ذكرى ميلاد البابا شنودة الثالث.. معلم الأجيال وصوت الحكمة وقائد نهضة التعليم.. بطريرك قاد الكنيسة القبطية 40 عاما بروح الأبوة.. أسس قنوات ومراكز ثقافية لتبقى رسالته حية.. ومواقف وطنية خالدة جعلته رمزا للانتماء

تحل، يوم 3 أغسطس المقبل، ذكرى ميلاد قداسة البابا شنودة الثالث، البطريرك الـ117 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية (1923 – 2012م)، الذي وُلد في 3 أغسطس 1923 بقرية سلام بمحافظة أسيوط، وكان اسمه عند الميلاد نظير جيد روفائيل.
عُرف البابا شنودة منذ شبابه بحبه الشديد للتعليم والخدمة، حيث بدأ خدمته في مدارس التربية الكنسية عام 1939، ثم انضم إلى الكلية الإكليريكية عام 1946 وتخرج منها عام 1949، قبل أن يترهبن بدير السيدة العذراء السريان عام 1954 باسم الراهب أنطونيوس السرياني.
وخلال مسيرته الرهبانية والكهنوتية، لمع اسمه كأحد أبرز رواد التعليم في الكنيسة، حيث اختاره البابا كيرلس السادس ليكون أسقفًا للتعليم عام 1962 باسم الأنبا شنودة. عُرف الأنبا شنودة حينها بمواهبه في الوعظ واهتمامه بتثقيف الشباب، وأسس مجلة الكرازة عام 1965، كما كان عضوًا بنقابة الصحفيين منذ عام 1966. وفى 31 أكتوبر 1971، اختير بالقرعة الهيكلية ليجلس على الكرسى البابوى، وأصبح بطريركًا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في 14 نوفمبر من العام ذاته.
بطريرك صاحب رؤية إصلاحية وتعليمية
خلال 40 عامًا من جلوسه على الكرسي المرقسي، قاد البابا شنودة نهضة غير مسبوقة في التعليم الكنسي، حيث أنشأ معاهد لاهوتية، ومراكز ثقافية مثل المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي (2008)، وأسقفية الشباب (1980). كما أطلق قنوات فضائية قبطية مثل قناة أغابي (2005)، وCTV (2007)، وقناة مارمرقس (2011)، بهدف نشر التعليم المسيحي وخدمة الشعب القبطي داخل مصر وخارجها.
مواقف وطنية راسخة
اشتهر البابا شنودة بمواقفه الوطنية، إذ كان داعمًا قويًا للقضية الفلسطينية وقضية القدس، وساند مصر خلال حرب أكتوبر 1973. ورغم التحديات الكبيرة، استطاع بحكمته أن يعبر بالكنيسة من الأزمات، أبرزها قرارات سبتمبر 1981 التي تضمنت وضعه تحت الإقامة الجبرية حتى عام 1985. كما دعم ثورة 25 يناير 2011 وأشاد بدور الجيش المصري.
قائد روحي وكاتب غزير الإنتاج
ترك البابا شنودة إرثًا فكريًا وروحيًا ضخمًا، إذ ألّف ما يقرب من 150 كتابًا تنوعت بين العقيدة والروحيات، فضلاً عن مقالاته في الصحف والمجلات. وقد تمت ترجمة العديد من مؤلفاته إلى لغات مختلفة، ما جعل فكره ينتشر عالميًا.
كلمات حية وذكريات لا تُنسى
وفي تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، قال القمص بولس الأنبا بيشوي، سكرتير البابا شنودة، إن اهتمام البابا شنودة بالتعليم بدأ منذ شبابه، وكان يرى أن التعليم هو حامي الإيمان. كان يقول دائمًا «لم يجلس الأنبا شنودة على كرسي مارمرقس، بل جلست عليه الكلية الإكليريكية». فقد ظل يُدرّس حتى آخر أيام حياته، وألف العديد من الكتب التي دافعت عن الإيمان الأرثوذكسي، وكان يؤكد دائمًا: "نحن لا نحارب شخصًا إنما نحارب فكرًا".
وأضاف القمص بولس الأنبا بيشوى: " تعلمت منه أن الوقت ثمين وأن التركيز على الإيجابيات هو سر النجاح، فقد كان يعطي طاقة إيجابية لكل من حوله، ويعامل الجميع بحب أبوي، مؤكدًا أنه كان يؤمن بأن السلبيات لا تؤدي إلا إلى استنزاف طاقة الإنسان، بينما الإيجابيات هي التي تبقى وتنتصر في النهاية.
رحل البابا شنودة في 17 مارس 2012 عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد أن خدم الكنيسة والشعب لمدة 40 عامًا و4 أشهر، لكنه ترك إرثًا لا يُمحى من التعليم والمحبة والوطنية. وما زالت عبارته الشهيرة "مصر ليست وطنًا نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا" تلخص عمق انتمائه وعطائه الذي لا يُنسى.

Trending Plus