجهه تمامًا منذ يوم الـ15 من أبريل 2023، فككت الحرب أُسره مثلما دمّرت بنيته التحتية، فكان الحفاظ على كيان العائلات كـ«القبض على الجمر»، حلمًا بعيد المنال، وزادت نسبة الطلاق عمّا قبل الحرب بشكل ملحوظ، ليس فقط بين المتواجدين على أرض السودان، إنما أيضًا بين المقيمين واللاجئين خارج حدوده، سواء فى دول الجوار مثل مصر أو غيرها من البلدان.

ووفقًا لتقارير للسلطة القضائية السودانية، نُشرت فى وسائل إعلام مختلفة، ارتفعت نسبة الطلاق خلال العام الأول من الحرب بنسبة 30%، فوصلت إلى 96,600 حالة طلاق عام 2023، بعد ما تم تسجيل 70 ألف حالة فى عام 2022، فى حين شهد عام 2021 عدد 64 ألف حالة.

وأشارت إحصائيات السلطة القضائية إلى أن حالات الطلاق بلغت فى عام 2016 وحده (48,351) حالة، بينما شهد عام 2017 (55,478) حالة، و2018 (59,339) حالة، و2019 (60,202) حالة، وفى العام 2020 (47,506) حالات.

 

 

كل رقم يساوى مأساة جديدة

البعض قد يعتبر تلك الإحصائيات منطقية فى ظل حرب مشتعلة تقضى على الأخضر واليابس، لكن الحقيقة أن كل رقم أو نسبة تزيد معناها مأساة جديدة تُضاف إلى مآسى السودانيين.. هذا ما أكدته أنديرا الأمين، محامية سودانية مقيمة فى القاهرة بالوقت الراهن، عملت لفترة طويلة داخل السودان فى مساعدة السيدات على نيل حقوقهن، وأرادت استكمال مسيرتها بعد انتقالها إلى القاهرة، ورغم عدم توافر الأدوات لديها، إلا أنها كرّست تجهيزات بسيطة مثل هاتفها المحمول واللاب توب الخاص بها فى تقديم الاستشارات القانونية.

«الوصمة».. أول كلمة نطقت بها أنديرا عند حديثها عن الطلاق والنساء السودانيات، قائلة: «تخشى السيدات السودانيات من الوصمة فى حالة الإقدام على خطوة الطلاق، لذا يتحملن الكثير والكثير قبل الوصول إلى هذه الخطوة، وذلك فى الأوضاع العادية، فما بالك فى وقت الحرب؟ فالآلام تتضاعف مع النزوح والهروب والمطاردات والخوف من الاغتصاب والقتل».

2
 

تتذكر أنديرا كيف كانت النساء قبل الحرب خائفات من الوقوف فى قاعات المحاكم لطلب الانفصال، بعدما فاض الكيل من حياتهن الزوجية، وفى سبيل الوصول إليه، تجاوزن لحظات أكثر صعوبة، على رأسها تدبير المصاريف اللازمة للشروع فى إجراءات التقاضى، إضافة إلى تحدى أنفسهن والمجتمع وبعض العادات والتقاليد الخاطئة، والوقوف فى مواجهة الأهل والزوج، وتزداد صعوبة الموقف إذا ما تعرّضن للعنف الزوجى أو فى بيت الأهل.

وتضيف أنديرا: «الوضع بعد الحرب أصبح أكثر صعوبة، بعد توقف كل شىء تقريبًا من محاكم وأقسام شرطة، وكان على السيدة مواجهة كل شىء بمفردها، وتحمل ظروف الحرب الاستثنائية والقهر وحدها، بدون أن يقف قانون رادع لما تتعرض له من إساءات وأوضاع معيشية بائسة».

وتوضح المحامية المتخصصة فى الأحوال الشخصية أن «تنفيذ الحكم» هو أصعب إجراء قانونى تواجهه أى سيدة سودانية راغبة فى الطلاق، سواء كان قبل الحرب أو بعدها، قائلة: «أحيانًا تستغرق القضية عامًا أو عامين قبل صدور الحكم، ويستغل الزوج تلك الفترة لتغيير محل سكنه وتقديم الطعون حتى صدور الحكم النهائى بالطلاق والنفقة وغيرها من الإجراءات، وبعدها تأتى المفاجأة بأن الزوج اختفى ولا يمكن العثور عليه لاستكمال الإجراءات القانونية».

موقف المعلقات.. وطلاق الأطفال

وفى الوقت الذى تتعالى فيه أصوات المدافع ومعها تتعالى صرخات نساء سودانيات يرغبن فى تحديد مصيرهن لكن لا يسمعهن أحد بعد ما هجرهن أزواجهن دون أى إثبات رسمى وتركهن معلقات يواجهن المجهول تبرز أزمة السيدات المعلقات لا هن متزوجات ولا مطلقات، وهنا تقول أنديرا إن أصعب الحالات التى تعرض عليها لسيدات معلقاترغم أن القانون عالج تلك المسألة بإقامة دعوى بسبب الغِيبة أو ما يسمى بـ«الخوف من الفتنة» بعد عام من غياب الزوج لكن تبقى مسألة توفير شهود ومصاريف التقاضى أزمة كبرى.

بخلاف السيدات المعلقات، تبرز مشكلة لا تقل خطورة تتمثل فى طلاق القاصرات «الأطفال» بحسب أنديرا، وتقول إن زواج الأطفال ارتفعت نسبته بعد الحرب، والأسباب معروفة سواء للأوضاع الاقتصادية للأسرة الراغبة فى تخفيف الأعباء من على كاهلها أو توفير الحماية لهن خوفا من تعرضهن للاغتصاب من قبل المقاتلين فى الحرب.

وتضيف أنديرا بأن ارتفاع نسبة زواج الأطفال يأتى معه ارتفاع نسبة الطلاق أيضًا، والسبب معروف بأن طفلة عمرها 12 عامًا مثلاً لا يمكنها تحمل مسؤولية بيت وأسرة فى ظل أوضاع الحرب، وبالتالى يأتى الزوج بعد فترة ويُعيد الفتاة لأهلها راغبًا فى التخلص منها بدون منحها حقوقها، مضيفة: «الأهل من الأساس زوجوا البنت لعدم قدرتهن على تحمل مسؤوليتها، لذا لن يكون لديهم مقدرة على مقاضاة الزوج لأخذ حقوق فتاتهم، والمحصلة النهائية طفلة عاشت تجربة زواج وطلاق صعبة لها توابع وتأثيرات جسدية ونفسية عليها مدى حياتها».

وتشير أنديرا إلى أنها شاهدت حالات تعانى بشكل مأساوى لرغبتهن فى الطلاق وعدم قدرتهن على خوض مسار التقاضى والوقوف فى وجه المجتمع المحيط، آخرهن شابة بالسودان قررت التخلص من حياتها، فلم تتحمل ضغوط حياتها الشخصية، مضافًا عليه آلام الحرب ومصائبها.

«المرأة لو قرأت قانون مصيرها الكانون».. بهذا المثل تلخص أنديرا وضع المرأة السودانية فى المنظومة القانونية، قائلة: «النساء السودانيات والفتيات ومعهم الأطفال هم الحلقة الأضعف فى مجتمعنا حتى فى وقت السلم يكونوا مقيدين بالظروف الاجتماعية المحيطية، والمثل الذى ذكرته معناه أن المرأة حتى لو قرأت القانون سيكون مصيرها الكانون أى الشىء الذى يتم طهى الطعام عليه، وهنا إسقاط على أعمال المنزل كزوجة، وهذا فيه تحجيم كبير لدور المرأة فى المجتمع، وبسبب تلك المعتقدات تنتج كل الأزمات الراهنة».

وأشارت إلى أنه يجب تطوير المنظومة القانونية فى السودان كأولوية بعد الحرب، وتعديل أوضاع المرأة حتى تحصل على حقوقها المشروعة سواء فى الزواج بمعايير واضحة أو حتى فى الطلاق إذا ما رغبت فى ذلك.

اللاجئات فى الخارج.. مصر نموذجّا

أنديرا كشفت عن الوضع القانونى بالنسبة للسيدات الراغبات فى الطلاق داخل السودان ومشاكلهن لكن تبقى التساؤلات عن المقيمات أو اللاجئات فى الخارج، ولا يوجد نموذج أفضل مصر لتقصى أوضاع السودانيات، كونها البلد الأكثر استقبالاً للاجئين السودانيين منذ اندلاع الحرب عبر استقبال قرابة الـ«مليون و200 ألف شخص» منهم 791 ألف تم تسجيلهم من قبل الأمم المتحدة، إضافة إلى وجود عدد كبير على قائمة الانتظار.

بالنسبة لإقامة اللاجئة لدعوى لطلب الطلاق فإنها ينبغى عليها اتباع عدة خطوات وتحضير المستندات المطلوبة إلا أن أشرف ميلاد، المحامى المتخصص فى شؤون اللاجئين، يقول إن الفوضى بالسودان تسبب عدم امتلاك عدد من اللاجئات لكل الأوراق الرسمية والمستندات المطلوبة فى ظل الحرب والاشتباكات وعمليات النهب المستمرة للمنازل، موضحًا أنه حتى فى وجود أقارب فى السودان لا يمكنهم استخراج الأوراق، ويكون الحل الوحيد أمام السيدة اللجوء إلى السفارة لاستخراج الأوراق المطلوبة لكن هذا الإجراء يأخذ وقتًا.

ويوضح ميلاد الأبعاد القانونية للمسألة، قائلاً: «إذا كان الطلاق فى بلد لجوء مثل مصر يكون عبر محام، ويتم عبر قانون الأحوال الشخصية الخاص باللاجئة مع الوضع فى الاعتبار أن مصر متحفظة على المادة 12 من اتفاقية 1951 الخاصة بحق اللاجئ فى تطبيق قانون الأحوال الشخصية الخاص ببلاده، وهذا يعنى أن مصر لا تطبق هذه المادة بشكل كامل على اللاجئين على أراضيها، بل قد تطبق قوانينها المحلية فى بعض الحالات».

ويضيف ميلاد: «يتم مد القاضى الناظر فى القضية بالقانون الخاص ببلد اللاجئة ويحكم بها، ضاربًا مثال بفكرة الطلاق للغيبة «أى غياب الزوج» فى السودان يكون خلال سنة، ويتم استناد الأمر للقانون الجديد الخاص باللاجئين قانون لجوء الأجانب 1164 لسنة 2024، الذى يعطى للاجئ أو اللاجئة الحق فى الاحتكام لقانون الأحوال الشخصية الخاص بهما».
وكشف ميلاد عن أبرز المشكلات التى تواجهها اللاجئة الراغبة فى إقامة دعوى طلاق هى عملية «توكيل محامى» ولاتخاذ هذا الإجراء يجب أن تكون تكون اللاجئة حاصلة على إقامة، خاصة أن الدولة المصرية منذ فترة ربطت كل الإجراءات بوجود إقامة.

وتابع حديثه: «مفوضية اللاجئين والجوازات بالعباسية غير قادرة على استيعاب الأعداد، وهناك قائمة انتظار طويلة، وفى الوقت نفسه الإقامة شرط أساسى لعمل توكيل للمحامى أو المحامية لعمل قضية الطلاق حتى فى حالة تواجد اللاجئ أو اللاجئة، وهذا الأمر يعطل الإجراءات كثيرًا».

ويضيف: «أيضًا من المعوقات التى تواجه اللاجئات فى عملية الطلاق، عدم مساندة مفوضية اللاجئين لهن خاصة فى موضوع الرسوم أو أتعاب المحامى لا سيما أنها تكون فى كثير من الأحيان فوق طاقة السيدة المادية».

كل الأبواب مغلقة!

كل المقدمات والنتائج سواء اجتماعية أو قانونية، تكشف عن مدى صعوبة اتخاذ المرأة السودانية لقرار الطلاق، فهى مقامرة غير محسوبة العواقب فى كثير الأحيان، لذا الوصول إلى تلك النقطة يسبقه طريقا طويلاً من المعاناة يجعل كل أبواب استمرار الزواج مغلقة، وهذا ما أكدته رئيسة منظمة زينب لتطوير وتنمية المرأة فى السودان، فاطمة سمهن.

تعدد «سمهن» أسباب ارتفاع معدلات الطلاق فى الداخل السودانى والخارج مؤخرًا إلى عدة عوامل أبرزها الوضع الاقتصادى الصعب والنزوح واللجوء والضغوط النفسية، والألم والحسرة على ضياع كل المدخرات بسبب سرقة البيوت، وضبابية المستقبل بسبب الحرب، وذلك مع الوضع فى الاعتبار أن الأوضاع الاقتصادية كانت سيئة قبل الحرب بالأساس.

تقول «سمهن»: «للنزوح واللجوء مرارة لا توصف سواء فى الداخل ما بين التكدس فى الولايات الآمنة نسبيًا بعيدًا عن الاشتباكات، والتواجد فى مراكز الإيواء وما بها من صعوبات بسبب غياب أبسط سبل الحياة، وبالتالى الضغوط زادت على الجميع ولم يعد أحد يحتمل الآخر».

بالنسبة للوضع الاقتصادى تشير رئيسة منظمة زينب لتطوير وتنمية المرأة فى السودان إلى أن انعدام فرص العمل بالنسبة للرجال سواء فى الداخل مع تطورات الحرب، وأحيانا تواجد أسرهم فى مكان وهم يبحثون عن عمل فى مكان آخر جعل السيدات تشعر أنهن بلا دعم، كما أن من سافروا للخارج أيضًا لا توجد فرص عمل مناسبة فى دول اللجوء مما يحدث انقسامات فى الأسرة.

وتضيف: «أيضًا كانت هناك أزواج حياتهم مستقرة سواء داخل السودان أو خارجها لكن عندما نزحت أسرهم لهم أو سافرت لهم إذا كانوا فى الخارج باتت هناك مشاكل أكبر بسبب تدخل الأهل فى حياتهم، وانعدام الخصوصية ونتج عن ذلك حالات طلاق كثير، ولا يمكن إغفال شعور الجميع بضغوط غير مسبوقة».

وتعليقًا على بروز العنف كأحد الأسباب الرئيسية لارتفاع حالات الطلاق، تقول سمهن: «بالتأكيد العنف الأسرى سبب رئيسى، وزادت نسبه مع الأوضاع المأساوية للسودانيين فى الداخل والخارج وزيادة الخلافات بين الأزواج».
وتابعت حديثها: «فى ظل الحرب تعرضت نساء لمواقف مأساوية سواء ابتزاز جنسى أو اغتصاب أو زواج قسرى للمقاتلين وتحديدًا من الدعم السريع، وهذا أثر على الأسر وأدى لتفككها».

بالنسبة لزواج القاصرات «الأطفال»، توضح سمهن أن تلك الأزمة من قبل الحرب لها دور كبير فى زيادة حالات الطلاق، خاصة أن البنات يكن صغيرات عند تزويجهن، لا يفقهن شيئا فى الحياة الزوجية ويجدن أنفسهن وسط عائلات كبيرة، ولا يعرفن حتى كيفية التعامل مع الزوج وذلك فى الظروف الطبيعية، فما بالك فى وقت الحرب»، مستدركة بأن الريف السودانى بالتحديد يعانى من تلك الظاهرة بشكل كبير بصرف النظر عن أى أوضاع خارجية لأنها ثقافة سائدة.

وأشارت سمهن إلى أن ظاهرة زواج الطفلات كانت قد بدأت فى الخفوت إلى حد ما قبل الحرب إلا أنه عادت بقوة مؤخرًا، والأسباب معروفة من وضع اقتصادى صعب وخوف على البنات من أذى تتعرض له بدون رجل يحميها، مشيرة أن الأزمة تكمن فى أن الزواج لا يحل المشكلات دائمًا بل يعقدها فى كثير من الأوقات بعدما تعود الفتاة إلى أسرتها ومعها أطفالها فيزيد العبء.

توضح سمهن أن منظومة القوانين المنظمة لعملية الزواج والطلاق فى السودان تحتاج لعملية إصلاح كاملة يعنى فى قصة زواج القاصرات لا بد من إقرار تشريع بعدم تزويج أى بنات إلا بعد وصولها إلى 18 عامًا، إلا أن الواقع مغاير فلا يوجد فى القانون الحالى ما يمنع تزويج طفلة عمرها 12 أو 13 عامًا رغم أنه كانت هناك جهود سابق لمنظمات حقوقية ونسائية لتغيير هذا الواقع لكن الحرب قضت على كل شىء.

عادات وتقاليد خاطئة!

أمّا الباحثة الاجتماعية السودانية ثريا إبراهيم، فتفسر ظاهرة ارتفاع معدلات الطلاق بين السودانيين، سواء داخل السودان أو خارجه، فى الفترة الأخيرة، سواء فى فترة ما قبل الثورة أو بعدها أو بعد اندلاع الحرب، قائلة: «بشكل عام، أسباب الطلاق تتلخص فى غياب التوافق الفكرى والعاطفى، خاصة إذا كان هناك إجبار لأى منهما على الزيجة فى ظل العادات والتقاليد المتبعة لدى بعض الأسر أو القبائل فى مسألة الزواج من الأقارب أو عائلات بعينها».

تضيف ثريا: «أيضًا من أسباب الطلاق عدم التفهم لمسؤوليات الزواج نفسه، ووجود توقعات مختلفة عن الواقع، لذا تظهر أهمية الخضوع لدورات تدريبية وتعريفية بالحياة الزوجية مثلما يحدث فى المجتمعات المتقدمة، إضافة إلى وجود فحوصات للتأكد من السلامة الصحية للشريكين من كل الجوانب حتى لا تظهر المشاكل بعد الزواج».

نقطة أخرى أشارت إليها الباحثة الاجتماعية، تمثلت فى أن معظم الرجال يتزوجون وهم فى عمر الأربعين عامًا، وأحيانًا أواخر الثلاثينات، وهذا يعنى أن الشاب اعتاد على الجلوس مع أسرته لفترة طويلة، ويظل فى احتياج دائم إلى والده ووالدته، وبالتالى ينعكس ذلك على قدراته فى تكوين أسرة مستقلة.

توضح الباحثة الاجتماعية أن الوسط المحيط من الأهل غالبًا ما يكون السبب الأبرز فى كثير من حالات الطلاق بسبب التدخل فى حياة الزوجين بشكل سلبى، إضافة إلى الإقامة أحيانًا فى بيت العائلة إذا كان الزوج غير قادر على شراء منزل خاص به، وهنا تنعدم الخصوصية الضرورية لأى زوجين، ثم تظهر المشكلات.

بالنسبة لمدى تقبل المجتمع السودانى للسيدة المطلقة، تقول ثريا: «نظرة المجتمع الشرقى عمومًا، وليس السودانى فقط، للمطلقة ليست الأفضل بحال، لكن الأثر الأكبر يكون للمجتمع المحلى المحيط بالمرأة وأهلها ومدى وعيهم بأن الطلاق حق مثل الزواج، وأن هذا ليس عيبًا فيها، ولا يجب الترصد لكل تحركاتها باعتبارها مدانة مسبقًا».

وتضيف: «إذا كانت المرأة المطلقة متمكنة اقتصاديًا فإن هذا العامل يؤثر كثيرًا ويحررها إلى حد ما من قبضة المجتمع، ويزيد من استقلاليتها، لذلك نجد تجارب لمطلقات سودانيات تمكنّ من تحدى الظروف بمساعدة أهلهم، ولم تنتهِ حياتهن مع انتهاء تجارب زواجهن».

وتعليقًا على وجود حالات لنساء تخلصن من حياتهن بسبب الطلاق، تقول الباحثة الاجتماعية: «تعرض السيدات للعنف الجسدى أو اللفظى أو الاقتصادى عبر حرمانهن من حقوقهن، كل هذه العوامل تؤدى إلى الاكتئاب، وقد يصل الأمر إلى الانتحار إذا لم تجد المرأة الدعم المناسب من أسرتها أو عالمها المحيط، وشعرت بالعزلة، وأن لا مستقبل لها»، مضيفة: «المعاناة دائمًا ما تتضاعف إذا لم تكن السيدة متعلمة أو غير متمكنة اقتصاديًا، وتعانى من وصم مجتمعى بأنها مطلقة، مما يزيد الضغوط عليها».

الطلاق الآمن

وتوضح الباحثة الاجتماعية أنه فى أعقاب ثورة 19 ديسمبر دارت الأحاديث عن حقوق المرأة، وأهمية تغيير نظرة المجتمع لها فى كل أحوالها، وتعديل القوانين المنظمة للأحوال الشخصية ومنها الطلاق، وكانت هناك مناقشات موسعة فى الإعلام، إلا أنها لم تأخذ حيزًا كبيرًا، لتأتى بعد ذلك الحرب ويزداد تعقيد كل شىء بدلًا من اتخاذ خطوات للأمام.

وتضيف ثريا بأن الحرب زادت من تعقيد كل شىء، وضاعفت المعاناة، وبات من الصعب وجود «الطلاق الآمن»، أى إنهاء العلاقة بشكل محترم يضمن للجميع حقوقهم، لا سيما إذا كان هناك أطفال، وبالتالى لهم حقوق، مضيفة بأن هناك رجالًا يتنصلون من مسؤوليتهم فيما يخص النفقة كما كان يحدث قبل الحرب، وبعد حدوث الاضطرابات بات الكثيرون يستغلون عدم وجود محاكم وجهات قادرة على تنفيذ القانون، وأحيانًا يتطور الوضع إلى وجود خطف للأطفال للضغط على الأم حتى ترضى بما يُقدَّم لها.

وأشارت الباحثة الاجتماعية إلى أن الأطفال هم الحلقة الأضعف فى مسألة الطلاق قبل الحرب، والوضع يزداد مأساوية بعدها بالتأكيد، لذا فإن «الطلاق الآمن» ضرورى حتى يضمن للأبناء حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.

p
تحقيق اليوم السابع

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

2 مليار جنيه دعم للطيران وعوائد بالدولار.. مصر تستثمر في السياحة

موعد انطلاق مسابقة الدورى المصرى الجديد 2025-2026

إنبى يواجه كهرباء الإسماعيلية ودياً غداً

المقاولون يختتم معسكر الإسكندرية ويعود إلى القاهرة استعدادا للموسم الجديد

تعرف على مواعيد القطارات على خط القاهرة الإسكندرية والعكس اليوم السبت


تامر حسنى يواصل تألقه فى العلمين بأغانى "معلمين" و"أكتر حاجة".. صور

تامر حسنى يعاتب فنانا كبيرا: احتراما ليه ولجمهوره مش هنشر إن ألبومى متصدر عليه

بمشاركة 25 فنانا وكاتبا وناقدا وخبراء فى مجالات صناعة الدراما.. دراما المتحدة تسيطر على المراكز الأولى فى استفتاء نقابة السينمائيين.. مسلسلات لام شمسية وولاد الشمس وقهوة المحطة وقلبى ومفتاحه تحصد لقب الأفضل

بشرى لطلاب الثانوية الأزهرية.. مؤشرات النتيجة مرتفعة ونطمئن الطلاب وأولياء أمورهم وإعلانها قبل نهاية يوليو.. رئيس قطاع المعاهد: لا نستعجل فى إعلان النتيجة لضمان حصول كل طالب على حقه فى الدرجات

حالة الطقس المتوقعة اليوم السبت 26 يوليو 2025 فى مصر


سيراميكا يتوصل لاتفاق مع بيراميدز للتعاقد مع فخرى لاكاى بشكل نهائى

المطرب الشامى يفتتح حفله بأغنية "جيناك" وسط تصفيق حار.. صور

الإسماعيلى يفوز على سبورتنج وديا بهدف مروان حمدى استعدادا للدورى

الأهلى يتقدم على البنزرتى التونسى بثنائية تريزيجيه فى الشوط الأول.. فيديو

وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر سواء بسواء.. والادعاء بحِلِّه خطأ فادح

تصعيد أمريكى فرنسى.. ترامب يسخر من اعتراف ماكرون بدولة فلسطين

غداً بدء امتحانات الدور الثاني بالقاهرة.. تفاصيل

شاهندا المغربي حكما لمباراة تحديد المركز الثالث بأمم أفريقيا للسيدات

الأهلي يحدد موعد جلسة حسم عروض أحمد عبد القادر بعد قرار ريبيرو

الجيش اللبنانى يشارك فى إخماد حرائق بقبرص

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى