"اليوم السابع" يدق جرس الإنذار.. مافيا "جمعيات القروض" تحاصر المواطنين.. شبكة مصالح شيطانية وكيانات تستغل البسطاء فى القرى.. قرض بـ10 آلاف جنيه والسداد 20 ألفا.. وقانونيون يطالبون برقابة صارمة وتشريعات رادعة

فى استغلال منظم وممنهج للفقراء والبسطاء لأهالينا فى القرى والنجوع تحت ستار «مساعدة وتشغيل» تعمل بعض الكيانات والجمعيات بشكل غير قانونى بهدف التربح على حساب تلك الفئة فى المجتمع.
بعد رصد بعض الشكاوى من الاستغلال غير القانونى، من قبل بعض هذه الكيانات التى تمنح القروض الصغيرة ومتناهية الصغر، استطاعت «اليوم السابع» الوصول إلى استنتاجات تضعها أمام المسؤولين، لتكون جرس إنذار للجهات المختصة من أجل التحقق من نشاط هذه الكيانات، ولأجل السيطرة عليها قبل تمدد هذا النشاط الذى يعاقب عليه القانون، لا سيما أن هذه الجمعيات تعمل تحت ستار «مساعدة الشباب والسيدات» للحصول على القروض من أجل التشغيل، مستغلة فى ذلك حاجة الفقراء والمعدمين، وتستخدم أساليب غير شرعية ومضللة بهدف تحقيق أرباح هائلة على حساب هذه الفئات الأكثر ضعفا.
بعد الاستماع إلى شهادات بعض الضحايا وتوثيقها، نستطيع القول إن هذه الكيانات تسلك طريقا غير قانونى وغير أخلاقى لا هدف منه سوى التربح «الحرام»، من عرق طبقة معدمة وفقيرة لا تستطيع الدفاع عن نفسها لانعدام الخبرات القانونية والتعليمية لدى هذه الفئة.
البداية.. كيف تستغل هذه الجمعيات حاجة بعض الفئات إلى المال؟
تستخدم هذه الكيانات طرقا ملتوية إن صح التعبير لاستقطاب أعداد كبيرة من العملاء ومنها:
- استخدام شبكة مصالح لتوريط الضحايا وجذبهم كزبائن.
- تقديم حافز مالى قدره 300 - 500 جنيه لكل فرد يقوم باستقطاب زبون جديد، هذا الحافز يهدف إلى تشجيع الأفراد على جلب معارفهم أو غيرهم من المحتاجين للحصول على القروض، عبر تكوين مجموعة مكونة من 10 أفراد «مثل النظام الهرمى أو الشبكى»، حيث يعتمد هذا النظام على العمولة أو العميل يجيب عميل.
- يشترط على الشخص الذى يستقطب فردا أن يضمنه قانونا بالتوقيع على الأوراق الرسمية للقرض، هذا الشرط يربط المستقطب بالزبون ويجعله مسؤولا عن القرض، ما يزيد من توريط الأفراد فى هذه الشبكة.
الشعور بالصدمة يأتى من نسبة الفائدة الكبيرة للغاية على القرض، والذى يكون متغيرا بطبيعة الحال ليصل فى نهاية سداده إلى 100 %، هذه الفائدة المرتفعة للغاية تجعل سداد القرض أمرا صعبا للغاية أو يكاد يكون شبه مستحيل على المقترضين من ذوى الدخل المحدود أساسا، ما يؤدى إلى دخول الضحايا فى حلقة مفرغة من الاقتراض من جمعية لأخرى من أجل سداد القرض الأول، والتورط فى عدد من القروض المتراكمة، ومواجهة تحريك دعاوى قضائية بسبب عدم القدرة على السداد، فضلا عن حدوث مشاكل اجتماعية كبيرة بين الضحايا مثل «الطلاق».
شهادات ضحايا
تواصلت «اليوم السابع» مع عدد من الضحايا، تقول السيدة «أ- ر»: إن مبلغ القرض لا يتجاوز 10 آلاف جنيه، ويسدد على 12 شهرا، وبقسط شهرى 1299 جنيها، أى بفائدة تخطت الـ50 %، حيث يتطلب سداد مبلغ 15 ألفا و600 جنيه، فى حال عدم التأخير عن السداد الشهرى، وفى حال التأخير تضاف نسب الفوائد المركبة التى قد تصل فى بعض الأحيان إلى 100 % من مبلغ القرض الأصلى.
حصلنا على شهادات ضحايا آخرين، حيث تقول «ه. م»: يلجأ مندوبو هذه الكيانات للتواصل معنا عبر أرقام هواتف يتم الحصول عليها وتبادلها بطرق غير شرعية، بين الجمعيات والكيانات المشابهة، وهنا يجب أن نشير إلى خطورة هذا الفعل الذى يجرمه القانون، حيث يعد تسريب بيانات العملاء والتواصل غير القانونى، اختراقا للخصوصية وبالتبعية مجرم قانونا.
تلتقط سيدة أخرى «ر.ج» أطراف الحديث، لتروى شهادتها قائلة: إنها كلما جلبت عميلة جديدة، تحصل على 500 جنيه «أتعاب» وفقا لوصفها، لكن النتيجة المأساوية التى تم استنتاجها أن هذه العميلة تتورط فى نهاية المطاف فى دوامة القروض ولا تستطيع السداد، وبالتالى تواجه مشاكل لا حصر لها، تبدأ بزيادة الفائدة على القرض والدين، وتنتهى بالحبس.
هذه الشهادات توضح كيف يتم استغلال حاجة الناس للمال «الـ500 جنيه» ليصبحوا جزءا من شبكة التوريط هذه، وتروى إحدى السيدات التى رفضت ذكر اسمها تعرضها «لابتزاز جنسى» من مسؤول فى إحدى الجمعيات لتجنب الملاحقة القضائية والحبس.
تروى الضحية مأساتها بقولها:كانت هناك تسهيلات كثيرة من أجل صرف القرض، ولكن اكتشفت فى النهاية أنه كان فخا، لم أدرك عواقبه إلا بعد التعثر، وأضافت: «عملوا من البحر طحينة»، وكانت الإجراءات سهلة للغاية للحصول على القرض، حيث لم يتعد الأمر سوى تجهيز صورة بطاقة رقم قومى ورقم هاتف، ليتم صرف قيمة القرض خلال أسبوع فقط.
تواصل الضحية حديثها لـ«اليوم السابع»: «من أول شهر تأخرت فى السداد، تغيرت على الفور لهجة القائمين على الجمعية، فانهالت علىّ المكالمات الهاتفية التى حملت بين جنباتها تهديدات صريحة ومباشرة، حيث توعدتنى مسؤولة عن القرض:«هنعملك جُرسة فى الشارع وهنفضحك»، وبالفعل نفذت تهديدها مصطحبة معها عددا من المسجلين، ووقفت أمام منزلى وأبلغتنى بأنها لن تتحرك من أمام المنزل حتى سداد القسط.
واصلت الضحية حديثها: «فضحونى فى الشارع»، فلجأت إلى بعض الجيران حتى استطعت تجهيز مبلغ القسط الشهرى، ليمر الشهر الأول بفضيحة أمام كل الجيران.
تقول الضحية: «كنت لا أنام الليل حتى أستطيع جمع المبلغ الشهرى لسداده، إلا أن الحياة مليئة أيضا بالأعباء، فكنت أتأخر عن السداد، بين الحين والآخر، حتى رن هاتفى يوما بعدما فشلت كل محاولاتى فى جمع مبلغ القسط الشهرى، وكان أحد الأشخاص المسؤولين عن القرض، وتحدث معى بلطف غير مسبوق، وعرض علىّ بعض الخدمات ومنها سداد قسط هذا الشهر، فسألته مين اللى هيدفع القسط وليه؟، فرد: «أنا هدفعهولك بس نروح نقضى يوم حلو فى أى مكان تختاريه»، كاد يغشى علىّ من الصدمة، أغلقت الهاتف فى وجهه وقبلها حذرته بلهجة شديدة من اللجوء إلى قسم الشرطة لعمل محضر ابتزاز إن هاتفنى مرة أخرى.
الشعور بيأس شديد دفع أخريات للتفكير فى حلول مروعة ويجرمها القانون مثل بيع الأعضاء للتخلص من الديون المتراكمة، تقول «ش.م»: «فكرت أبيع كليتى علشان أتخلص من الديون الكتير اللى علىّ ومش عارفه أسددها منين وإزاى؟».
الشهادات التى شاركتها ضحايا هذه الجمعيات، تكشف جانبا مظلما من ممارسات بعض هذه الجمعيات التى تستغل حاجة الفقراء، وتستخدم أساليب غير قانونية وغير أخلاقية، بما فى ذلك آلية الإغراء بالمال «500 جنيه» لجلب عملاء جدد، ويقع المقترضون فى فخ الديون ذات الفائدة المرتفعة جدا، ما يتسبب فى عواقب وخيمة على حياتهم المالية والاجتماعية والنفسية.
ورغم محاولات «اليوم السابع» التواصل مع «الرقابة المالية» للحصول على تعليق وتوضيح، لم نحصل على ردود على التساؤلات الخاصة التى وجهتها «اليوم السابع» حتى لحظة النشر.
وبناء على ما سبق من شهادات موثقة، يؤكد خبراء وقانونيون أنه يجب على المُشرع أن يسد الثغرات التى تستغلها وتتسلل من خلالها تلك الكيانات، وذلك عبر الرقابة الصارمة والتشريعات الرادعة، بالإضافة إلى التوعية الشعبية والمجتمعية خاصة فى القرى والنجوع، وعبر وسائل الإعلام والسوشيال ميديا، والمؤسسات الدينية «مساجد وكنائس».

Trending Plus