كنوز المستقبل.. معارك من أجل بطاريات السيارات والهواتف.. معادن الليثيوم والكوبالت النادرة تتحول إلى وقود الصراع الاقتصادى العالمى.. ارتفاع الطلب على الليثيوم 400%.. والكوبالت ثروة ممزوجة بالدم فى الكونغو

في ظل التحول العالمي المتسارع نحو الطاقة النظيفة والتقنيات الخضراء، لم تعد المعادن النادرة مجرد مواد خام تُستخرج من باطن الأرض، بل أصبحت "كنوز المستقبل" وأسلحة استراتيجية في صراع النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي بين القوى الكبرى.
معادن مثل الليثيوم، الكوبالت، النيكل، والنيوديميوم باتت تمثل العمود الفقري لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية، والهواتف الذكية، والتوربينات الهوائية، وأنظمة الدفاع الحديثة، غير أن الوصول إلى هذه الموارد لا يخلو من التعقيدات: بين النزاعات الداخلية في الدول المنتجة، وهيمنة الصين على سلاسل الإمداد، وسعي الولايات المتحدة وحلفائها لفك الارتباط التدريجي عن بكين، وفقا لتقرير نشرته صحيفة إنفوباى الأرجنتينية.
وفي قلب هذا المشهد المعقد، تقف الكونغو الديمقراطية بثروتها الهائلة من الكوبالت، تحت مجهر الانتقادات الدولية بسبب ظروف العمل والانتهاكات الحقوقية، بينما تتصاعد التوترات في أمريكا اللاتينية حول استغلال الليثيوم، في وقت تدخل فيه شركات التكنولوجيا سباقًا محمومًا لتأمين المعادن اللازمة لمستقبل النقل والطاقة.
في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم نحو الطاقة النظيفة، دخلت دول العالم سباقًا محمومًا على المعادن النادرة التي تُعد أساسًا لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية والتكنولوجيا المتقدمة، وعلى رأسها الليثيوم، الكوبالت، النيكل، والنيوديميوم.
هذا السباق لم يعد مجرد قضية اقتصادية أو بيئية، بل أصبح جزءًا من لعبة النفوذ الجيوسياسي، حيث تتقاطع المصالح التجارية مع النزاعات الداخلية في دول منتجة، بينما تحاول القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، تأمين سلاسل الإمداد بعيدًا عن التوترات.
الليثيوم.. الذهب الأبيض تحت الضغط
يُعد الليثيوم عنصرًا أساسيًا في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، ويتركّز إنتاجه العالمي في ما يُعرف بـ"مثلث الليثيوم" بأمريكا الجنوبية، الذي يضم بوليفيا، تشيلي، والأرجنتين،و ارتفع الطلب عليه بنسبة تفوق 400% خلال العقد الأخير، مع توقعات بتضاعفه ثلاث مرات بحلول عام 2030.
ورغم امتلاك بوليفيا لأكبر احتياطي مؤكد من الليثيوم في العالم، إلا أن استغلاله يُواجه تحديات داخلية حادة، أبرزها الانقسامات السياسية، وصراعات مجتمعية حول الملكية واستخدام الأراضي، إضافة إلى توترات بين الحكومة والشركات الأجنبية بشأن عقود الاستثمار.
وفي المقابل، تسعى الصين للسيطرة على سلاسل التوريد من خلال استثمارات ضخمة في المنطقة، فيما تحاول الولايات المتحدة بناء شراكات بديلة لتقليل الاعتماد على النفوذ الصيني في هذا القطاع الحرج.
الكوبالت.. ثروة ممزوجة بالدم في الكونغو الديمقراطية
الكوبالت عنصر لا غنى عنه لصناعة البطاريات، ويأتي أكثر من 70% من إنتاجه العالمي من جمهورية الكونغو الديمقراطية. لكن خلف هذه الثروة تقبع أزمة إنسانية وأمنية، حيث تُتهم شركات التعدين الدولية بالتورط في استغلال الأطفال، وانتهاك حقوق العمال في مناجم غير منظمة، تُعرف بـ"المناجم الحرفية".
كما تشهد مناطق التعدين في الكونغو نزاعات مسلحة بين جماعات محلية وقوات حكومية، مما يهدد استقرار الإمدادات ويثير قلقًا دوليًا بشأن "أخلاقيات سلسلة التوريد".
النيكل والنيوديميوم.. قوة الدفع والندرة
النيكل يدخل في صناعة البطاريات ذات الكفاءة العالية، بينما يُستخدم النيوديميوم في صناعة محركات السيارات الكهربائية والتوربينات الهوائية بفضل خصائصه المغناطيسية النادرة.
تُعد إندونيسيا والفلبين من أبرز منتجي النيكل، إلا أن القيود البيئية المفروضة على التعدين تعرقل التوسع في الإنتاج. أما النيوديميوم، فهو يُستخرج بشكل أساسي من الصين، التي تهيمن على أكثر من 85% من سوق المعادن الأرضية النادرة، ما يمنحها ورقة ضغط قوية في الصراع التكنولوجي مع الغرب.
الصين وأمريكا.. معركة السيطرة على المعادن الحرجة
وسط تصاعد التوتر بين بكين وواشنطن، أصبحت المعادن النادرة نقطة استراتيجية في الحرب الاقتصادية بين القوتين. بينما تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على الواردات من الصين، تُكثّف إدارة البيت الأبيض جهودها لتأمين مصادر بديلة، سواء من خلال تحالفات جديدة مع دول مثل كندا وأستراليا، أو عبر دعم مشاريع التكرير والتعدين المحلية.
في الوقت نفسه، أعلنت الصين مؤخرًا فرض قيود على تصدير بعض المعادن الاستراتيجية، في خطوة وُصفت بأنها "رد اقتصادي ذكي" على العقوبات الغربية المفروضة على شركاتها التكنولوجية.
مع تصاعد الطلب على السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، يُتوقع أن يتضاعف الطلب العالمي على الليثيوم والكوبالت والنيكل ثلاث مرات على الأقل بحلول 2035، وفقًا لتقارير وكالة الطاقة الدولية.
لكن هذه الطفرة تثير مخاوف من استنزاف الموارد، واحتدام النزاعات في دول الإنتاج، وخلق فجوة جديدة بين "منتجي المواد الخام" و"مستهلكي التكنولوجيا".

Trending Plus