أكثر من 2.3 مليار شخص يحتاجون للرعاية بحلول 2030.. منظمة العمل الدولية تحذر من أزمة عالمية وشيكة.. 16 مليار ساعة عمل يوميا بلا أجر وغالبية العاملين بلا حماية.. وتوقعات بنقص بـ18 مليون عامل صحى خلال 5 سنوات

- 606 ملايين امرأة خارج سوق العمل بسبب الرعاية مقابل 41 مليون رجل فقط..
- 7.1 مليون طفل يستنزفون في أعمال الرعاية داخل المنازل
- 76% من الرعاية العالمية تقوم بها النساء دون أجر.. و11 تريليون دولار خارج الحسابات الرسمية..
- الاقتصاد الرعائي يوفر نحو 280 مليون وظيفة جديدة خلال 5 سنوات..
كشفت منظمة العمل الدولية عن أزمة وشيكة تهدد استقرار سوق العمل العالمي ورفاهية المجتمعات، وهي أزمة الرعاية، حيث تشير المنظمة إلى أنه مع تزايد الاحتياجات الصحية والاجتماعية والنفسية، بمستويات عكست أهمية اقتصاد الرعاية باعتباره العمود الفقري غير المرئي للمجتمعات، رغم عدم حصوله على الاهتمام الكافي فى الوقت الحالى.
وتوضح منظمة العمل الدولية، فى تقرير لها، أن اقتصاد الرعاية يشمل جميع الأعمال المدفوعة وغير المدفوعة التي تهدف إلى تقديم الدعم والرعاية للأفراد، سواء كانوا أطفالا أو مرضى أو كبار سن أو أشخاصا من ذوي الإعاقة، ويضم العاملين في قطاعات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، إضافة إلى الملايين ممن يقومون بأعمال الرعاية المنزلية دون أجر، لافته إلى أن غالبيتهم من النساء، ورغم مركزية هذا القطاع في تماسك المجتمعات، فإنه يظل مهمشا في السياسات الاقتصادية.
وتقول المنظمة، أن التقديرات تشير إلى أن اقتصاد الرعاية يوظف حاليا حوالي 381 مليون شخص، أي ما يعادل 11.5% من القوى العاملة العالمية، ومن بين هؤلاء، تعمل 249 مليون امرأة مقابل 132 مليون رجل، ما يعكس التمييز بين النساء والرجال في الأدوار عميق فى هذا القطاع، إلا أن الصورة الحقيقية لا تكتمل إلا بالنظر إلى العمل غير المدفوع، حيث تتحمل النساء 76.2% من هذا النوع من العمل، أي ما يعادل 16 مليار ساعة يوميا، وهو ما يمنع ملايين النساء من الدخول إلى سوق العمل؛ إذ يبلغ عدد النساء فى سن العمل خارج قوة العمل بسبب مسؤوليات الرعاية 606 مليون امرأة، مقارنة بـ41 مليون رجل فقط.
وأشار إلى أن لا تقتصر الإشكالية على غياب الأجر، بل تمتد إلى فقر الوقت الذي تعاني منه النساء، فوفقا للإحصاءات، تقضي النساء في المتوسط 4 ساعات و25 دقيقة يوميا في الرعاية غير المدفوعة، مقابل ساعة و23 دقيقة فقط للرجال، هذه الفجوة الزمنية تؤثر بشكل مباشر على فرص النساء في التوظف، والتعلم، والترقي، والحصول على استحقاقات الضمان الاجتماعي، مما يرسخ دوائر التهميش الاقتصادي والاجتماعي لهن.
ورغم هذا الواقع، لا ينعكس عمل الرعاية في المؤشرات الاقتصادية بشكل منصف؛ فالقيمة التقديرية للعمل غير المدفوع تقترب من 11 تريليون دولار سنويا وفق أسعار 2011، أي ما يعادل 9% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في بعض الدول مثل أستراليا، ترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 40% من الناتج المحلي، ورغم ذلك يظل هذا العمل خارج الحساب.

أرقام منظمة العمل الدولية
وفي الجانب المدفوع من اقتصاد الرعاية، تواجه القوى العاملة تحديات كبيرة، أبرزها: نقص العمالة، ضعف الحماية القانونية، وتدهور ظروف العمل، حيث تشير التقديرات إلى عجز عالمي يقدر بـ18 مليون عامل صحي بحلول عام 2030، خاصة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، كما تشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن النقص في عمال الرعاية طويلة الأجل بلغ مستويات غير مقبولة في عدد من الدول.
أما عمال المنازل، الذين يمثلون شريحة أساسية في قطاع الرعاية، فإن 81.2% منهم يعملون في ظروف غير رسمية، ما يعني غياب الحد الأدنى للأجور، وحرمانهم من التأمين الصحي والإجازات والضمان الاجتماعي، هذا الوضع يفاقم من هشاشة أوضاعهم، ويعرضهم للاستغلال والانتهاكات.
وتظهر البيانات أن فجوة الأجور في قطاع الرعاية تتجاوز الفجوة بين الجنسين، فبينما تبلغ فجوة الأجور العامة بين الجنسين 20%، تصل هذه الفجوة في قطاع الرعاية إلى 24%، وتتقاضى عاملات المنازل، فى المتوسط نحو 51.1% فقط من الأجور الشهرية التي يحصل عليها الموظفون الآخرون، بينما تدفع أجور أدنى للممرضات والقابلات مقارنة بالعاملين ذوي المهارات العالية في 34 من أصل 49 دولة خضعت للدراسة.
وتزداد حدة الفجوة في حالة العاملات المهاجرات، إذ تتقاضى العاملات المنزليات المهاجرات في الدول المتقدمة أجورا أقل بنسبة 19.6% مقارنة بنظيراتهن من المواطنات، وهو ما يعكس تقاطع التمييز الجندري والعرقي في سوق العمل.
إلى جانب التهميش الاقتصادي، يواجه العاملون في قطاع الرعاية بيئة عمل محفوفة بالمخاطر، فالإجهاد البدني والنفسي، والتعرض للمخاطر البيولوجية والكيميائية، فضلا عن العنف الجسدي واللفظي، ففي الاتحاد الأوروبي يتعرض 12% من العاملين في الرعاية الشخصية لعنف جسدي خلال شهر واحد، و26% منهم لعنف لفظي، ما يكشف عن بيئة عمل غير آمنة تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير المهنية والإنسانية.
ولا يتوقف الاستغلال عند الكبار، إذ تشير التقديرات إلى أن 7.1 مليون طفل حول العالم يشاركون في أعمال الرعاية المنزلية، من بينهم 4.4 مليون فتاة، ما يشكل أحد أخطر أشكال عمالة الأطفال غير المرئية، وفي ظل هذه الأرقام، يتضح أن العالم مقبل على انفجار في الطلب على الرعاية بحلول عام 2030، حيث سيحتاج أكثر من 2.3 مليار شخص إلى خدمات الرعاية، بزيادة 200 مليون عن عام 2015، هذا النمو في الطلب يأتي نتيجة لزيادة متوسط الأعمار، وتوسع احتياجات الرعاية طويلة الأجل، فضلا عن تداعيات التغير المناخي والكوارث الطبيعية التي تضاعف أعباء الرعاية على النساء والمجتمعات الهشة.
ورغم كل هذه التحديات، لا يزال الاقتصاد الرعائي يحمل فرصا غير مستغلة، إذ تقدر منظمة العمل الدولية أن الاستثمار المناسب في هذا القطاع يمكن أن يولد نحو 280 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2030، ويدعم النمو الاقتصادي، ويعيد التوازن لسوق العمل، ويحقق تقدما ملموسا في ملف العدالة الجندرية، ولتحقيق هذا التحول، تقترح المنظمة خطة عمل، تعتمد على خمسة محاور مترابطة، هى: الاعتراف بأهمية عمل الرعاية اقتصاديا واجتماعيا، الحد من الأعباء الزائدة خاصة على النساء، إعادة توزيع المهام بين الدولة والأسرة والقطاع الخاص، مكافأة العاملين بأجور عادلة، وأخيرا تمثيلهم في الهياكل النقابية والحوار الاجتماعي.

Trending Plus