نتنياهو والإخوان مع التهجير وضد مصر والدولة الفلسطينية

كل متابع ودارس لمسارات الحرب على غزة، وبالطبع القضية الفلسطينية، يعرف أن هذه الحرب هى الأكثر تعقيدا فى تاريخ المواجهات، وأن ما بعد 7 أكتوبر حمل تحولات ضخمة غيرت الكثير من ثوابت ومسارات الصراع فى الإقليم كله، امتدت الحرب إلى لبنان وحزب الله، وإلى سوريا وموقع إيران، ثم مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، وبالتالى تجاوزت تداعيات 7 أكتوبر بمراحل مواجهات سابقة، كانت تستمر لأسابيع وتنتهى بمبادرات مصرية، لكن هذه المرؤة جعلت الحرب تستمر 19 شهرا، وسوقت إسرائيل 7 أكتوبر باعتباره هجوما وجوديا، وجذبت تأييد دول أوروبية، وبالطبع الولايات المتحدة فى عهد الرئيس السابق جو بايدن والديمقراطيين، دعم غير محدود بالسلاح وأنظمة الدفاع الجوى، ومع تولى الرئيس دونالد ترامب تضاعفت الأضواء الخضراء، بل وتبنى ترامب مخططات التهجير، التى رفضتها مصر مبكرا واختلفت فيها من الإدارة الأمريكية.
كل هذه المواجهات تتقاطع مع قوى إقليمية ودولية، وتداخلات متنوعة خارج القضية الفلسطينية، أحد أكثر القضايا التى خضعت للمزايدات والإتجار والتربح، وكان لأطراف كثيرة أياد فى القضية، إلا مصر التى بقيت تعتبر القضية الفلسطينية أحد أبعاد أمنها القومى، وخاضت الحروب منذ 1948 حتى أكتوبر 1973، وبالتالى فإن الموقف المصرى مسؤول على مدى العقود، وفى المواجهة الأخيرة التى تمثل تحولا ضخما فى تاريخ الصراع، وكان الموقف المصرى مبدئيا دعوتها لأول مؤتمر فى نوفمبر 2023، وواصلت رفض مخططات التهجير وتصدت لإسرائيل وأمريكا، وتمسك الرئيس السيسى والدولة المصرية بحق الفلسطينيين فى دولتهم المستقلة، وقدمت فى قمة القاهرة الطارئة خطة التعافى وإعادة الأعمار فى وجود سكان غزة، وأفسدت مخططات التهجير، وواصلت فتح معبر رفح من الجانب المصرى لدخول المساعدات وإسعاف الجرحى لعلاجهم بمستشفيات مصر فى العريش ومدن القناة، ونقل من يحتاج إلى المستشفيات الكبرى بالقاهرة، وواصلت إدخال المساعدات، وقدم المصريون رسميا وشعبيا أكثر من ثلاثة أرباع ما تم تقديمه من مساعدات، وواجهت اعتداءات الاحتلال على المعبر من الجانب الفلسطينى، واستمر العمل من كرم أبوسالم وكل طريق لتوصيل المساعدات، بل وتم إسقاط مساعدات بالطائرات. مصر نجحت فى تحويل الجانب المصرى من معبر رفح إلى منصة دولية لإدانة الاحتلال، واستضافت أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش، ورؤساء دول ووزراء خارجية من مختلف أنحاء العالم، وظلت الجهود المصرية لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، منذ اندلاع الحرب فى أكتوبر، تمثل موقفًا ثابتًا ومسؤولًا، رغم التحديات التى واجهتها من أكاذيب وحروب من خلال منصات ولجان وأطراف إقليمية مرتبكة، بل ومواقف أمريكية متناقضة، ومع ذلك نجحت مصر فى شرح الأمر وقلب التصورات والأفكار الأوروبية، ونجحت فى عرض القضية والإبادة، وبعد زيارة الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، تغير الموقف الفرنسى، وأعلنت فرنسا الاتجاه للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وانتقل الجدل إلى بريطانيا ودول أوروبية معروفة بانحيازها إلى الاحتلال.
كل هذا الجهد من مؤسسات دبلوماسية وسياسية، ومعلوماتية، والضغط لإدخال قوافل المساعدات إلى القطاع المحاصر، وآخرها قافلة «زاد العزة»، يأتى نتيجة تنسيق مصرى متواصل منذ ما يزيد على 19 شهرًا، فى وقت يواجه فيه المعبر إغلاقات من الجانب الإسرائيلى، كل هذا يواجه بحملة من نتنياهو وتنظيم الإخوان الإرهابى يستهدف الدور المصرى، ويقلب الحقائق بما يمثل محاولات للتخفيف عن الاحتلال والتشويش على جرائمه.
وبدلا من مواجهة الاحتلال، الذى يشن حرب إبادة ضد غزة، والذى يغضب العالم كله، دفع الإخوان تحديدا إلى ترك الجريمة، من قصف وقتل أطفال، ونظموا تظاهرات ضد سفارات مصر، بل إن بعض من تظاهروا فعلوا ذلك من دول بينها وبين إسرائيل علاقات استراتيجية وتنسيق وترتيبات سياسية ولوجستية.. من هنا يمكن اكتشاف العلاقة العضوية بين تنظيم الإخوان والاحتلال.
الرئيس عبدالفتاح السيسى لم يتوقف عن شرح وإيضاح القضية لكل الأطراف الدولية، ومع وجود تحالف استراتيجى وعلاقات مع الولايات المتحدة، رفضت مصر بحسم عروض التهجير أو التصفية، وتمسكت بحل الدولتين الذى أصبح يتخذ مسارات واقعية انعكست فى المؤتمر الدولى رفيع المستوى للتسوية السلمية لقضية فلسطين، وتنفيذ حل الدولتين المنعقد فى مقر الأمم المتحدة بنيويورك.
شارك الدكتور بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية والهجرة فى المؤتمر، وألقى كلمة مصر، شدد خلالها على ضرورة خلق أُفق سياسى وتدشين مسار تفاوضى للتوصل إلى السلام العادل والشامل، من خلال تنفيذ حل الدولتين، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية، ووقف الإجراءات الأحادية، وعلى رأسها الاستيطان، وأشار عبدالعاطى إلى الكارثة الإنسانية التى يشهدها قطاع غزة، والتى ترتكبها إسرائيل يوميا فى حق الفلسطينيين، وضرورة تنسيق المواقف الدولية للتعامل مع الكارثة الإنسانية فى الأرض الفلسطينية المُحتلة، المؤتمر شهد موقفا عربيا صلبا، وكلمة تصب فى نفس الاتجاه من وزير الخارجية السعودى، فيصل بن فرحان، بل وكلمات من فرنسا والأمم المتحدة تؤكد الموقف الرافض للتجويع والإبادة، وإعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن أمن إسرائيل لا يتحقق بالحرب، وإنما بحل الدولتين.
ظلت مصر هى الأكثر تفهما ودعما لوحدة الفلسطينيين ومصالحات الفصائل وأصبحت خبرة فى التفاوض وتقديم المبادرات، كل هذا وتتعرض لحملات موجهة تستهدف الدور الواضح والكبير لها، وتتجاهل الاحتلال وجرائمه. وتثير الشك فى توجهات هذه المظاهرات والتهديدات للسفارات المصرية وسط صمت من أمن دول أمام تهديد ممتلكات مصرية، بينما طرق دعم فلسطين واضحة حتى سلميا، من خلال الجهود الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية أو التظاهر ضد المعتدين وجرائم الإبادة. ليست مصر الطرف الأكثر وعيا ودعما لفلسطين والقضية، وبالتالى فإن بعض اليهود ضد الحرب بينما نتنياهو والإخوان ضد الدولة الفلسطينية ومع التهجير.


Trending Plus