صراع الأشقاء فى ظل الكبار.. تايلاند وكمبوديا على خط النار بين واشنطن وبكين.. جغرافيا ملتهبة وتاريخ استعمارى لا ينسى ومعركة غير متكافئة.. القوة العسكرية ترجح كفة بانكوك.. ودعم أمريكى مقابل تقارب صينى متسارع

بين جيش قوي ممول جيدًا وتحالفات تاريخية مع الغرب، وبين قوة ناشئة تدعمها الصين من الخلف، يتخذ الصراع بين تايلاند وكمبوديا أبعادًا تتجاوز الحدود، إنه اختبار حقيقى لتوازن النفوذ فى جنوب شرق آسيا، وربما نموذج لما ينتظر المنطقة في ظل تصاعد الصراع الصيني الأمريكي.

فى غابة الجنوب الشرقى لآسيا، لا يُسمع سوى صوت الرصاص والانفجارات، فقد عاد النزاع الحدودى بين تايلاند وكمبوديا للاشتعال من جديد، لكن هذه المرة، خلف الستار، تقف واشنطن وبكين، تُراقبان وتدعمان، فى مواجهة غير مباشرة بين حليف قديم وصديق صاعد.

بدأت القصة قبل أكثر من قرن، حين رسمت فرنسا الاستعمارية حدودًا ما زالت تشعل الفتن حتى اليوم. ورغم مرور الزمن، ظلت مسألة السيادة على بعض المناطق الحدودية، مثل "معبد برياه فيهير"، تُغذى التوترات بين الجارتين.

وفى أحدث فصول هذا الصراع، قُتل أكثر من 12 شخصًا وجُرح العشرات خلال اشتباكات دامية على الحدود، دفعت أكثر من 150 ألف مدنى للفرار من منازلهم، فى مشهد يعكس خطورة الوضع.

من الناحية العسكرية، الصورة واضحة، فتايلاند تتفوق عددًا وعتادًا. جيشها يضم أكثر من 360 ألف جندي، أى ما يقارب ثلاثة أضعاف قوات كمبوديا، ومزوّد بأسلحة غربية متطورة وطائرات مقاتلة من طراز جريبن وإف-16.

بينما ما يزال الجيش الكمبودى يعانى من ضعف فى القوة الجوية، ويعتمد على معدات قديمة من مخلفات الحرب الباردة، أغلبها صينى وسوفييتى المنشأ.

تايلاند تُعد من أقرب حلفاء واشنطن فى آسيا منذ توقيع ميثاق مانيلا عام 1954، وقد استفادت لعقود من مساعدات عسكرية أمريكية، إلى جانب تدريبات ومناورات ضخمة مثل "كوبرا جولد"، التى تُعد أطول مناورة متعددة الجنسيات فى العالم.

أما كمبوديا، فتعزز علاقاتها الدفاعية والاقتصادية مع الصين عامًا بعد عام. وتُجرى مناورات سنوية مشتركة مع الجيش الصيني، أهمها "التنين الذهبي"، كما تعمل على تطوير قاعدة "ريام" البحرية التى يُقال إنها ستكون قادرة على استقبال حاملات طائرات صينية.

ورغم أن كل المؤشرات تُظهر تفوق بانكوك عسكريًا، إلا أن الجغرافيا تُعطى كمبوديا ميزة تكتيكية، فالمناطق المتنازع عليها تقع بالقرب من حدودها، وتفيد تقارير بزراعة ألغام أرضية وفخاخ متفجرة لتعقيد تحركات القوات التايلاندية.

ويُرجح محللون أن تلجأ تايلاند إلى استخدام القوة الجوية والمدفعية بعيدة المدى، لتفادى المواجهات المباشرة على الأرض، خاصة أن التضاريس الوعرة تمنح خصمها أفضلية ميدانية رغم تواضع تسليحه.

هذا النزاع الحدودى لا يمكن عزله عن التوترات الأوسع بين أمريكا والصين فى منطقة الهندو-باسيفيك ،فكلا القوتين يسعى لتعزيز وجوده عبر الحلفاء المحليين. تايلاند، رغم محاولاتها الحياد أحيانًا، تبقى حليفًا وثيقًا لواشنطن. أما كمبوديا، فقد تحوّلت إلى حليف موثوق لبكين، ليس فقط عسكريًا، بل سياسيًا واقتصاديًا أيضًا.