يوليو وناصر جدل موسمى.. مصير الثورة فى عصر التحولات الكبرى

بعد مرور 73 عاما على ثورة 23 يوليو، يبقى أثرها قويا وتأثيراتها تتجاوز حدود مصر إلى آفاق واسعة بأفريقيا وآسيا، خاصة الدول العربية التى ارتبط مواطنوها بمصر وتعلقوا بشخص وصورة جمال عبدالناصر، وأيا كان موقف الشخص من ناصر يبقى الرجل ذا وجود طاغ محفور فى أعناق كثيرين.
وعلى مدى عقود بقيت «يوليو» ضمن الأحداث الأكثر تأثيرا، بما يتجاوز مصر ومجتمعها وواقعها إلى الإقليم والعالم، وحتى هؤلاء الذين حملوا اختلافا مع الثورة وناصر، احتفظ كثيرون من المفكرين والاقتصاديين والسياسيين باحترام وتقدير للتجربة، بينما تساقطت شهادات أو تصورات انطلقت من زوايا وآفاق ضيقة وحملت أحكاماً سطحية، وهى مجادلات موسمية وتبسيط مخل غالبا ما ينطلق من جهل أو تركيبة لا تبحث عن رؤية بل عن «لايك» أو إرضاء لفريق ما، وبعد مرور 73 عاما على الثورة و55 عاما على رحيل ناصر يظل يوم 23 يوليو 1952، أثر على مصر اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، بما يتجاوز فعلا ورد فعل، ومهما كان موقف الشخص منها، تظل الأحداث ذات تأثيرات عابرة للأجيال ومؤثرة ومتفاعلة، وفى كل عام على مدى عقود جرت العادة أن ينشب نقاش يبدو أحيانا بلا أفق، حول تقييم حدث 23 يوليو، بطريقة لا تختلف عن تشجيع فرق كرة القدم، بينما مثل هذه الأحداث ليس فيها لو، وليس فيها تقييم بزمان غيرها، كل حدث يجرى تقييمه، بزمانه ومكانه وظروفه.
الثورة قامت فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، والعالم ما زال يعانى من جروح وخسائر ودمار، وانعكاسات اقتصادية وتضخم وأزمات، بينما مصر والدول العربية تعانى من ويلات الاستعمار القديم الذى كان يلفظ أنفاسه، بينما تصعد قوى ناهضة، شرقا وغربا، فى ظل حرب باردة تحمل شكلا أيديولوجيا، لكنها فى الأساس تعبير عن صراع قوى جديدة على النفوذ والثروات والولاءات، واستقطاب أنتج تقاطعات وتشابكات سياسية انعكست اقتصاديا على طموحات التنمية المستقلة، حرب باردة رفعت من صراع أيديولوجى بين قوى عظمى تتصارع على النفوذ، وتسعى لاستقطاب الدول المستقلة وبقايا استعمار يحاول التمسك بنفوذه.
سعى جمال عبدالناصر إلى استغلال هذا الاستقطاب، مع زعماء آخرين لإقامة منظمة عدم الانحياز، لتبقى الدول الناهضة قادرة على البقاء بعيدا عن الاستقطاب المباشر، عبدالناصر، وجواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند، والرئيس اليوغوسلافى جوزيف بروز تيتو فى باندونج، سعوا لإقامة منظمة عدم الانحياز، بحثا عن استقلال فى ظل استقطاب، نجحوا أحيانا فى الحفاظ على الاستقلال، وانحازوا فى أحيان أخرى، منذ مؤتمر باندونج الأفرو- آسيوى فى إندونيسيا من 18-24 أبريل 1955، وشهد تجمع 29 رئيس دولة ينتمون إلى الجيل الأول من قيادات الاستقلال بحثا عن سياسات مشتركة فى العلاقات الدولية، وانعقد المؤتمر الأول للحركة فى بلجراد عام 1961، وحضره ممثلو 25 دولة، ثم توالى عقد المؤتمرات ووصل عدد الأعضاء فى الحركة عام 2011 إلى 118 دولة، وفريق رقابة مكون من 18 دولة و10 منظمات.
سعت مصر بقدر الإمكان إلى الابتعاد عن التبعية، وحرصت على الاستقلال والتوجه نحو التنمية، واجهت الدولة انتصارات وانكسارات، يجب النظر إليها فى ظروفها زمانا ومكانا، ولم تكن خيارات جمال عبدالناصر، نحو نظام اشتراكى اجتماعى، اختراعا، فقد كانت مطالب للطبقة الوسطى، وكانت أفكار طلعت حرب وطليعة الوفد تدفع نحو هذا الاتجاه، وجرى التوسع ببناء المدارس والمستشفيات والمساكن وبناء صناعات متنوعة ودعم القائمة منها، ومجانية التعليم أحد أهم مطالب قطاعات عريضة من الوفد والأحزاب اليسارية، وسبق الدكتور طه حسين بعد تولى وزارة المعارف، أن يكون التعليم الإلزامى مجانيا.
الشاهد أن 73 عاما شهد العالم تحولات كبرى أطاحت بدول كانت مستقرة، ولعل هذا ما يشير إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كلمته، عما شهده العالم خلال السنوات الأخيرة، من حروب وصراعات ومخططات أفقدت دولا توازنها، وأطاحت باستقرارها، مع حروب بالوكالة وحروب أهلية، وإن كانت مصر بقيت قادرة وسط أنواء وصراعات على حفظ استقرارها، وتوازنها فى ظل استقطاب وحروب، شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، فى ليبيا والسودان وسوريا واليمن، وغزة والحرب المستمرة بشراسة أكثر على الأمن القومى، وتحرص مصر على حفظ أمنها القومى، ووحدة شعبها وأرضها وتحتفظ بقوتها الرشيدة «تحمى وتردع ولا تعتدى أو تغامر».
رحل عبدالناصر قبل 55 عاما، وعدد سكان مصر 30 مليونا، الآن تجاوزوا الـ110 ملايين، تغيرت أشكال الاستقطاب، والحروب والصراعات ، تراجع التعاون واختلفت المراكز والتأثير والنفوذ، فى الماضى دعمت مصر حركات الاستقلال، وخلال السنوات الماضية حرصت مصر على التعاون مع دائرتها الأفريقية، وأن تكون جسرا مع أوروبا والمجال العربى والإسلامى، فى توازن وتحتفظ بموقفها، ضد تصفية القضية الفلسطينية، أو تهجير الفلسطينيين.
المفارقة أن بعض مخترعى الجدل السطحى حول يوليو ما زالوا يمارسون التبسيط والسطحية فى النظر إلى تحولات وصراعات كبرى تطيح بثوابت وتعيد رسم علاقات وتوازنات، وتبدو مصر فى جمهوريتها الجديدة، مع التعاون والشراكة والتعاون وتوازن القوة والنفوذ فى عصر يبدو أصعب كثيرا مما كان، وأكثر تشابكا وتعقيدا.

عبد الناصر وذكرى ثورة 23 يوليو

ثورة 23 يوليو
جمال عبدالناصر
مصر
الحرب العالمية الثانية
الحرب الباردة
منظمة عدم الانحياز
جواهر لال نهرو
جوزيف بروز تيتو
مؤتمر باندونج الأفرو
آسيوى
إندونيسيا
طلعت حرب
النظام الاشتراكى
الدكتور طه حسين بعد
الرئيس عبدالفتاح السيسى
حركات الاستقلال
تهجير الفلسطينيين
القضية الفلسطينية
أوروبا
الوطن العربى
العالم الإسلامى
Trending Plus