صالح عيد حكّاء سيناء الأخير.. يحفظ ذاكرة البدو ويرويها للسائحين والباحثين.. يقرأ الجبال ككتاب مفتوح.. ويعرف الطريق من النجوم.. لا ينسى حكاية ولا يخطئ دربًا.. يروى الأمثال و يسرد علوم البدو ويفك شفرة الصحراء

صالح عيد سليمان نصر
صالح عيد سليمان نصر
سيناء ـ محمد حسين

من عمق جبال سيناء الصامتة، وتحت ظل صخورها الراسخة منذ الأزل، ينبثق صوت بدوى هادئ لكنه نافذ، يحمل فى نبرته عبق التاريخ وحكمة الأجداد.. إنه "صالح عيد سليمان نصر"، البدوى الحكّاء ابن قبيلة العليقات، الذى بلغ السبعين وما زال يحتفظ بحيوية القصّ، وسحر الحكاية، وكنز من المرويات التى تنقل تراث الصحراء كما لو كانت كتابًا مفتوحًا بين الرمال.

صالح ليس مجرد دليل سياحى أو مرافِق لرحلات الجبال، بل هو "ذاكرة حية" لقبائل البدو فى سيناء. رجل حفظ الطرق من مواقع النجوم، بدوى قرأ تضاريس الجبل كما يقرأ صفحة وجهه فى المرآة، وسار فى الوديان كما يسير فى حكايات الطفولة.


يرافق مجموعات من السائحين القادمين من كل مكان لزيارة معالم سيناء فى رحلات قد تمتد من أربعة إلى اثنى عشر يومًا، بين جبال منطقة سرابيط الخادم، وأوديتها وامتداد مسارات الطبيعة البكر حيث لا طريق إلا للعارفين.


"من النجوم نعرف الطرق، ومن الصخر نقرأ التاريخ" يقولها صالح بينما يتقدم قافلة من الزائرين، يستمعون له وكأنهم فى درس فلسفيّ، لا فى نزهة صحراوية. يتحدث عن مواسم "الوسوم"، وهى 75 يومًا من السنة لها علامات ودلالات عند البدو، وعن تقاليد القبيلة فى الزواج والسفر والتداوي، عن أجداده الذين عاشوا على هذه الأرض، يشير لمواضع منازلهم ويذكر بأمثالهم وحكمهم واشعارهم، وهم الذين رحلوا و تاركين وراءهم تراثًا لا يُكتب بالحبر، بل يُروى بالحكاية.


"نحن لا نقدم سياحة.. نحن نفتح للناس بابًا ليكتشفوا أنفسهم من جديد"، هكذا يختصر صالح فلسفته فى استقبال السائحين. فهو لا يراهم زوارًا، بل باحثين عن المعنى فى حياة بسيطة، نقيّة، تسكن بين الرمل والنجمة.


ويضيف: "يقولون لى دائمًا: نحن نبحث عن كنوز المعرفة المفقودة فى الصحراء. فأردّ: هذه ليست مفقودة، بل محفوظة فى قلوبنا. أنقلها لكم كما سمعتها، وكما عاشها آباؤنا ونسلمها لأحفادنا"


السياح، من مختلف الجنسيات، لا يأتون من أجل المخيمات وحدها، ولا من أجل الشواطئ والأثار أو الصور، بل من أجل التجربة الكاملة: الرمال العلاجية، الأطعمة الطبيعية من زيت الزيتون الجبلي، والقمح البري، وألبان الإبل الطازجة، وصوت الراوى الذى يختلط بحفيف الريح على وجه الجبل. يقول صالح: "من يزور منطقة سرابيط، يعود إلى الطبيعة من جديد. هنا لا ضجيج. فقط صمت مقدّس، وجبل، ونجمة، وقلب مفتوح."


لكن فى جعبته ما هو أعمق من الحكايات: حكم وأمثال ووصايا توارثها البدو عبر أجيال، وتُقال عند المفاصل الحاسمة من الحياة يسرد جانبا منها .. فعن الزواج مثلًا، يحذر البدو من شهرى يوليو وأغسطس، ويقولون: "هذا طلوع العقرب النسى لا تقرب"، فى إشارة إلى أن الزواج فىهذه الفترة يجلب المرض والنكد.. أما الربيع والخريف، فهما فصول التآلف، والرزق، وصفاء الطقس.

 

ويمضى الحكّاء يروى لنا من تراث الأمثال البدوية ما لا يُنسى، مثل قولهم: "تلقى الغلا بالتلاتيت، لا تلقاه بالكيس"، أى أن الحاجة الحقيقية تأتى ولو بالثمن القليل، أما ما لا تحتاجه، فلا جدوى من امتلاكه. أو مثلهم الشهير: "البل معزّة تطرد الهم والفقر والشيب"، فى دلالة على مكانة الإبل فى حياة البدوي، ليس فقط كمورد، بل كرفيق حياة، يشفى الروح ويمنح الهيبة.


ويشير صالح إلى أن علاقة البدو بالجبال ليست مجرد مكان، بل انتماء وهوية. يقول: "الجبال عز. إذا خفنا احتمينا بها، وإذا تهنا، وجّهتنا." لكنه يُحذر من الجبال الهشّة، ذات الصخور الرملية الحمراء، التى تتشرب المياه وتتفتت، ويقول عنها البدو: "تأمن الجبل ما بدور، اللى صخوره هشة"، أما الجبال الصديدة فهى المأمن فى المطر.


وفى مثلهم الشهير: "ماكن غير الشعر، وظل غير الجبل"، يختصر البدو فلسفة البقاء: الدفء فى بيت الشعر، والحماية من الشمس والخطر فى بطن الجبل.


ولا يتوقف الحديث عند السرديات، بل يمتد إلى المعرفة العملية. فيقول صالح إن البدو كانوا يبنون "القُري" فى بطون الجبال، وهى مخازن حجرية تُبنى من نفس صخور الجبل، تواجه الريح، وتُخزن فيها أكياس القمح على مدى سنوات، قد تصل إلى ثلاث، دون أن تفسد. "القُري" اليوم بقيت آثارها فقط، شاهدة على عقلية التخطيط والحفاظ، قبل أن تتغير أنماط الحياة ويشترى الناس الدقيق الجاهز.


أما الماء، فيحفر له البدوى فى الصخر خزانات تعرف بـ"طق فى الحجر"، تجمع مياه السيول وتُستخدم طيلة العام. "لا شيء يُهدر فى الصحراء"، يقول صالح، "كل شيء له وقته، وله قدره."


صالح نصر هو صوت لماضٍ ما زال حيًا، ومرآة لثقافة لم تُمحَ رغم التغيرات. هو حكّاء، لكنه أيضًا مؤرخ ومرشد وفيلسوف بدوي، جعل من الجبل كتابًا، ومن الرحلة درسًا، ومن كل زائر شاهدًا على جمال حياة لا يعرفها إلا من عاشها أو سمعها بصوت صادق مثل صوته.

 

الحكاء-البدوي-صالح-عيد
الحكاء-البدوي-صالح-عيد

 

الحكاء-صالح
الحكاء صالح عيد
 
خبير-بمعالم-الصحراء
 صالح عيد خبير بمعالم الصحراء

 

ذاكرته-تحفظ-الكثير
 ذاكرته تحفظ الكثير

 


ويتحدث-عن-تراث-البدو

 

يروي-التاريخ
يروي التاريخ

 

يروي-الحكايات
 صالح عيد يروي الحكايات

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مبادرة سوق اليوم الواحد تصل الجمالية لتوفير السلع الغذائية للمواطنين

موعد انطلاق دوري الكرة النسائية فى الموسم الجديد

فرص عمل فى الأردن بمرتبات تصل لـ500 دينار ..رابط التقديم

ميسي الأسطورة ورونالدو وصيفًا.. تقرير عالمى يحسم جدل أفضل لاعب فى التاريخ

تعرف على مواعيد القطارات على خط القاهرة الإسكندرية والعكس اليوم الأحد


من غير أنابيب.. الحكومة بتوصل الغاز لملايين البيوت بـ3.5 مليار جنيه

القانون يُلزم الهيئة الوطنية للانتخابات بتشكيل لجان لرصد المخالفات.. تفاصيل

حالة الطقس المتوقعة اليوم الأحد 27 يوليو 2025 فى مصر

الجمهور يتداول الصورة الأخيرة للراحل زياد الرحبانى

متحدث التعليم: أى متظلم له درجات سيحصل عليها كاملة وسيسترد رسومه


بعد فشل الاحتراف الخارجى.. الزمالك يتحرك لترضية حسام عبد المجيد ماليا

حسم أمني في المنافذ الجوية.. سامح عبدالرؤوف مديرًا لشرطة المطار

عروس البحر فى أيدٍ أمينة.. اللواء رشاد فاروق يقود أمن الإسكندرية

الداخلية تختار حسام عبدالعزيز لإدارة ملفات الإصلاح والتأهيل

الداخلية تدفع بمحمد زهير لمواجهة الشابو والآيس والجريمة المنظمة

اللواء ياسر الحديدى يقود ملفات الكفاءة والتجديد فى جهاز الشرطة

محمد مجدي مديرًا لأمن الجيزة.. سجل أمني حافل ومسئوليات جديدة

بالأسماء.. حركة تنقلات الشرطة 2025 كاملة.. عاطف خالد للأمن الوطنى ومحمد غازى للأمن الاقتصادى.. محمد منصور للأموال العامة ومحمد عويس للجيزة.. ورفيق عبد الحميد للانتخابات ومفيد فوزى لمكافحة المخدرات

بالأسماء.. وزارة الداخلية تعلن حركة تنقلات الشرطة لعام 2025

اليوم.. عرض مسلسل حالة خاصة بطولة طه دسوقى وغادة عادل على قناة dmc

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى