البكالوريا.. نقلة نوعية فى مسار التعليم أم تحدٍّ جديد؟

خطوة وُصفت بأنها الأجرأ على مدار العقود الأخيرة، هذا ما قيل عن إعلان وزارة التربية والتعليم تطبيق نظام البكالوريا في عدد من المدارس الرسمية بداية من العام الدراسي المقبل، مستهدفة بناء نظام تعليمي متطور، يُعزز من مهارات التفكير النقدي، ويُعيد الاعتبار لمكانة الطالب كمشارك فاعل في العملية التعليمية، لا متلقٍ سلبي للمعلومات.
وما نعرفه أو تم شرحه وتوضيحه حول نظام "البكالوريا" أنه نموذج تعليمي معتمد عالميًا، نشأ في سويسرا، ويُطبق في أكثر من 150 دولة حول العالم، ويركز على تطوير مهارات الطلاب بشكل متكامل، معرفيًا، وعقليًا، وبدنيًا، وعاطفيًا، ويُشجع على البحث العلمي، التعلم الذاتي، التفكير التحليلي، والتعدد الثقافي، ويتكون من ثلاث مراحل رئيسية هى: برنامج السنوات الابتدائية، وبرنامج السنوات المتوسطة، وبرنامج الدبلوما في المرحلة الثانوية، وقد أعلنت الوزارة عن نيتها تطبيق هذا النظام تدريجيًا، بدءًا بمدارس محددة تم تجهيزها لذلك، مع تدريب الكوادر التعليمية واعتماد المناهج بما يتماشى مع المعايير الدولية.
ربما يتساءل البعض، لماذا تقدم مصر على هذا التغيير الآن، في ظل التحديات المتراكمة التي تواجه التعليم؟ والإجابة تتضح من عدة زوايا أهمها، رغبة الدولة في اللحاق بالأنظمة التعليمية المتقدمة عالميًا، الانتقال من ثقافة الحفظ والتلقين إلى مهارات التحليل والنقد، بالإضافة لربط المناهج التعليمية بسوق العمل ومتطلبات الاقتصاد الحديث، وتقليل الفجوة بين التعليم المصري والتعليم الدولي.
عند النظر إلى نظام البكالوريا باعتباره طوق نجاة للتعليم المصري يجب أن يكون مصحوبًا بقدر كبير من الواقعية. النجاح لا يكمن فقط في استيراد نموذج تعليمي، بل في توطينه وتكييفه مع البيئة المحلية، ومعالجة البنية التحتية، والعدالة التعليمية، وبناء كوادر مؤهلة.
إن تطبيق البكالوريا بنجاح يتطلب شراكة مجتمعية شاملة بين الحكومة، والمعلمين، وأولياء الأمور، والطلاب أنفسهم، كما يتطلب تدرجًا زمنيًا مدروسًا، ورقابة صارمة على جودة التنفيذ.
وفي نهاية المطاف، يمكن القول إن تطبيق مصر تجربة "البكالوريا" هو خطوة جريئة ومبشرة في طريق إصلاح التعليم، لكنها ستظل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على تحقيق التوازن بين العالمية والمحلية، وبين الطموح والإمكانيات، وعند نجاح هذا النظام في إثبات فعاليته، سيمثل نقطة تحول تاريخية، تنقل التعليم المصري من مربع التلقين إلى فضاء الإبداع والمعرفة الحقيقية.

Trending Plus