كيف كتب الطاعون الأنطوني فصل النهاية للامبراطورية الرومانية؟

كان طاعون أنطونيوس، الذي ضرب الإمبراطورية الرومانية في القرن الثاني الميلادي، قاتلًا غير مرئي أدى إلى سقوط الإمبراطورية بأكملها على ركبتيها، وأحدث أضرارًا أكبر من أي جحافل بربرية على الإطلاق.
قبل أن تبدأ كتب التاريخ بذكر تراجع القوة الرومانية بوقت طويل، اجتاح هذا الوباء المدمر العالم المعروف، مخلفًا وراءه موتًا ودمارًا هائلين غيّرا مصير هذه القوة العظمى العريقة جذريًا، هز هذا الوباء الأسس الاقتصادية للإمبراطورية، وحطم وهم قوة الرومان التي لا تقهر.
كيف بدأ الطاعون الأنطوني
بدأ الكابوس في شتاء عام 165 الميلادي، جلب الجنود الرومان العائدون من حملاتهم على الجبهات الشرقية معهم وباءً، دون علمهم، كان هذا على الأرجح نوعًا قاتلًا من الجدري انتشر كالنار في الهشيم عند عودتهم إلى ديارهم.
رأى الطبيب جالينوس الرعب يتكشف بأم عينيه، وترك سجلًا قاتمًا للأعراض: حمى لا هوادة فيها، وقيء، وبثور سوداء اللون تنذر بموت شبه مؤكد، كتب المؤرخ كاسيوس ديو أن 2000 شخص سيموتون يوميًا في روما في ذروة الطاعون.
بينما يصعب التحقق من الأرقام اليوم، يعتقد المؤرخون المعاصرون أن الإمبراطورية فقدت ما يصل إلى عشرة بالمائة من إجمالي سكانها، وكما نتصور، كانت الخسائر بلا شك أعلى بكثير في المعسكرات العسكرية المكتظة والمدن المزدحمة، إذ لم يتمكن الناس (وربما لم يعرفوا حتى كيفية) ممارسة التباعد الاجتماعي للحد من انتشار المرض، أودى هذا الطاعون بحياة الإمبراطور المشارك لوسيوس فيروس عام 169 ميلاديًا، ويعتقد العديد من المؤرخين أنه كان وباءً متجددًا قضى في النهاية على الإمبراطور الفيلسوف ماركوس أوريليوس نفسه بعد أكثر من عقد من الزمان.
لقرون، كانت قوة روما تقاس بجبروت جيوشها والانتصارات الباهرة التي ستحققها، رافعة هيبتها إلى ذروتها، إلا أن وباء الإمبراطورية الرومانية كان عدوًا خبيثًا لم يكن أحد ليتوقعه، لم يكن من الممكن مواجهته في ساحة المعركة بالصلابة والاستراتيجية، وكانت روما عاجزة عن مواجهته.
أصبح هذا المرض الفتاك قاتلاً صامتاً، دمر القوة العسكرية للإمبراطورية من الداخل، دمرت وحدات بأكملها، تاركة حدود روما الطويلة مكشوفة بشكل خطير أمام القبائل الانتهازية التي رأت في ذلك فرصة ذهبية للهجوم، اضطر ماركوس أوريليوس ، الذي كان يخوض حروباً على جبهات متعددة، إلى وضع خطة يائسة لجمع أكبر قدر ممكن من القوى البشرية لإنقاذ الإمبراطورية.
قام بما لا يصدق بتجنيد العبيد والمصارعين وحتى المجرمين لسد النقص في جيوشه، في محاولة يائسة للحفاظ على عدد كافٍ، كان هذا خروجًا صادمًا عن التقليد الذي كان يقضي بأن يكون الجيش الروماني مجهزًا بنخبة النخبة. كان الاعتماد على جنود غير تقليديين، وفي نهاية المطاف مرتزقة بربريين، دليلًا مباشرًا على الكارثة الديموغرافية التي أحدثها الطاعون في روما، لقد خلق ضعفًا في صميم القوة الرومانية، ونقطة ضعف ستستغل لأجيال قادمة، وفقا لما ذكره موقع جريك ريبوت
كيف هز الطاعون روما حتى النخاع
تجاوز تأثير الطاعون ساحة المعركة بكثير، فمع وفاة ملايين المواطنين العاديين، واجهت الإمبراطورية نقصًا كارثيًا في العمالة كان له عواقب وخيمة على الاقتصاد الروماني أيضًا، تركت المزارع دون زراعة، وهجرت المناجم تمامًا بسبب نقص عمال المناجم، وبدأت التجارة المعقدة، شريان الحياة للاقتصاد الروماني، تعاني بشدة، انهارت عائدات الدولة من الضرائب، مما زاد من صعوبة تمويل الجيش الضخم والبيروقراطية اللازمين للحفاظ على تماسك الإمبراطورية.
يرى العديد من المؤرخين الآن أن طاعون أنطونيوس (وهو الاسم الذي أُطلق على هذا الحدث) ليس حدثًا معزولًا، بل كان الشرارة التي أشعلت أزمة القرن الثالث الفوضوية، كانت هذه فترة حرب أهلية واضطرابًا غير مسبوق كاد أن يُدمر الإمبراطورية تمامًا.
وسط هذا الخوف والريبة، شعر كثيرون بأن آلهتهم القديمة قد تخلت عنهم. وقد أتاح هذا التدهور الروحي المجال لظهور ديانات جديدة مثل المسيحية ، التي قدمت رسالة خلاص جديدة، بالإضافة إلى أعمال خيرية عملية ودعم للمحتاجين، وقد استحوذت الممارسة المسيحية لرعاية المرضى على قلوب وعقول آلاف الناس، مما ساعد على نشر تعاليم المسيح، وبالتالي جعل المسيحية ديانة شائعة في غضون بضعة عقود.

Trending Plus