"حزام النار".. البؤرة الزلزالية الأخطر وعلاقته بزلزال روسيا.. المنطقة لا تغطى سوى 1% فقط من مساحة سطح الأرض.. مسؤولة عن وقوع أكثر من 90% من الزلازل المسجلة عالميًا.. تحتضن 75% من البراكين النشطة والخامدة

فى الساعات الأولى من صباح اليوم الأربعاء، اجتاح الذعر مناطق عدة حول المحيط الهادئ، بعد أن ضرب زلزال هائل بقوة 8.8 درجات على مقياس ريختر قبالة سواحل شبه جزيرة كامتشاتكا فى أقصى شرق روسيا، الزلزال، الذى اعتبر من بين الأقوى عالميًا منذ أكثر من عقد، كان مركزه ضمن ما يعرف علميًا بـ"حزام النار" أو "حلقة النار"، وهى المنطقة الأكثر نشاطًا زلزاليًا وبركانيًا على سطح الأرض.
أعاد هذا الحدث الكارثى إلى الواجهة أهمية فهم الطبيعة الجيولوجية الخطيرة لهذه المنطقة، التى كانت موضع دراسات وتحذيرات من العلماء.
يمتد حزام النار على شكل قوس ضخم يلف أطراف المحيط الهادئ بطول يزيد عن 40 ألف كيلومتر، من سواحل أمريكا الجنوبية غربًا، مرورًا بأمريكا الشمالية، وصولًا إلى شرق آسيا وجنوب شرقها، وانتهاءً بنيوزيلندا والقارة القطبية الجنوبية.
ورغم أن هذه المنطقة لا تغطى سوى نحو 1% فقط من مساحة سطح الأرض، فإنها مسؤولة عن وقوع أكثر من 90% من الزلازل المسجلة عالميًا، وتحتضن قرابة 75% من البراكين النشطة والخامدة.
وتكفى الإشارة إلى أن ثمانية من بين أقوى عشرة زلازل في التاريخ الحديث وقعت ضمن نطاق هذا الحزام النارى.
تعد منطقة كامتشاتكا الروسية، التى كانت بؤرة الزلزال الأخير، واحدة من أكثر مناطق حزام النار عرضة للنشاط الزلزالى، وقد سبق أن شهدت في عام 1952 زلزالًا بقوة مشابهة أسفر عن تسونامى مدمر.
في زلزال اليوم، سارعت السلطات الروسية إلى إعلان حالة الطوارئ، لاسيما فى جزر كوريل القريبة، حيث بدأت عمليات الإجلاء من المناطق الساحلية وسط تحذيرات من موجات مدّ عاتية قد تستمر لساعات.
ومع وصول التسونامى إلى هاواى واليابان، والسلطات إلى إصدار الأوامر بإخلاء نحو مليونى شخص من مناطقهم، ظهربوضوح اتساع نطاق تأثير هذا الحزام الجيولوجى النشط.
ما يجعل حزام النار بهذا النشاط والاضطراب هو ما يحدث فى أعماق الأرض، فأسفل القشرة الأرضية فى هذه المنطقة، تتقابل صفائح تكتونية عملاقة - وهى كتل صخرية ضخمة تشكل القشرة الأرضية - حيث تتصادم، وتنزلق، أو تنغمس بعضها تحت بعض فى حركات جيولوجية تعرف باسم "الحركات التكتونية".
فى حالات كثيرة، تنزلق صفيحة المحيط الهادئ الثقيلة تحت صفائح أخف منها مثل صفيحة أمريكا الشمالية أو صفيحة الفلبين، هذا الاحتكاك يولد طاقة هائلة، وعندما يتم إطلاق هذه الطاقة فجأة، تحدث الزلازل.
أما إذا أدت هذه الحركات إلى ذوبان الصخور، فإن الحمم البركانية تصعد إلى السطح، مُشكّلة براكين قد تبقى نشطة لسنوات أو تنفجر خلال دقائق دون سابق إنذار.
وبينما يعتقد عمومًا أن هذه العمليات الجيولوجية تحدث بشكل طبيعى على مدى ملايين السنين، فإن بعض العلماء يحذرون من أن الأنشطة البشرية الحديثة، مثل التفجيرات النووية تحت الأرض أو تأثير التغير المناخى على القشرة الجليدية، قد تكون محفزات إضافية تسرع من وتيرة الزلازل أو تخل بتوازن القشرة الأرضية، ورغم أن هذه النظريات لا تزال فى إطار البحث، فإنها تدق ناقوس الخطر فى عالم يتغير فيه كل شيء بسرعة، بما فى ذلك قاع المحيطات.
لا يقتصر تأثير حزام النار على الزلازل فقط، بل هو مصدر لأشهر البراكين التى غيرت وجه الأرض، من بينها بركان كاراكاتوا فى إندونيسيا، الذى انفجر عام 1883 وقتل أكثر من 36 ألف شخص، وكان من أقوى الانفجارات في التاريخ المسجل. كذلك، شهدت تشيلى أعنف زلزال مسجل على الإطلاق عام 1960، بلغت قوته 9.5 درجات.
أما اليابان، فقد دفعت ثمناً باهظًا فى زلزال وتسونامي 2011، الذى ألحق دمارًا واسعًا وأدى إلى أزمة نووية في محطة فوكوشيما.
في الوقت ذاته، يرى عدد من السكان والعلماء في الدول الواقعة ضمن حزام النار أن هذه الكوارث ليست فقط تهديدًا، بل أيضًا فرصة لفهم الأرض بشكل أعمق، فالحمم البركانية التى تخرج من باطن الأرض تكشف عن طبقات داخلية لم نكن لنصل إليها، وتساعد فى تحديد مكونات القشرة الأرضية، منها الرماد البركانى، رغم مخاطره، يخصب التربة ويجعلها أكثر إنتاجية، بينما تحتوى المقذوفات البركانية على معادن نادرة مثل الفضة والنحاس والمولبيدنوم، ما يمنح هذه المناطق قيمة اقتصادية مضافة.
ومع ذلك، فإن خطر حزام النار لا يزال قائمًا، فالتسونامي الذي أعقب زلزال روسيا اليوم امتد عبر المحيط الهادئ، ووصل إلى سواحل اليابان بها ارتفاع بلغ 1.3 متر، بينما ضرب جزر هاواي بموجة وصلت إلى 1.2 متر.
كما أفادت هيئة الأرصاد الأمريكية بوصول أمواج خفيفة إلى سواحل كاليفورنيا، ما استدعى إبقاء حالة التأهب، فى الفلبين وإندونيسيا، تم رفع درجة التحذير القصوى، وتم وقف عمليات الصيد والنقل البحرى، تحسبًا لموجات ارتدادية أو موجات مد جديدة.
لا يختلف العلماء على أن زلزال كامتشاتكا الأخير ما هو إلا تذكير صارخ بخطورة العيش قرب حزام النار، لكنه فى ذات الوقت يسلط الضوء على أهمية الاستثمار فى أنظمة الإنذار المبكر والتخطيط الحضرى المستدام، فقد تكون الكارثة قادمة، لكن القدرة على تقليل خسائرها تبدأ بالعلم، وتستمر بالاستعداد والتخطيط والتعاون بين الدول.
فى النهاية، يبقى حزام النار تلك القوة الطبيعية التى لا تكف عن الحركة، ففى كل مرة تهتز فيها الأرض فى أحد أركانه، يتردد الصدى فى جميع أنحاء العالم، وبينما يتساءل البعض إن كانت التغيرات المناخية أو الأنشطة البشرية الحديثة قد تزيد من استفزازه، تظل الحقيقة أن الطبيعة - بجبروتها وعظمتها - لا تزال المتحكم الأكبر فى مصير الأرض وسكانها.

Trending Plus