بَيعة إخوانية لنتنياهو والليكود.. عن الجماعة وآخرين يُلوّثون القضية ويُبيّضون وجه إسرائيل

حازم حسين
حازم حسين
بقلم حازم حسين

عندما تكون الحقائق ناصعة؛ فإن محاولات الالتفاف عليها لا تُحمَلُ إلَّا على تلويث الصورة ونصرة الباطل. ولا فارق بين الكيد السياسى واعتلال الرؤية؛ طالما أنهما ينطويان على قدرٍ عظيم من الخطل وسوء النيَّة والتقدير والرقص فوق الجثامين.


لم يتوقَّف الإخوان منذ ثورة 30 يونيو عن حربهم الشنيعة على الدولة، بالإرهاب تارة وبالدعايات السوداء تارات؛ إنما لم يكُن فى الخاطر أن يبتذلوا المأساة الدائرة فى غزة، ويُقزِّموها لدرجة الاستغلال السياسى لصالح التنظيم ورُعاته الخارجيِّين. الجماعة مُنحطَّة بالنشأة والسلوك؛ لكنَّ انحطاطها فى المشهد الراهن يزدادُ فجاجةً، ويتخطَّى كلَّ محطَّات وضاعتها السابقة.


يعرف القاصى والدانى وقائعَ الميدان المُتأجِّجة منذ قرابة السنتين، والأجراس مُعلَّقة فى رقاب أصحابها، ولا تتوقَّف عن رنينها المعدنىِّ الصاخب. وإذ تتَّضح المسؤوليات جَليّةً لكلِّ ذى بصرٍ وبصيرة؛ فالواجب أن يتجنَّد الجميع لخدمة السردية العادلة، لا أن يختصموا فيها وعليها أو يفتتوها من داخلها. اللهم إلَّا أن تكون الغاية فى مكان آخر، والقطاع مُجرَّد وسيلة لا أكثر.


انكشفت إسرائيل منذ الرصاصة الأُولى، وجاهرت مُبكِّرًا بخطَّتها لتسليح العمل الإغاثى، بالتوازى مع عدوانها الشرس على الغزيِّين. قال وزير دفاعها السابق يوآف جالانت إنهم ينظرون لسكان القطاع باعتبارهم «حيوانات بشرية»، ويتعاملون على هذا الأساس، بما يعنى أنه لا طعام ولا ماء وكهرباء.


وتردَّد الكلامُ على ألسنة وزراء ونوَّاب عن الائتلاف الحاكم، ثم تجسّد عمليًّا فى إجراءات أخذت تشتَدُّ حتى وصلت إلى ما هى عليه الآن.


حُوصِر الاحتلالُ بما جَنَته يداه، ولم يجد منفذًا لإنكار الجرائم الإنسانية الثابتة بالقرينة والدليل. اضطُرّ فى وقتٍ لاحق لاختراع المُبرِّرات، ومنها ما زعمه أمام محكمة العدل الدولية فى دفوعه على قضية جنوب أفريقيا، بشأن مسؤولية مصر عن أحد جانبى معبر رفح البرى.


لكنَّ الحجَّة لم تصمد للحظةٍ واحدة أمام قوَّة المنطق وواقع الأرض، ولم يتداولها أحدٌ على الإطلاق؛ حتى أنَّ تل أبيب نفسها توقَّفت تقريبًا عن التذرُّع بها سياسيًّا أو دعائيًّا.


حتى وقت قريب؛ كان تلك النوعية من الحجج المشبوهة وقفًا على البيانات العبرية، إلى أن قرَّرت بعضُ أطياف الأُصوليَّة وتيَّارات السياسة الرديفة لها أن تتحدَّث لُغةَ العدو، وأن تنقل مراوغاته إلى نطاق أداءٍ أبعد كثيرًا مِمَّا كانت تتأمّله إسرائيل أو تتمنّاه، كأنهم يخلعون الكوفيَّة ويلبسون عَلَمَ نجمة داود الزرقاء، ويلعبون عمدًا فى فريق العدوِّ ولصالحه حصرًا.


بدأت اللعبةُ بأحاديث تداولتها قنواتُ الإخوان وحسابات قادتهم، ثمَّ تلتها تحرُّكاتٌ استعراضية تحت عنوان قوافل كسر الحصار، وصولاً إلى دعاوى صريحة للتجمهر أمام البعثات الدبلوماسية المصرية فى الخارج، واصطناع مواجهةٍ مُغلقةٍ تمامًا على القاهرة، فيما تُستَبعَد تل أبيب من المُقاربات أصلاً؛ كما لو أنها طرفٌ مُحايد، أو بالأحرى شريكٌ فى خطَّة محبوكة للابتزاز والمُزايدة.


ظَهَرَ فجأة مقطعُ فيديو لعنصرٍ إخوانى اسمه أنس حبيب، يضع قِفلاً على باب سفارتنا فى أمستردام، ومن بعدها تعالَت الدعاوى لاستنساخ التجربة فى بقيَّة العواصم، استنادًا بالأساس إلى عناصر التنظيم المُوزَّعين على بعض دول أوروبا، وسعيًا لاجتذاب آخرين مِمَّن تتأجَّج عواطفُهم إزاء ما يقعُ بحقّ غزَّة.


والهدفُ واضح للغاية؛ أن يُوحوا بما يُشبه انفجار موجة غضبٍ عارمة ضد مصر، فيما تنزوى الدولة العِبريَّة فى تلك الخطابات تمامًا، وتُشطَبُ الجريمةُ من الدفاتر، لصالح تكييف بديلٍ صراعىٍّ من خارج الصورة أصلاً، ولا يخدمُ غزَّة أو القضية، بقَدر ما يُخلخل آخر الأُسس الراسخة فى دعم فلسطين، ويُوفِّر للاحتلال مادةً صالحةً للتضليل والتهرُّب من التزاماته الثابتة وفقَ كلِّ الأدبيَّات؛ بما فيها قوانين الحرب.


المحرقةُ ماثلةٌ وموصوفة، وخَزَنَةُ النار معروفون للضحايا قبل شهود العيان. إسرائيل المُتَّهم الأوَّل، إن لم يَكُن الوحيد، ومعها الولايات المتحدة وبعض الحكومات الغربية. وفى المقلب الآخر ربما يصحُّ استدعاء حماس بطوفانها غير المحسوب، ومن وراء ذلك محور المُمانَعة، رأسًا وأذرُعًا، ورُعاة الحركة ومُموّليها من حُلفاء الأجندة الإخوانية.


وربما يتَّسع المقام فى نظر آخرين لِمَن ينسجون توافقاتٍ رماديَّةً مع واشنطن، ويُموِّلون أجندة «ماجا» وأمريكا أوّلاً، دون إقبالٍ أو مُجرَّد محاولة لاستثمار المنافع والإغراءات فى الضغط على أعصاب البيت الأبيض، وترويض اندفاعته الهائجة لصالح نتنياهو وعصابته الحاكمة.
يمكنُ أن يختلف الترتيب بحسب زاوية النظر؛ إنما تظلُّ مصر فى كلِّ الأحوال خارجَ دائرة الشراكة والاتهام. لم تكُن راعيةً للسنوار فى نزوته، ولا شريكًا للشيعيَّة المُسلَّحة فى خَلط الأوراق وفَتح الجبهات على بعضها.


تصدّت لخطَط اليمين القومى والتوراتى بكلِّ السُّبل المُمكنة حتى الآن، ولا تُشجِّع مُفاوضى حماس على التشدُّد طيلة عشرين شهرًا، أو وَضع الحركة وسلاحها وأطماعها السياسية فوق الجغرافيا والديموغرافيا.


تتوسَّطُ القاهرة لأنَّ جنون الأُصوليَّة فى الناحيتين لم يترُك ثغرةً أوسع من هذا؛ لكنها تُقيم جدارًا صُلبًا فى مواجهة خطط التهجير وكَنس الأرض من ساكنيها.


وإذ يُلام القاتلُ بالبديهة؛ فإنَّ الرغبة فى توسيع قوس الإدانة يصحُّ أن تنسحب على مَن أغراه ومَدَّد له الذرائع، ومَن يُفوِّتُ الإشارات الدالّة ويَغرقُ فى المأساة حتى المنخار، وكذلك الذين يُفاوضون بنكبة المنكوبين لاستبقاء بنادق القسام العاطلة، أو تبييض سُمعة الفصائل بعد كلِّ ما تسبَّبت فيه لبيئتها، أو الأخطر أن يكونوا مُتقصِّدين لغَسل أيدى الصهاينة، وتحويل الوجيعة الفلسطينية إلى منصَّةٍ لإعادة إنتاج تجربة الانفلات الإخوانى فى زمن الربيع العربى.


رائحةُ المؤامرة فوّاحة ولا تخفَى على أحد. لا سيما أنَّ جيش الاحتلال يُسيطر على ثلاثة أرباع القطاع تقريبًا، ويعزله عن الحدود المصرية بفاصلٍ عسكرىٍّ من عدة كيلو مترات.


ما يعنى أنَّ الحديث عن ناحيةٍ من معبر رفح لا يُقْصَد منه تمرير المساعدات فى غفلة من الجيش الإسرائيلى، بل أنْ تُوضَع مصر - تحت ضغط المُزايدة - فى مواجهةٍ مجَّانية وغير مُثمرة مع الآلة العسكرية على الجانب الآخر، وهذا مِمَّا لا يُطعم جائعًا فى كلِّ الأحوال، لكنه يُمهِّد الأرض لترحيل الجوعى خارج مناطقهم تحت ستار الدخان والفوضى، ولعلَّ هذا ما تتطلَّعُ إليه العقلية الإخوانية وتُراهن عليه أصلاً.


ولا دليلَ أوضح مِمَّا ساقَه الإرهابىُّ المعزول عن منصّة القضاء، وليد شرابى، فى تدوينةٍ مُطوَّلة استدعى فيها قصَّةَ كَسر الحدود فى العام 2008.


وبعيدًا من اختلاف السياقات، ومِن امتداح مَن يَعُدُّ نفسَه مِصريًّا لتفجير الأسلاك وانتهاك السيادة، فإنَّ فكرة الاقتحام المُسوَّق لها أكثر ما يخدم أجندةَ المُحتلّ فى الوقت الراهن، سواء جَرَت من جانب سيناء أو سُمِحَ بها من الناحية المقابلة.


وذلك لأنَّ تعبيد الطريق اليومَ سيجعلها بالضرورة رحلةً فى اتّجاه واحد، يتحلَّلُ فيها الصهاينةُ من عبء الوحشيَّة التى يُمارسونها على المنكوبين العُزّل، وتُنقَلُ التَّبعة إلى الجوار، بما يقضى على القضية تمامًا، أو يُدخلها طَورًا احتياليًّا ينتهى بتوريط مصر، دون إسناد فلسطين، أو ربما بتضييعها مرّة وإلى الأبد.


فى الزمن المُشار إليه، كانت إسرائيل قد أنجزت «فكَّ الارتباط» قبل ثلاث سنوات، وسمحت لحماس بتمكين سُلطتها فى القطاع، ثم الانقلاب على رام الله.


اندلعت أوَّلُ الحروب الخمسة بين الطرفين؛ إنما كانت عبر الجو ومن وراء سياج غزَّة. كان حصارًا من الخارج لا خَنقًا من الداخل، ما يسمحُ عمليًّا بتخطِّى الحدود والعودة بأريحية ودون مُخاطرةٍ وجودية.


مع الإقرار بأنَّ ما حدث وقتَها كان جريمةً فى كلِّ الأحوال، تولَّد عنها لاحقًا الاقتحام الثانى من الأنفاق فى 2011، ومشاركة الجماعة الأُمّ فى مُخطَّطها لنَقب السجون وتهريب قادة الإخوان، ومنهم المعزول محمد مرسى.


أمَّا اليوم؛ فكُلُّ غَزّىٍّ يحرسه جندىٌّ إسرائيلى، أو يُطوّقه رتلٌ من الدبابات والعربات المُصفَّحة. العبور لن يكون مشمولاً بحقِّ العودة قطعًا، والتصريح بتجاوز الحدود خارج الأُطُر التنظيمية المُتَّفق عليها، سيكون بمثابة الإقرار الضمنى لاعتماد المسار نفسه طريقًا للترحيل القسرى؛ وذلك بغضّ النظر عن الحائل الصهيوني الجاثم على شريط عريض من قاعدة القطاع.


أىُّ اشتباك خَشِن بين الجانبين لا يخدمُ القضية، صحيحٌ أنَّ مصر قادرةٌ على التصدِّى للنزوات وكَبحِها؛ إنما ما نَفْعُ القوَّة إنْ رَدَعَتْ العدوَّ، فيما تتحقَّقُ أهدافُه فى إزاحة آلاف المدنيين، واستخلاص الأرض كنتيجة مُتوقَّعةٍ لأيّة مُقامرةٍ غير محسوبة؟!
لقد كان «الطوفان» ذاتُه تعبيرًا عن الضيق، أو محاولةً لإنعاش القضية وتغيير مُعادلة الرَّدع؛ وهذا بافتراض حُسن النيَّة المُطلَق، وأنه لم يَكُن حلقةً ضمن مسلسل أوسع.


وما آلت إليه الأحوالُ؛ أنه فتح منفذًا لرجوع الاحتلال اضطرارًا بعد عقدين من جلائه اختياريًّا، وذابت الجغرافيا تحت لهيب البارود وزمجرة المُجنزرات، وانحطَّت الآمال من رُتبة التحرُّر وتبييض السجون أو تحسين شروط التعايش المُسيَّج بالأسوار، إلى مُجرَّد البحث فى تدبير الوجبات وإبقاء الناس على قيد الحياة.


إنَّ تفريع الخصومة من نطاقها الأصيل، بين احتلالٍ ومقاومة، إلى اختصام دُوَل الجوار أو تحميلها تبعات الأزمة الجارية فى القطاع؛ إنما يتوزَّع على احتمالاتٍ كلّها مُنحطَّة وساقطة أخلاقيًّا: تخفيف الضغوط عن إسرائيل وإعانتها على المزيد، أو إبراء ذمة حماس مِمَّا استجلبَته على حاضنتها وتُكابر فى الاعتراف به وسداد تضحياته الواجبة.


وأخيرًا، والأشد خِفّة وإزعاجًا، توظيف فلسطين خنجرًا فى خاصرة مُحيطها العربى الداعم بصِدقٍ وإخلاص، بدلاً من مُؤازرة آخر المَعاقل المُنافحة عن القضية، وإبعاد المحنة الإنسانية الصافية عن الاستغلال الأيديولوجى، وتصفية الحسابات مع دُوَل لصالح غيرها، أو لأطماع فئوية وأيديولوجية.


قال الرئيس عباس سابقًا إنَّ «مرسى» والإخوان عرضوا عليه قطعةً من سيناء لإقامة الدولة الفلسطينية. وبغَضّ النظر عن كواليس سنة حُكمهم السوداء؛ فإنَّ أدبيَّاتهم المُوثَّقة لا تحفَلُ بفكرة الوطن أصلاً، ولا تراه أكثر من «حفنة تراب عَفِن» كما قال سيد قطب، أو طوَّرها المرشد الراحل مهدى عاكف بجُملته الشهيرة «طظ فى مصر»، مع قبوله لأنْ تُحكَمَ من أىِّ أجنبىٍّ طالما كان مُسلمًا.


ومَن يَقبَلُ حاكمًا غريبًا؛ فأيسَرُ له أنْ يَضُمَّ الغرباء إلى رابطة الوطنية. وثمَّة وقائع لتجنيس بعض الحماسيين إبّان ارتقاء الجماعة للسلطة فى مصر، فكأنهم يأخذون الإغاثة اليومَ مَسرَبًا إلى بديلها الآخر، بمعنى أننا لو كُنّا عاجزين عن إرسال الطعام للقطاع، فلنَحمل الجوعَى إلى خارجه، وبهذا تُصَدَّرُ المُشكلةُ من بيئتها للجوار، ويملك التنظيمُ ورقةً داعمةً لأحلام إحياء مشروعه السياسى، ولو كان المُقابل إماتة القضية الفلسطينية.
لو صَحّت النوايا؛ لكانت دَعَاوى الحصار توجَّهت إلى سفارات إسرائيل وقُنصليَّاتها فى أنحاء العالم. أو أغلظَ الغاضبون النقد لمواقف الولايات المُتَّحدة، ناهيك عن سلوك إيران وأذرُعها، أو بعض دول المنطقة من رُعاة الجماعة وغيرهم، بعُمقِ التناقُض البادى بين خطاباتهم وسلوكيَّاتهم العَمليَّة، وامتناعهم عن مُمارسة ضغوطٍ حقيقية على تل أبيب وواشنطن، أو حتى تليين مواقف حماس فيما ينعَمُ قادتُها فى الفنادق، ويتركون مواطنيهم يزحفون على بطونٍ خاوية.


ولا يختلفُ الأمرُ فيما يخصُّ بعضَ تيّارات اليسار، والناشطين من عصابات المجتمع المدنى وتمويلاته. تُحرَّفُ المسألةُ لأغراضٍ سياسيّة فجّة، أو لمنافع شخصية يُسْعَى لاستيلادها قسرًا بالضغوط المُوجَّهة والمُلوّنة. وكذلك الحال بشأن أبواق بعض الدول، مِمَّن يُقايضون على فلسطين باتفاقاتٍ مشبوهة، ويُوعِزون لكُتّابهم وأحذيتهم الدعائية بإثارة الغبار، لإعفاء أنفسهم من المسؤولية، وتمرير أهدافهم الدنيّة فى زحام التشغيب والمُغالطات.


دعمُ الإرهاب الأُصولىِّ لا يختلف مُطلَقًا عن الصمت على إرهاب الصهاينة، وكلاهما يكتسب معنىً واحدًا ومرامى مُتطابقة؛ بمُجرَّد النظر إلى المواقف المُعلنة وتناقُضها الصارخ مع توافقات ما تحت الطاولة.


العالمُ بكامله مُدَانٌ فى مأساة غزَّة، والتراتُبيَّة المنطقية تبدأ من الصهاينة والأمريكيين، مرورًا بدُوَل المُمانَعة وميليشياتها، ثمَّ المحور الإخوانى برُعاته المعروفين، والغرب المُتعثِّر فى أُمثولته الحضارية المُتفوِّقة، والقوى الكبرى فى مجموعات السبع والعشرين وغيرهما، والمنظومة الدولية بمُؤسَّساتها ومرافقها، ثمَّ فى الأخير يُمكن النظر إلى مصر والأردن، الأكثر تكبُّدًا لأعباء الحرب الدائرة، والمُعرَّضَتَين وحدهما لمخاطر السيناريوهات السوداء المُتولِّدة عنها والمُطوِّقة لوقائعها ومآلاتها.


أمَّا أن تُستَدْعَى القاهرةُ من آخر الصفِّ، ودون الوفاء بمُتطلّبات الجدية والموضوعية التى تُرتِّبُ عشرين خيارًا أو يزيد قبلها؛ فإنه لا يُمكن أن يكون سلوكًا طبيعيًّا يستجيبُ لمحنةٍ إنسانية، ولا عملاً أخلاقيًّا أو حتى عاطفيًّا يخلو من الشُّبهة ودناءة الغرض.


إنها محاولةٌ غير خفيّة للقصاص من رفض الإخوان وحُكمِهم بأثرٍ رجعى، وليست بالتصويب على نظام 30 يونيو فى صيغته السياسية والتنفيذية فحسب؛ بل باستدعاء البلد بكامله إلى فخٍّ يُرَادُ لها أن تنزلق فيه وألَّا تخرُجَ منه، ما يعنى أنه ليس مُجرَّد اشتباكٍ على السلطة أو خصومة معها، بقدر ما ينصرف إلى رغبةٍ حارقة فى العقاب الجماعى، وبصيغةٍ مُتجدِّدةٍ من مَنطق «يا نحكمكم يا نقتلكم»؛ لتصير: إمَّا أن نختطف الدولة وحدنا، أو فلتَحتَرِق بالجميع.


يسعى الإخوانُ إلى استنقاذ حماس بتشويه السرديَّة، وإلى تبرئة رُعاة الحركة فى جناحَى الشيعية المُسلَّحة والعثمانية الجديدة. لا تشتبك مع الولايات المُتَّحدة ودُوَل السلام الاقتصادى حتّى، ولا يسترعى انتباهَها أنها تُبَيّض وجهَ الاحتلال وتُعينه على مُواصلة التهرُّب من جرائمه.
أو لعلّهم يتقصّدون تذخير البنادق الصهيونية والسير فى ظلالها، كما لو أنهم يُبرمون تحالفًا ضِمنيًّا مع الاحتلال، شبيهًا بما أنجزته حماس نفسها منذ حقبة التسعينيات، وأبقَتْ عليه كلَّ تلك السنوات فى علاقة تخادُمٍ بين اليمين من الجانبين، كان من عوائدها تمكين الحركة بالتوازى مع تثبيت أسطورة نتنياهو، وإضعاف السلطة الوطنية بما تبقَّى من مُكتسبات أوسلو الضئيلة.


والحال؛ أنَّ قبضة الصهيونية الثقيلة لا يُعجِزُها الإجهاز على بقايا كتائب القسام، وقد وصلت لزعيم حزب الله فى أعماق الضاحية، وساعدت على إسقاط نظام الأسد لصالح راديكالية الجولانى، ووصلت نيرانُها إلى أحضان المُرشِد الأعلى فى طهران وأرفع قادته.


لنتنياهو مصلحةٌ حقيقية فى بقاء حماس ذريعةً؛ لحين التأكُّد من أنَّ مُنظَّمة التحرير لن تكون بديلاً عنها، وهذا مِمَّا يفرضُ تليين مواقف المُفاوضين قبل اكتمال المأساة، وإفساح مجال للسلطة الوطنية أن تتسلَّم زمامَ الأمور فى «اليوم التالى»، وليس أن يستظلَّ الإخوان بالبندقيَّة الحماسيّة؛ ليُصوِّبوا آخر رصاصة فيها على الجوار العربى، ولخدمة المُحتلّ لا الفصائل للأسف.


الجماعةُ الإرهابية تتقافَزُ على الجُثَث والركام، وترقص فوق الأشلاء. تُطَهِّرُ «السنوار» من خطاياه بدلاً من دَفع وَرَثَته للاعتذار والتصويب، وتُبَرّئ الأُصوليَّتَين السنية والشيعية من جُرم التجارة بالقضية والاستثمار فى مآسيها، وتُدير حملةَ علاقاتٍ عامَّة لتسويق سردية الاحتلال، على أمل أنْ تُزايد بجرائمه على آخرين لا علاقةَ لهم بالمسألة؛ إنما يضطلعون بأدوارهم من مُنطلقاتٍ إنسانيّة وأخلاقيَّة، تحدُّها اعتبارات الأمن القومى، وما يزيد عليه فهو من قَبيل الفَضل لا الفرض.


الإخوان أوقَعوا غزَّة فى المحرقة؛ ثمَّ يتبرَّأون منها ويُبرّؤون نتنياهو وكلَّ النافخين فى النار معهم. إنها صيغةٌ مُشوَّهةٌ من الأُصوليَّة المريضة والمُمرِضَة، تمزِجُ الإخوانيَّةَ بالصهيونية، وتستخلِصُ منهما دعايةً ليست غريبةً على انحطاط الجماعة؛ إنما الغريب فيها أنها تضحّى بالوقفيَّة الإسلامية فى فلسطين، لتُحقِّقَ بنازيَّة نتنياهو ما عجزت عنه بإرهابها.


بَيعَةٌ تنظيميَّةٌ فى أعناق المُستَتبَعين بالأيديولوجيا أو التمويل، تنتقِلُ من المُرشِد إلى زعيم الليكود، وتنقِلُ الفكرةَ من مَرجعيَّة حسن البنا إلى تبعية هرتزل وجابوتنسكى وبن جوريون.


إنه مؤتمرٌ صهيونىٌّ يُشبه نسخة بازل السويسرية؛ غير أنه يستعيرُ لُغةَ الرسائل وكُتيِّبات الإمام المؤسِّس، وتُشتَمُّ فيه رائحةُ مكتب الإرشاد وأفرُع التنظيم الدولىّ، ولا يخلو من لمسة مُشغّليهم من الأجهزة الأمنيّة فى الشرق والغرب.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

العربي يتقدم علي الوكرة 2-1 في الشوط الأول بالدوري القطري

ديانج وبن شرقي وداري وفؤاد في تشكيل الأهلي الأساسي أمام فاركو

مسرح UArena يستعد لاستقبال حفل مروان بابلو وليجى سى وشهاب الليلة

فوز ناشئي اليد على النرويج 47-26 في تحديد مراكز بطولة العالم

عودة أسود الأرض.. العلمين الجديدة وصلاح يزينان بوستر ليفربول بافتتاح بريميرليج


مصطفى العش يحفز نفسه: إياك والاستسلام.. مستقبلك لأجلك وليس لأجلهم

أرتيتا: مواجهة يونايتد تاريخية والحماس في أعلى مستوياته قبل انطلاقة البريميرليج

الأمم المتحدة: قرار إسرائيل بناء مستوطنة جديدة بالقدس الشرقية خطوة غير قانونية

تيك توكر جديدة فى قبضة الأمن لنشرها فيديوهات منافية للآداب العامة

أموريم يكشف طموحات مانشستر يونايتد هذا الموسم


انطلاق امتحانات الثانوية العامة "دور ثانى" غدا.. ووزارة التعليم تعلن عدد الطلاب

وزير الخارجية: نتطلع لضغط أوروبى لوقف إطلاق النار فى غزة

قرار جديد من النيابة بشأن المتهم بإصابة 4أشخاص وإتلاف 3سيارات بكوبرى أكتوبر

مقتل عنصرين جنائيين شديدى الخطورة فى تبادل إطلاق النيران مع قوات الشرطة

الزمالك أمام المقاولون العرب فى الدورى.. موعد المباراة والقناة الناقلة

محمد صلاح على موعد مع التاريخ فى مباراة ليفربول ضد بورنموث

قضية الطفل ياسين.. الاثنين المقبل استئناف محاكمة المتهم على حكم المؤبد

أصاب 4 أشخاص وأتلف 3 سيارات.. تفاصيل محاولة هروب قائد سيارة حادث أكتوبر

15 يوما على الاستفادة بتقسيط مخالفات المرور بدون فوائد حتى نهاية أغسطس

ترتيب الكرة الذهبية بعد السوبر الأوروبي.. محمد صلاح يطارد ثنائي باريس

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى