غزة وسوريا ولبنان والتهجير.. تحولات باردة وانقلابات ساخنة

التحولات الكبرى فى السياسة لا تحدث فجأة، لكنها نتاج تراكمات لتغييرات صغيرة تتجمع لتنتج تغييرا قد يبدو مفاجئا لمن ينظر للحدث منفصلا عما حوله، شبهته من قبل بتأثير نقاط ماء دقيقة تنساب ببطء على صخرة تبدأ فى اختراق الصخرة، وتفتيتها، لكنها تنهار فجأة بينما الأثر مستمر، هكذا الأمر فى الطبيعة والكيمياء، وأيضا فى عالم السياسة والتحولات الإقليمية التى تظهر الآن من حولنا ليست وليدة اليوم لكنها نتاج تراكمات وتدفقات لنقاط ماء صغيرة، وقد وصلت منطقة الشرق الأوسط الى نقطة الغليان بعد عقود من التسخين البطىء، ونظن أن التفاعلات والتغييرات فى المنطقة لن تتوقف عند هذا الحد، بل إنها سوف تواصل التفاعل بالشكل الذى يطيح بالكثير من الثوابت.
وربما نرى تحليلات تستند إما إلى الماضى وزمن آخر، أو أنها ترى تغييرا كميا بعيدا عما سبقه وما يرافقه، وربما يكون ما نراه اليوم هو الظاهر من نتائج التحولات المستمرة طوال 18 شهرا، بل أبعد من ذلك، فقد ظلت قطرات الماء تنحر الصخرة فى سوريا وانتهت بتفتيت بدا مفاجئا بينما هو نتاج تفاعل، بل إن النتيجة الحالية والاتجاه لعقد اتفاقات بين الاحتلال وسوريا، ربما يكون إحدى خطوات الالتفاف والتنفيذ لمخطط التهجير، الذى رفضته مصر والأردن، ويفتح ثغرة فى سوريا، ويبدو أن 7 أكتوبر أحيت مخطط التهجير القديم، ومنحته سوريا قبلة حياة، مع وكالة التهجير الى تتحرك وسط السكان لتقدم إغراءات لأسر بالهجرة الى دول العالم بامتيازات، صحيح أن الغزاوية يرفضون طوال 18 شهرا الضغط وترك الأرض، لكن الإصرار والتطورات تفتح مجالات أخرى ربما كانت مغلقة.
لا تزال تفاعلات وتقاطعات 7 أكتوبر 2023، حتى لو تمسك بعض المحللين بالإنكار، الذى لا يفيد، كما ان الأحلام والطموحات والخيالات ليست من بين أدوات التحليل، وحتى المقولات والشعارات تضع» لو» بينما التحول فى العالم ليس فيه لو، هناك دائما سيناريوهات لإعادة تقسيم أو إخلاء أراض لمد خطوط الغاز، أو استقبال سكان من هنا أو هناك، للالتفاف على رفض مخططات التهجير، والمصالح تحول العداء الى تحالفات، بدليل أن الجولانى الذى رصدت الولايات المتحدة قبل 10 سنوات مكافأة 10 ملايين دولار للقبض عليه، أصبح رئيس سوريا أحمد الشرع، وصفه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بأنه رجل قوى وطيب ووقّع أمراً تنفيذياً ينهى جزءاً كبيراً من العقوبات المفروضة على سوريا، القرار يمثل تحولاً كبيراً فى السياسة الأمريكية تجاه سوريا منذ 2004.
وبالتالى هناك انقلاب فى المعادلة الإقليمية، يمكن لأى محلل أن يلاحظها، بعيدا عن التصفيق او التصفير، ونتاج تفاعلات التراكم الكمي، منذ 21 عاما، وتفاعلات مستمرة وتنظيمات وجماعات وحروب بالوكالة، قامت بها التنظيمات والجماعات التى نشأت على ضفاف فوضى ما بعد الغزو الأمريكى للعراق فى عام 2003، وبدا أن داعش وغيرها كانوا من بين التراكمات الكمية وقطرات الماء التى فككت الصخر الى حصى، بالطبع ساهم غياب التوق أو تمسك بعض الأنظمة بتصورات قديمة أو فقدان القدرة على التفهم والتفاعل والمواجهة ولو بترك السلطة او التقليل من القبضة واختراق التفاعلات، وطبعا السياسة والتاريخ ليس فيهما « لو»، ولكن التفاعلات تأخذ مجراها، ومن هنا يمكن تصور أن ما جرى 7 أكتوبر فى غزة، انعكست تداعياته وتفاعلاته فى لبنان بإنهاء قدرة حزب الله، وفى سوريا بالتحول الدرامى، وفى ايران بإبعادها عن الصراع الذى ظهرت فى خلفيته، وإن بقيت ضمن محفزات الخوف والصراع وتجارة السلاح، ضمن سباق حروب باردة انتهت بصدمات ساخنة.


Trending Plus