أكرم القصاص يكتب: مصر تواصل حربها فى مواجهة الإبادة الصهيونية والتهجير والأكاذيب

لا يمكن لعاقل، أن ينظر للحرب التى يشنها الاحتلال على غزة بمعزل عما يجرى فى الإقليم، والتقاطعات والتشابكات التى تعكس تفاعلا غير مسبوق فى السياسة، وفى الوقت ذاته لا يمكن لمحلل عاقل - أيا كانت توجهاته - أن يتجاهل حجم وشكل الموقف المصرى من هذه الحرب التى تتواصل بشكل غير مسبوق، وتقترب من العامين، لتمثل إحدى أخطر حروب الإبادة فى العصر الحديث.
وخلال هذه الحرب، خاضت مصر حروبا داخل الحرب، ليس فقط فى مواجهة بنيامين نتنياهو ومتطرفى الحكومة الصهيونية، لكن أيضا فى مواجهة أطراف دولية وإقليمية تركت العدوان وتفرغت للإساءة للموقف المصرى، فى محاولة لتخفيف الضغط على الاحتلال، بل وتبنّت منصات تنظيم الإرهاب الطرح الصهيونى ذاته حول التهجير بمزاعم إنسانية، وهى تتبنى أكاذيب الاحتلال، متجاهلة أن الجيش الصهيونى هو الذى قصف المعبر من الجانب الفلسطينى.
ثم إن الاحتلال منع المنظمات الإنسانية الأممية مثل الأونروا من توزيع المساعدات، وعمد إلى قتل مئات أمام مراكز توزيع المساعدات، وبذلت مصر جهودا ضخمة نجحت فى الضغط لإدخال المساعدات، حتى الآن، حيث تم إدخال 161 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة تتضمن شحنات من الدقيق ولبن الأطفال والمواد الغذائية، مع استمرار دخول المساعدات.
وليس من قبيل المبالغة، القول إن مصر تخوض منذ ما قبل 7 أكتوبر حروبا داخل الحرب فى غزة، وهى حروب معلومات وسياسة ودبلوماسية، وبعضها لا يخلو من خشونة وفرض وجهات نظر، حيث تضع القاهرة قوتها الرادعة ونفوذها، فى خلفية صورة معقدة، وتتعامل مع كل الأطراف المباشرة وغير المباشرة، ومنذ البداية، وضع الرئيس السيسى خطوط مصر الحمراء، وحرص على التواصل مع كل الأطراف الإقليمية والدولية، الأصيلة والوسيطة، والمرجعية، وواصلت المؤسسات الدبلوماسية والمعلوماتية التواصل الدقيق مع أطراف متقاطعة ومتشابكة، بالكثير من السعى والصبر، والتعامل مع كل القنوات والاتجاهات، سواء إدخال المساعدات أو التوصل إلى هدنة ووقف لإطلاق النار، وهى مساع تقترب من التحقق، وتتقاطع بالطبع مع رغبات ومصالح كل طرف من الأطراف.
وتتحرك الدولة المصرية وسط كل هذه التشابكات، سعيا لدعم المصالح الفلسطينية، ومواجهة التصفية والتهجير، ودفع الأطراف الفلسطينية إلى التوحد والتحرك معا، ومع الجهات الدولية والأوروبية، ونجحت فى تغيير اتجاهات فرنسا ودول أوروبية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويعلم العقلاء أن التفاوض مسألة صعبة ومعقدة، تتعلق بأطراف معلنة وأخرى مخفية، بل أيضا بمصالح متنوعة لأطراف متعددة.
وربما بسبب الموقف المصرى الواضح، تواجه مصر تحركات وهجمات صغيرة تردد دعاية مغرضة، وتتبنى وجهة النظر الصهيونية وتخدمها بمزاعم مختلفة، ربما لأن الاحتلال فشل فى إيجاد أى ثغرة فى الموقف المصرى المتمسك بالمبادئ والتحركات بكل الاتجاهات.
وهو ما لفت له بيان الخارجية المصرية، الذى يفضح بعض «القوى والتنظيمات التى تستهدف تشويه الدور المصرى الداعم للقضية الفلسطينية، والزعم بمشاركتها فى الحصار، وهو اتهام ليس فقط باطلا، لكنه يقلب الحقيقة ويحاول التشويش على دور ظاهر وقوى وحاسم لمصر، وتنطلق هذه الاتهامات الواهية من جهات معلومة يغضبها أن ترى الموقف المصرى الرسمى والشعبى واحدا، لدرجة أن حجم ما قدمته مصر من مساعدات يساوى ثلاثة أرباع ما تم تقديمه من كل الأطراف، مع «الجهود المصرية المضنية من أجل التوصل لوقف إطلاق النار، ومضاعفة عمليات الإغاثة وتوفير وإدخال المساعدات الإنسانية التى قادتها مصر عبر معبر رفح، أو جهود الإعداد والترويج لخطة إعادة إعمار القطاع التى تم اعتمادها عربيا وتأييدها من عدد من الأطراف الدولية، فى إطار الموقف الثابت الهادف لتوفير إمكانات البقاء والصمود للشعب الفلسطينى على أرضه، ومقاومة محاولات التهجير القسرى والاستيلاء على الأرض وتصفية القضية الفلسطينية».
والحقيقة أن هذه الشائعات تهدف إلى تشتيت الجهود وصرف الأنظار عن جرائم الاحتلال، بجانب أنها كما يذكر البيان تخدم «روايات خبيثة لا تعدو كونها جزءا من الحرب النفسية التى تمارس على الشعوب العربية لإحباطها، وإحداث حالة من الفرقة والخلاف فيما بينها، وخدمة نوايا معروفة لتصفية القضية الفلسطينية».
مصر، وبالرغم من كل هذه الحملات ومحاولات التشويش على دورها، تتحرك وتواصل «جهودها لرفع المعاناة عن أهل القطاع، ووقف إطلاق النار، ونفاذ المساعدات الإنسانية، وبدء إعادة الإعمار، والبدء فى عملية سياسية لتنفيذ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية وخطوط الرابع من يونيو لعام 1967.
وفى كل الحروب السابقة، كانت مصر قادرة على تقديم مبادرات والتواصل مع كل الأطراف للوصول إلى هدنة، خاصة أن هذه الجولة من الحرب هى واحدة من أخطر فصول الصراع على مدى عقود، فقد سبق وجرت مواجهات بين الاحتلال والفلسطينيين منها أكثر من 5 مواجهات فى العقد الأخير، وكانت الحرب تتوقف بمبادرة مصرية، وتدخل من القاهرة، وحتى الهدنتان الأولى والثانية نجحت مصر فى إنجازهما، والاتفاق الذى تمت مرحلته الأولى، وخرقه الاحتلال ومع ذلك لم تتوقف الجهود المصرية.
وهذه الحرب كادت تتحول إلى صراع إقليمى، أو هى بالفعل دخلت فى جولات مواجهة مباشرة بين كل من إيران وإسرائيل، بعد أن بقى الصراع بينهما قائما على حروب بالوكالة، وليس مباشرا، من هنا يمكن النظر إلى الدور المصرى، الذى تقدمه الدولة المصرية وسط هذا التشابك والتقاطع للمصالح والأهداف، وتتعامل القاهرة مع تفاعلات أكثر من عقد كامل من الاضطرابات والصراعات الداخلية والبينية فى المنطقة، ومع هذا تظل قادرة على التعامل بتوازن ودقة وسط خيوط معقدة، وتواصل حربها فى مواجهة الإبادة الصهيونبة والتهجير والأكاذيب، والحروب التى تغذيها أطراف تتحالف مع الاحتلال أو تسعى للتغطية على علاقاتها وتشابكاتها عكس المصالح الفلسطينية والعربية.

مصر تواجه الإبادة الصهيونية للفلسطينيين

Trending Plus