الموسم الجديد على الأبواب.. كيف نعيد الشغف للمدرجات بلا تعصب؟

قطار الموسم الكروي الجديد يطلق صافرته في كل مكان، معلنًا اقتراب عودة الحياة إلى الملاعب والمدرجات والشاشات، ومعها تعود القلوب إلى الخفقان، والأعين إلى الترقب، والأنفاس إلى الانتظار، والجماهير المصرية – كعادتها – لا تخفي لهفتها، وتحديدًا عشاق الأهلي والزمالك، لمتابعة فريقها يحقق انتصارات في موسم لا يخلو من الأحلام في سبيل حصد البطولات وإسعادهم.
في هذه اللحظة، تتزاحم الأسئلة:
من سيكون صاحب الكلمة العليا هذا العام بين الأهلي والزمالك؟
هل يواصل بيراميدز مزاحمته للقطبين والتتويج بالبطولات؟
أم تعود الخريطة الكروية إلى شكلها التقليدي؟
هل تعود الأندية الجماهيرية، مثل الإسماعيلي، إلى سابق عهدها؟
أم تستمر سيطرة أندية الشركات؟
وغيرها من الأسئلة في هذا السياق.
لكن وسط كل هذا التأهب الجماهيري، هناك سؤال لا يُطرح كثيرًا، رغم أنه – من وجهة نظري – الأهم:
لماذا تحول الشغف إلى تعصب أعمى وخصام؟ ولماذا أصبحت الكرة – التي هدفها جمع القلوب – سببًا في تفريقها؟
نحن الآن، في كل موسم، نرى المشاهد ذاتها تتكرر: تصريحات نارية، اتهامات متبادلة، مشاحنات في البرامج، تعليقات مسيئة على وسائل التواصل، ونيران تعصب تشتعل في العقول قبل أن تشتعل في المدرجات.
والمؤسف أكثر أن بعض من كانوا يومًا رموزًا ملهمة، سواء في الأهلي أو الزمالك، صاروا وقودًا لهذا الخطاب المسموم، يظهرون على الشاشات لا ليتحدثوا عن الخطط والتكتيكات، بل عن من أخطأ، ومن خان، ومن ليس ابنًا للنادي.
كأن صوت الحكمة خفت، وكأن الانتماء صار مرادفًا للعداء، وكأن التشجيع لا يكتمل إلا بالكراهية.
ثم يأتي الإعلام – الذي يُفترض أن يكون حكمًا – فإذا ببعضه يتحول إلى لاعب متحيز، منابر التحليل تتحول إلى ساحات لتصفية الحسابات، والمهنية تضيع أدراج الرياح أمام العناوين الصاخبة والساخنة المثيرة للجدل من أجل ركوب التريند، وكأن اللون أصبح أهم من المضمون، والانتماء أهم من الحقيقة.
وكأننا ننسى – أو نتناسى – أن ما نخسره من روح رياضية أكبر بكثير مما نكسبه من انتصارات مؤقتة.. ننسى أن المنتخب الوطني، الذي نعلق عليه آمالنا في كأس أمم إفريقيا المقبلة بالمغرب، وفي تصفيات كأس العالم، لن يفوز بلاعبيه فقط، بل بالوعي والدعم الحقيقي لكتيبة حسام حسن والبعد عن التعصب بين اللونين الأحمر والأبيض.
إذن، فما الحل؟
نحتاج إلى:
جمهور يدرك أن المنافسة لا تعني العداوة.
إعلام يعرف أن الكلمة مسؤولية.
نجوم سابقين أو حاليين يدركون أن القدوة لا تُصنع بالصوت العالي، بل بالحكمة.
نحن بحاجة إلى وقفة... وقفة ضمير.
وقفة من الأندية، من الاتحادات، من المسؤولين، من الإعلام، من النجوم، من الجماهير.
وقفة تقول: كفاية تعصب وكراهية.
كفاية استغلالًا لعاطفة الجماهير في إشعال نار الفتنة.
كفاية تلوينًا لكرة القدم، التي كانت – وما زالت – لعبة الحياة، لا الموت.
الخلاصة: دعونا نعيد للمدرجات ضحكتها، وللشاشات موضوعيتها، وللقلوب صفاءها.. الآن، الموسم الجديد يقترب، فلنجعله بداية جديدة، لا مجرد موسم آخر للنسيان. بداية نؤكد فيها أن لا نادٍ فوق الوطن، ولا فوز يستحق أن نخسر من أجله أخلاقنا.
ربنا يهدي النفوس، وترجع الكرة التي نحبها.. نحن لمنتظرون.

Trending Plus