سعيد الشحات يكتب: ذات يوم27 يوليو 1956.. جلسة صاخبة لمجلس العموم ورئيس الوزراء البريطانى «إيدن»: «المصريون قبضوا على رقبة البريطانيين وناصر خطف القناة من يدنا ولن أتركه يفوز بما فعل»

كان رئيس الوزراء البريطانى «أنتونى إيدن» على مائدة العشاء التى أقامها على شرف ملك العراق فيصل الثانى، ورئيس وزرائه نورى السعيد فى مقر الحكومة البريطانية بلندن، حين أعلن جمال عبدالناصر قرار تأميم شركة قناة السويس يوم 26 يوليو 1956، حسبما يذكر الصحفى الأمريكى «دونالد نيف» فى كتابه «عاصفة على السويس 1956»، وهو كتاب مهم عن هذه الأزمة، نشره المركز القومى للترجمة عام 2015، وترجمه وعلق عليه، عبدالرؤوف أحمد عمرو، وقام مؤلفه بالاطلاع على وثائق الأزمة فى العواصم العالمية المعنية، ويكشف «نيف»: «حين سمع «إيدن» النبأ المزعج، ظل يترنح، يجىء ويذهب، وكأن تاج الإمبراطورية البريطانية يكاد يطير فى الهواء من فوق رأسه، قال نورى السعيد له: لا بد من ضرب ناصر بكل قوة والآن، فهو عدو لدود لدى الغرب، وانتقل الملك فيصل ورئيس وزرائه إلى مكتب «بنيامين درزائيلى» رئيس الوزراء الذى كان مسؤولا عن شراء نصيب مصر فى أسهم شركة قناة السويس 1875، وهو يهودى عجوز، وكان سببا فى كل المشاكل، واندهش نورى، ولكنه لم يتلق إجابة من إيدن، إذ لم يكن فى حالة مزاجية تمكنه من التجاوب معه فى الحديث».
يضيف «نيف»: «استدعى إيدن مجلس الوزراء للاجتماع، وقائد عام القوات الإنجليزية، والسفراء الممثلون لفرنسا وأمريكا، وفى نحو منتصف الليل كان جميع المسؤولين فى مقر مجلس الوزراء، وكان مكتب إيدن لا ينقطع عنه رنين التليفون، والكل يدلى برأيه فى أذنه بما يراه حل لهذا الموقف، فى وقت كان المصريون قد قبضوا على رقبة البريطانيين، قال ايدن للمجتمعين بكل أسى: هذه هى النهاية، وليس فى إمكاننا أن نفعل أى شىء، ومعنى هذا أن ناصر يبتزنا الآن، إنه استولى على القناة، وخطفها من يدنا، وسوف يسىء إدارتها، وهذا أمر يحد من نشاطنا التجارى عبر العالم، وهذا الوضع من المستحيل قبوله، إن وضعنا الآن يجبرنا أن نتخذ خطوة قوية، أريد أن أقبض على القناة و أتولى مسئوليتها مرة ثانية، سوف لن أتركه يفوز بما فعل».
يعلق «نيف»: «ظن بطل هذه الأحداث، أنتونى إيدن، معتمدا على إرثه التاريخى، أن النصر بيمينه، ولم يخطر بباله، أن تكون النتيجة مخيبة لآماله وأحلامه، ومخططاته، وخرج مهزوما مخذولا، بالتالى أهمله التاريخ، وأصبح نسيا منسيا، فى حين بقى ناصر، منتصرا، مرفوع الرأس شامخا».
فى اليوم التالى لقرار التأميم، 27 يوليو، مثل هذا اليوم، 1956 دُعى مجلس العموم البريطانى للاجتماع لمناقشة ما حدث، وعقد المجلس جلسة صاخبة تنقل جانبا منها الدكتورة عنايات عمر فى بحثها المنشور فى كتاب «مصر 1956.. التأميم والعدوان والانتصار»، تقديم وتحرير وإعداد دكتورة لطيفة سالم، قائلة، إن زعيم المعارضة العمالى «جيتسكل» افتتح جلسة مجلس العموم بتوجيه سؤال لرئيس الوزراء إذا كان لديه أى بيان بخصوص تصرف الحكومة المصرية فيما يتعلق بقرار التأميم، فذكر «إيدن» بأن القرار الذى اتخذته الحكومة المصرية بنزع ملكية شركة قناة السويس بدون إخطار، هو نقض لاتفاقيات الامتياز الممنوح لتلك الشركة والذى يؤثر فى حقوق ومصالح عدد كبير من الدول، وأن حكومة جلالة الملكة تتشاور الآن مع الحكومات التى يهمها الأمر بصفة مباشرة بخصوص الموقف الخطير الذى نشأ عن ذلك، وسوف تتناول المشاورات أثر هذا العمل التعسفى على إدارة قناة السويس والمسائل الناجمة عنه».
وتدخل «جيتسكل» قائلا: «نستنكر هذه الخطوة المستبدة التى لا مبرر لها إطلاقا من قبل الحكومة المصرية»، ونتساءل: هل تم التوصل بشكل نهائى إلى إحالة الأمر إلى مجلس الأمن؟ وبالنظر للاستيلاء على ممتلكات شركة قناة السويس، وعدم التصريح ببيان واضح عن التعويض المستقبلى، هل يتم اتخاذ قرار بتجميد أرصدة مصر من الإسترلينى؟ فرد إيدن، إنه يتم التشاور مع الدول المعنية، ولم يتم اتخاذ قرار محدد، وهنا تدخل النائب العمالى «ووتر هاوس»، قائلا: هل سيضع فى الاعتبار خلال التشاور مع الدول المعنية أسس ومبادئ اتفاقية القسطنطينية الموقعة فى 29 أكتوبر 1888، والتى تنص مادتها الثالثة على أن الدول التى تتعهد بعدم المساس بالمهمات والمنشآت والمبانى والأعمال الخاصة بالقناة وقناة المياه العذبة، وكذلك المادة السابعة التى تعطى الحق لكل القوى العظمى الموقعة على الاتفاقية فى عدم وضع أكثر من سفينتين حربيتين عند الموانئ المؤدية إلى بورسعيد والسويس.
أجاب إيدن، انه قد روجعت كل الحقوق والمواثيق الدولية فى هذا الموضوع، وهناك كثير من التعهدات وردت فى هذه الاتفاقية أكثر إلزاما للحكومة المصرية، منها المادة الأولى التى تنص على أن تظل القناة بصفة دائمة مفتوحة وحرة فى زمن السلم والحرب، وعلق التالى للنائب العمالى «باجت» بأنه لا يوجد فى العالم اليوم ناقلات نفط كافية لنقل البترول اللازم لدول أوروبا بدون استخدام القناة، وهذا الإجراء الذى اتخذه عبد الناصر فيه تهديد يخنق أوروبا كلها، وطلب مقابلة القوة بالقوة وأن يكون رد الفعل سريعا.

Trending Plus