لماذا نحتاج إلى الثقافة (13) أين ذهبت روح النهضة الثقافية؟

هيثم الحاج على
هيثم الحاج على
هيثم الحاج على

منذ القرن التاسع عشر، شهدت مصر نهضة تعليمية عظيمة، بفضل البعثات العلمية والمبعوثين الذين عادوا من أوروبا، هؤلاء الرواد الذين أدركوا بعمق قوة الثقافة في بناء المجتمعات، فعملوا على نشر الوعي والقراءة، ومع انطلاق المطابع في النصف الأول من ذلك القرن، بدأت المكتبات العامة والصحف والمدارس في ترسيخ مجتمع يقدّر الوعي والثقافة.

تزامنًا مع هذه النهضة كانت فكرة القومية المصرية تتعمق في نفوس أبنائها، فلم تكن هذه القومية مجرد شعار، بل كانت دافعًا لتطوير المجتمع بالعلم والثقافة، فقد تجاوز وعي المصريين آنذاك مفهوم الثقافة كمعلومات ومعارف مجردة، ليصبح وعيًا شاملًا بكل ما يحيط بالإنسان، وقد توازى هذا الفهم الواسع مع نشأة علم المصريات، الذي عزز بدوره فكرة الثقافة كبناء حضاري متكامل.

الآن وبعد مرور أكثر من قرن ونصف على ترسيخ هذه الرؤية الواضحة، يبدو التساؤل مطروحا بقوة: كيف تحول تعريفنا المجتمعي للثقافة ليصبح محصورًا في مجرد كم المعلومات التي يستظهرها الفرد؟

نرى اليوم برامج مسابقات تعتمد على حفظ المعلومات، ويُعد الفوز فيها علامة على "ثقافة الفرد"، بينما أصبحت هذه المعلومات متاحة بسهولة على الإنترنت ولا نحتاج إلى حفظها بهذا الشكل.

من ناحية أخرى فإن ترسيخ فكرة أن النخبة المثقفة تتكون فقط من الذين يمارسون الكتابة الإبداعية قد كان لها أثر واضح على تقليص دور هذه النخبة ليصبح تأثيرها مقتصرًا على ذاتها بفعل فاعل.

هذه التساؤلات المشروعة تأتي في وقت استسلمنا فيه لتعريفات الثقافة الضيقة، وبينما كنا نغرق في هذا التضييق، قدمت مؤسسة ثقافية في إحدى الدول الشقيقة مبادرة رائعة تحت عنوان "الشريك الأدبي"، بدعم من مثقفيها، تحت شعار "الثقافة أسلوب حياة"، وقد خلقت هذه المبادرة منافسة بين المقاهي الخاصة على لقب "أفضل شريك أدبي"، من خلال تقديم فعاليات ثقافية متنوعة لروادها، تناسب اهتماماتهم وتفضيلاتهم، وقد تنوعت الفعاليات بين الندوات وقراءات الكتب والجلسات الفنية والاستماع، ليرى الجمهور كيف يمكن للثقافة أن تكون مبهجة ومفيدة في آن واحد، وفي أوسع نطاقاتها.

لا أحلم – بالطبع - باستنساخ مثل هذه المبادرات حرفيًا، لكنني أتوقف عند الإرادة الواضحة لجعل الثقافة مؤثرة وحية في المجتمع، وأتساءل عن تلك الروح التي كانت أساسًا لبناء النهضة المصرية، تلك الروح التي حولت كل مقاهينا في الماضي إلى منتديات ثقافية، أين ذهبت؟ وما الذي حل محلها؟ هل يمكننا أن نأمل في عودتها بصورة أو بأخرى في وقت قريب؟، لا أتحدث عن المقاهي فقط بل عن الأثر المجتمعي عموما.

نحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن نعود لثقافة حقيقية، لا تقتصر على المعرفة المجردة أو الإبداع المحدود، كما نحتاج إلى ثقافة تنمي الوعي الشامل، وتدفعنا نحو العمل والإنجاز، ثقافة تكون أسلوب حياة يدفع إلى التقدم والتنمية، فكيف لنا أن نتقدم ونحن نرى العديد من المشروعات الثقافية التي نتعثر فيها أو تتوقف لدينا بعد أن تبدأ بمبررات أولها التمويل، بينما تُنفذ هذه المشروعات نفسها بنجاح في دول أخرى وبلا تمويلات كبرى بفضل رؤية استراتيجية واضحة وعقول واعية وروح مبادرة تشكلها الثقافة بمعناها الأوسع؟

من هنا يبدو احتياجنا واضحا لوجود إرادة ورؤية ثقافية تقوم بمراجعة مشروعاتنا وإحيائها أو إقالتها من عثرتها بدلا من ادعاء اختراع عجلات لسنا في احتياج لها.

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

باريس سان جيرمان يضرب فلامنجو بهدف فى شوط أول نارى بنهائى كأس القارات للأندية

قرار عاجل من النيابة فى واقعة وفاة الفنانة نيفين مندور بالإسكندرية

مواعيد مباريات منتخب مصر فى بطولة أمم أفريقيا

باريس سان جيرمان بالقوة الضاربة أمام فلامنجو فى نهائى كأس القارات

حالة الطقس.. سحب ممطرة على السواحل الشمالية الشرقية وأمطار متفاوتة الشدة


رويترز: المملكة المتحدة تعفى حقل ظهر من العقوبات المفروضة على روسيا

فيفا يمنح منتخبات كأس العالم 2026 جوائز مالية تاريخية

اتحاد الكرة: 9 مكاسب فى إسقاط منتخب مصر لنيجيريا قبل أمم أفريقيا

رئيس الوزراء: سنناقش إنهاء إجراءات تحويل الدعم العينى إلى نقدى الأسبوع المقبل

نجل ملياردير هندى يهدى ميسى ساعة من فئة المليون.. اعرف سعرها


شرط محمد صلاح للبقاء مع ليفربول بعد أزمة سلوت

الأهلى يتلقى عروضا سلوفينية وروسية لرحيل جراديشار

حالة الطقس.. الأرصاد تكشف خرائط الأمطار خلال الساعات المقبلة

ننشر جداول امتحانات الفصل الدراسى الأول للنقل والشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية

نيفين مندور.. عاشت حياة مليئة بالأزمات ورحلت فى نهاية مأساوية

150قناة عالمية تذيع مباريات كأس أمم أفريقيا 2025

جار نيفين مندور يكشف تفاصيل مصرعها فى حريق منزلها بالإسكندرية

مصرع الفنانة نيفين مندور بطلة فيلم اللى بالى بالك فى حريق بمنزلها

نهائى كأس العرب 2025.. تفوق عرب أفريقيا على آسيا فى النهائيات

بدء الاقتراع بأول أيام جولة إعادة المرحلة الثانية لانتخابات النواب

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى