أحسن اختيار عباراتك

لماذا يسهل على الإنسان أن يُردد عبارة "أنا فاشل"، بمُنتهى السهولة عندما يخفق في أمر ما، فهو يقولها بمُنتهى البساطة ودون أدنى تردد وكأنها أمر واقع يقرره بعد دراسة مُتعمقة، ولا يدري أنه بقوله هذا يحكم على نفسه بالموت مع الحياة، لأنه يرُسي مبدأ أو فكرة بين الناس عن نفسه، والأهم أنه يُفْقد ثقته في نفسه، ويتعامل معها على أنها أصبحت بلا ثمن ولا معنى ولا جدوى لها.
فالأحرى به أن يقول: "كانت مُحاولة فاشلة"، أو "لقد أخفقت التجربة"، أو "لم يتم دراسة الموضوع بالقدر المطلوب"، أو غيرها من العبارات التي تؤكد أن الأمر قد يحتاج إلى مُحاولة أخرى، وأنه قابل للنجاح، ولكن أيًا ما كان الأمر فصاحبه ليس بفاشل.
فالحكم بالفشل أصعب كثيرًا من الحكم بالموت، فهو بمثابة إقرار بالنهاية للعقل والقلب، فالفشل كلمة صعبة، وإحساسها أصعب، لأنها تضع صاحبها في مكانة مُتدنية بين العقول والنفوس، وكأنه فاقد القدرة على التفكير أو إصدار القرارات الصائبة، فالفاشل قريب بفاقد الأهلية، لأن كل سلوك يسلكه يكون محفوف بالمشاكل والفشل والإخفاق، فلا يُمكن الاعتماد عليه، أو التعويل على سلوكياته وتصرفاته، أو الثقة في آرائه وقراراته.
فكيف يتسنى للإنسان أن يتحمل نعته بهذه الصفة القاسية، والأدهى من ذلك، كيف يتسنى له أن ينعت نفسه بهذا الأمر، والغريب أن الكثيرين يُرددون هذه الكلمة ببساطة وسهولة شديدة، دون إدراك منهم أنهم يُوثقون فكرة ورأي عنهم ينال منهم، ويُقلل من شأنهم، ويهز الثقة في كينونتهم، ثم إن هناك خلط حقيقي لدى هذه النوعية من البشر، وهو عدم التفرقة بين الفشل والإخفاق، وبين الفاشل والمُخفق، فالمعنى الأول يعني النهاية والعدم، أما الثاني فيعنى القدرة على استمرار المُحاولة، والأمل في أن يتحقق النجاح.
فالإنسان المُؤمن الواثق من نفسه، لابد أن يُدرك أن الإخفاق أمر وارد في حياة كل إنسان، لأن أي تجربة تخضع لعدة عوامل، ربما لو فقد أحدها، سيحدث الإخفاق، ولكن مع الإصرار والاستمرارية والرغبة الحقيقية في الوصول للهدف، سيتحقق النجاح، أما الاعتقاد بأن الفشل نتيجة مؤكدة للإخفاق، فهذا رأي خاطئ، لأن الفاشل هو مَنْ يستسلم من المرة الأولى، ويفقد ثقته في نفسه عند أقل هزة قد تُواجهه، ويبدأ في العُزلة والرفض والخوف من خوض التجربة مرة أخرى، فهذا هو الفشل بمعناه الحقيقي، أما مَنْ يقتنع بأن الإخفاق جزء من مراحل الحياة، و من خوض أي تجربة، وأنه ليس نهاية الحياة، فهذا هو الشخص الناجح صاحب الإرادة الفولاذية.
فأيهما أفضل، أن يقول الإنسان: "لقد فشلت"، أم يقول: "لقد فشلت التجربة، سأحاول لاحقًا"، فلو تفكرنا قليلًا سندرك أن المعنى والإحساس والكلمات شديدة الاختلاف بين العبارتين، فأحدهما تبني، والأخرى تهدم، والأولى تجزم بالنهاية، والثانية تنتظر بداية يوم جديد لمُعاودة المُحاولة من جديد.
ولكل منا الخيار في اختيار أيهما ما يجب أن يردد من عبارات، ولكن علينا أن نُفكر أولاً قبل أن نقرر، لأن الاختيار الأول يعني إنهاء مصير، والثاني التزام وتصميم على التنفيذ، فكليهما صعب، ولذا علينا أن ندرس أنفسنا، وأن نحسن اختيار العبارات التى نرددها!

Trending Plus