حسين عبد البصير يكتب: "جبل على كتفي" الشعر بوصفه بناءً شعوريًا مفككًا

حسين عبد البصير
حسين عبد البصير

في زمنٍ يزداد فيه الشعر انكماشًا داخل قوالب السوق أو يتوارى خلف ترف لغوي لا يلامس نبض الحياة، تأتي تجربة د. سارة حامد حوّاس في ديوانها "جبل على كتفي" كصرخة ناعمة، لكنها مدوّية في عمقها، تطرح علينا سؤالًا جوهريًا: ماذا يحدث عندما تخرج القصيدة عن نطاق الحقول البلاغية، وتتجذر في هشاشة الإنسان؟

إنها كتابة لا تبحث عن الإيقاع، بل عن الاختلال. لا تهتم بالبنية، بل بتشظي البنية. لا تهادن المعنى، بل تشكك فيه. ففي هذه النصوص، لا نعثر على القصيدة كما عرفناها، بل على أطياف لغوية، تتسلل كالهواجس في ليل وعي مضطرب. كأن النص ينحت نفسه من الطين الخام للروح، لا من الأحجار المصقولة للأسلوب.
"جبل على كتفي" ليس عنوانًا مجازيًا، بل جملة وجودية، تعلن أن ثقل الحياة، بكل ما فيه من قلق ومعنى وفقدان، قد استقر فوق الذات. وهذا الثقل لا يُروى بل يُعاش، لا يُتغنّى به بل يُنزَف. من هنا، فإن الكتاب ليس ديوان شعرٍ بالمعنى التصنيفي، بل شهادة ذات مأزومة، تكتب من منطقة ما بعد الألم، من منطقة اللايقين، من الحافة التي لا سند لها.

تتفكك الذات في هذه التجربة، لا لأنها ضعيفة، بل لأنها في أقصى درجات الوعي بذاتها وبعالمها. فلا غرابة أن تتكرر تصاوير تعابير الانكسار والانفصال، لا بوصفها مزاجًا سوداويًا، بل لأنها تعبير عن مقاومة داخلية ضد اللغة، ضد التنميط، ضد الاختزال. نحن أمام كتابة تعي تمامًا أن الشعر قد خان أصوله كثيرًا، وأن اللحظة الراهنة لا تحتمل إلا الصدق المجروح، المتلعثم، المنكسر.

لا تسعى الكاتبة إلى بناء قصيدة، بل إلى هدم القصيدة من الداخل، لتقيم على أنقاضها نصًا عفيًا جديدًا ينهض من شظايا الحلم والتجربة والذاكرة. هناك رفضٌ عميق لكل ما هو نهائي أو مغلق. القصائد قصيرة، مقطعة، مترددة، كأنها تصرخ من فراغ داخلي لا يمكن ترميمه. ولعل في هذا التقطيع نوعًا من مقاومة السرد، ونبذًا للنهاية. كل مقطع هنا هو بداية لجرح، لا يُكمل الآخر، لكنه يتجاور معه كما تتجاور الخسارات.

ثمة وعي نسوي باطني لا يرفع شعارات، بل يتسلل في بنية النص نفسها: في طريقة انكساره، في مقاومته للتراتبية، في انحيازه للهمس على حساب الصراخ، في إعادة تعريف الألم كهوية لا كعار. لا تقدم الكاتبة "أنثى" تطلب تعاطفًا، بل "ذاتًا" تسائل العالم. وهذا، في حد ذاته، فعل تحرر.

في هذه التجربة، لا مكان للتطريب. الصوت منخفض، لكنه حادّ. اللغة قليلة، لكنها دامية. القصيدة تتحول إلى فعل وجودي، إلى محاولة للتماسك وسط السقوط. والمفارقة أن هذا الانكسار الجمالي يفضي إلى نص أقوى من كثير من القصائد المكتملة شكليًا، لأنه لا يحاول أن يكون شيئًا سوى ما هو عليه: مجرد وجع صادق مكتوب بحبر خافت.

إننا هنا أمام كتابة تسير على أطراف أصابعها، لا تريد أن تملأ الفراغ، بل أن تعترف به، تعايشه، تمنحه صوتًا. كتابة تشبه التنفس تحت الماء، حيث كل نفسٍ معجزة، وكل صمتٍ حياة.

بهذا المعنى، جبل على كتفي ليس ديوانًا، بل بيانًا داخليًا. لحظة نادرة من الكتابة التي لا تصرخ، بل تتهجى معاناتها. لا تعلن، بل تلمّح. لا تشرح، بل تشير.
إنها كتابة امرأة تعرف أن اللغة قد لا تنقذ، لكنها على الأقل تمنح الشكل المؤقت للتيه، وتمنحنا نحن القراء مرآة مشروخة، نرى فيها أنفسنا أكثر صدقًا مما لو نظرنا في مرآة كاملة.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

وفاة شقيقة الزعيم عادل إمام أرملة الراحل مصطفى متولى

حسن شحاتة يقضى فترة النقاهة داخل المستشفى

تحذير عاجل.. نوة الفيضة الصغرى تضرب الإسكندرية غدا والأمواج ترتفع 3 أمتار

أحمد الأحمد المسلم بطل اليوم في أستراليا بعد تصديه للهجوم الإرهابى.. فيديو

نتيجة كلية الشرطة كاملة لعام 2025/ 2026 ثانوية عامة ومتخصصين.. فيديو


بيراميدز يتقدم بعرض لبتروجت لشراء حامد حمدان فى انتقالات يناير

كل ما تريد معرفته عن قتل وإصابة 42 شخصا بهجوم استهدف عيد حانوكا بأستراليا

رئيس الوزراء يشهد توقيع عقد مشروع شركة المانع القابضة القطرية بالسخنة

ضبط شاب عشرينى استدرج «طفلة 14 عاما» واعتدى عليها 3 أيام في منزله بالشرقية

جنايات المنصورة تحيل أوراق عربي الجنسية للمفتي لقتله صديقه وقطع جزء من جسده


الطقس غدا.. انخفاض بالحرارة وأمطار وشبورة والصغري بالقاهرة 13 درجة

مواعيد مباريات منتخب مصر فى أمم أفريقيا.. البداية مع زيمبابوى 22 ديسمبر

نتيجة كلية الشرطة 2026 كاملة لجميع التخصصات.. بالأرقام

سعد الصغير ينتقد غياب المطربين عن عزاء أحمد صلاح: مهنتنا مناظر أمام الكاميرات

5 آلاف إثيوبي ملزمون بمغادرة أمريكا خلال 60 يوما.. ما السبب؟

قبول 1550 طالبًا من خريجي الحقوق بأكاديمية الشرطة

قبول 800 طالب من الحاصلين على الثانوية بأكاديمية الشرطة

اعرف الرابط الرسمى للاستعلام عن نتائج اختبارات كلية الشرطة

اعرف كيفية الحصول على نتيجة كلية الشرطة لعام 2025/2026

100 مليون جنيه إسترليني تهدد بقاء محمد صلاح في ليفربول

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى