حلم كليات القمة يصطدم بالواقع.. طوفان من الخريجين يهدد مستقبل المهن الطبية.. العلاج الطبيعي: 86 كلية وبطالة حتمية تنتظر الخريجين.. الأسنان: وصلنا لطبيب لكل 600 مواطن.. الصيادلة: لدينا 10 أضعاف النسبة العالمية

** نقابة العلاج الطبيعى تطالب بوقف فوري للكليات الجديدة وغلق بعض القائمة

** نقابة الأسنان تحذر من تشبع غير مسبوق.. وتطلق حملة لتوعية طلاب الثانوية 

** نقابة التمريض: التكليف مستمر لمواجهة عجز بـ 75 ألف ممرض

** نقابة الأطباء: رحلة الطبيب شاقة وتستغرق 15 عاما للبدء.. ونواجه نقصا حادا فى الأعداد

بالتزامن مع إعلان نتائج الثانوية العامة، وفتح باب تنسيق الالتحاق بالجامعات، تمتزج فرحة النجاح بقلق الاختيار، ويقف آلاف الطلاب وأولياء أمورهم على أعتاب مرحلة جديدة، حاملين حلم الالتحاق ب "كليات القمة"، لكن هذا الحلم الذي طالما كان مرادفا لمستقبل مضمون ومكانة اجتماعية مرموقة، بدأ يصطدم بواقع مغاير، ترسم ملامحه النقابات المهنية الطبية، مشيرة إلى وجود أعداد كبيرة من الخريجين يهدد بتشبع السوق وإغراقه، في ظل إيقاف التكليف الإلزامي لمعظم الفروع الطبية اعتبارا من عام 2025 ليكون وفقا للاحتياجات الفعلية فقط.

وبينما تكشف نقابات طبية عن أرقام صادمة لزيادة أعداد الخريجين تفوق المعدلات العالمية وتنبئ ب "بطالة حتمية"، تقف نقابات أخرى على النقيض تماما، معلنة عن عجز حاد في كوادرها وحاجة ماسة للمزيد، هذا التباين الحاد يرسم خريطة جديدة لسوق العمل الطبى، وتتطلب من الطلاب نظرة أعمق تتجاوز المجموع إلى دراسة واقع المهنة وتحدياتها المستقبلية قبل اتخاذ القرار.

نقابة العلاج الطبيعي

وجددت النقابة العامة للعلاج الطبيعي دعوتها وتحذيرها الحاسم لأولياء الأمور والطلاب الراغبين في الالتحاق بكليات العلاج الطبيعي، مؤكدة أن "بطالة حتمية" وشيكة ستواجه آلاف الخريجين، مشيرة إلى أن هذا التحذير يأتي في ضوء قرار وزارة الصحة والسكان بأن التكليف لخريجي الكليات الطبية (علاج طبيعي – بشري – أسنان – تمريض – صيادلة) سيتم طبقا لاحتياجات سوق العمل، وليس كحق إلزامي لجميع الخريجين، وهو ما يعزز المخاوف في ظل التوسع في إنشاء الكليات، والذي لا يراعي الاحتياجات الفعلية للسوق.

وكشفت النقابة عن أرقاما وحقائق تعكس حجم المشكلة، ومؤكدة أن أبوابها مفتوحة لاستقبال الطلاب وأولياء أمورهم لتبيان هذه الحقائق، لافته إلى أن عدد كليات العلاج الطبيعي فى مصر وصل إلى 86 كلية، ما بين حكومية وخاصة وأهلية وأفرع أجنبية، هذا العدد الهائل سينتج عنه تخريج ما يقدر ب 32 ألف خريج سنويا، ووفقا لدراسة أجرتها النقابة فإنه بحلول عام 2030، سيصل عدد الخريجين في سوق العمل إلى 215 ألف خريج، وهو رقم كارثي بكل المقاييس، حسب وصفها.

وأضافت النقابة: "السوق متشبع تماما، وفرص العمل في الخارج التي كانت متاحة في السابق لم تعد موجودة، حيث أنشأت الدول الأوروبية والخليجية والعربية كلياتها الخاصة، وأكدت أن الأزمة لا تقتصر على الأعداد فقط، بل تمتد إلى جودة التعليم نفسه، موضحة: "هذا التوسع الهائل أدى إلى نقص شديد وحاد في أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة، فضلا عن المغالاة الشديدة في رسوم التسجيل والقيد بالبعض، وطالبت بالتجميد الفوري لإنشاء أي برامج أو كليات علاج طبيعي جديدة، غلق بعض الكليات القائمة حاليا والتي لا تفي بالمعايير الأكاديمية والتنظيمية، وتقليص أعداد المقبولين في الكليات الحالية بما يتناسب مع قدرتها الاستيعابية الفعلية وحاجة السوق.

نقابة الأسنان

فيما أطلقت النقابة العامة لأطباء الأسنان حملة توعوية شاملة تحت شعار "فكر قبل ما تقرر"، تستهدف أولياء الأمور وطلاب الثانوية العامة المصريين المتطلعين للالتحاق بالجامعات في العام الدراسي 2025-2026، تهدف الحملة إلى تقديم شرح واف وتوضيح الصورة كاملة حول واقع مهنة طب الأسنان والتحديات الراهنة التي تواجه الخريجين، وذلك لتمكين الطلاب وأولياء الأمور من اتخاذ قرار مستنير ومبني على أساس صحيح، حرصا من النقابة على مستقبل أبنائنا.

وأوضحت النقابة، أنه قبل اتخاذ قرار الالتحاق، لابد من مراعاة صدور قرار وزير الصحة والسكان بإلغاء التكليف الحكومي الإلزامي لخريجي كليات طب الأسنان بدءا من دفعة 2025، وأن النقابة تلتزم التزاما صارما بالحد الأدنى للقبول الذي يقرره المجلس الأعلى للجامعات، ولن يتم قيد أي خريج في سجلاتها كان مجموعه في الثانوية العامة أقل من الحد الأدنى المعلن لكليات طب الأسنان الحكومية والخاصة والأهلية، حتى وإن منح شهادة البكالوريوس، كما أنه  يتوجب على جميع خريجي كليات طب الأسنان اجتياز امتحان ممارسة المهنة من المجلس الصحي المصري كشرط أساسي قبل التقدم للقيد بالنقابة أو الحصول على ترخيص مزاولة المهنة.

واستندت حملة نقابة الأسنان، إلى أرقام وإحصائيات دقيقة طالما دعت النقابة لمناقشتها مع وزارتي التعليم العالي والصحة والسكان، وهي كالآتي: شهدت أعداد أطباء الأسنان في مصر نموا غير مسبوق، فمن 123 طبيبا في عام 1941، وصل العدد إلى 109,308 بحلول عام 2025، وبحلول عام 2030، يتوقع أن يصل عدد أطباء الأسنان إلى 201,811 طبيبا، مما سيجعل نسبة طبيب الأسنان إلى عدد السكان حوالي 1 لكل 600 مواطن، وأشارت إلى أن هذه النسبة تثير مخاوف حقيقية بشأن تشبع السوق، خاصة وأن أقل النسب العالمية المقبولة عالميا هي 1 طبيب أسنان لكل 2000 مواطن.

وأكدت أن هذه الأرقام تؤكد على ضرورة المعالجة الفورية لمشكلة الزيادة الهائلة في أعداد الأطباء، والحاجة الملحة للتخطيط الدقيق لبرامج التعليم والتدريب لمواكبة احتياجات السوق الفعلية وتحسين جودة الخدمات، موضحه أن حملتها تهدف لكشف التحديات الحقيقية التي تواجه طبيب الأسنان المصري حاليا، والتي تشمل:الزيادة الكبيرة في أعداد الخريجين مقابل محدودية سوق العمل، صعوبة الحصول على فرص للدراسات العليا، انعدام فرص التكليف الحكومي، تشبع سوق العمل الخاص، وتضاؤل إمكانية السفر والعمل بالخارج.

نقابة الصيادلة

فيما حذرت نقابة الصيادلة من واقع مقلق وتحديات غير مسبوقة تواجه مهنة الصيدلة في مصر، مؤكدة أن سوق العمل قد وصل إلى مرحلة التشبع الكامل، وأن أعداد الخريجين تفوق بشكل كارثي الاحتياجات الفعلية للبلاد، وكشفت النقابة بالأرقام عن حجم الأزمة، حيث وصل عدد خريجي كليات الصيدلة سنويا إلى 20 ألف خريج، في حين أن الحد الأقصى الذي يحتاجه سوق العمل هو 5 آلاف خريج فقط سنويا، كما قفزت أعداد الصيادلة المقيدين بالنقابة من حوالي 150 ألف صيدلي في عام 2015 إلى 330 ألف صيدلي حاليا، أي أن الأعداد تضاعفت في السنوات الأخيرة، ووصلت مصر إلى نسبة صيدلي واحد لكل 450 مواطنا، وهو ما يتجاوز بعشرة أضعاف النسبة العالمية المقبولة، والتي تقدر بصيدلي واحد لكل 5000 مواطن.

وأكدت النقابة أن محاولات المجلس الأعلى للجامعات لتقليل أعداد المقبولين في الجامعات الحكومية لم تؤت ثمارها، حيث تم تعويض هذا الخفض من خلال افتتاح كليات جديدة، وأشارت إلى أن نظام التكليف قد تغير بشكل نهائي، حيث إن آخر دفعة سيتم تكليفها بالكامل هي دفعة عام 2022، وبعد ذلك، سيتم التكليف بناء على الاحتياجات الجغرافية الفعلية فقط، وذلك لمعالجة مشكلة التكدس الهائل من خريجي الصيادلة والأسنان والعلاج الطبيعي التي سببها نظام التكليف الكامل سابقا.

نقابة الأطباء البشريين

أما نقابة الأطباء، ورغم وجود عجز فى الأعداد، فقد حذر الدكتور جمال عميرة، وكيل النقابة العامة للأطباء، من التحديات الجسيمة التي تواجه دارسي الطب والأطباء الجدد، مؤكدا أن المسار التعليمي والتدريبي للطبيب هو "رحلة طويلة وشاقة" قد تمتد إلى 15 عاما قبل أن يتمكن الطبيب من بدء حياته المهنية الفعلية والمستقرة.

وفي تصريحات خاصة لليوم السابع، قال عميرة: "إن دراسة الطب لم تعد كما في السابق، فالنظام الحالي يمتد إلى 7 سنوات، مقسمة إلى 5 سنوات من الدراسة الأكاديمية المستمرة تليها سنتان من التدريب الإلزامي (الامتياز)، هذه المرحلة تتطلب مذاكرة متواصلة من اليوم الأول، وتضحية بالإجازات التي غالبا ما تستغل في تدريبات إكلينيكية إضافية".

وأضاف: "بعد التخرج، لا يبدأ الطبيب حياته المهنية مباشرة، بل يخوض فترة تدريبية تعرف ب(النيابة) تمتد لثلاث سنوات في المستشفيات الجامعية، أو يلتحق ب(الزمالة المصرية) التي تتراوح بين 4 إلى 5 سنوات، وبجمع هذه السنوات، نجد أن الطبيب قد يصل إلى عمر 38 أو 40 عاما ليبدأ في تأسيس حياته المهنية المستقرة، وهذا بعد رحلة تعليم وتدريب قد تتجاوز 15 عاما، خاصة إذا قرر استكمال مساره بالحصول على درجة الدكتوراه التي تستغرق من 4 إلى 6 سنوات إضافية".

وعن سبب استمرار تكليف الأطباء البشريين دون غيرهم، قال الدكتور عميرة: "مصر تواجه نقصا حقيقيا في أعداد الأطباء. نسبة الأطباء إلى عدد السكان لدينا أقل من المعدلات العالمية بالنصف أو حتى الربع. نحن نحتاج إلى ضعف أو حتى ثلاثة أضعاف العدد الحالي من الأطباء لتغطية احتياجات المنظومة الصحية، ومما يزيد من تفاقم المشكلة أن هناك ما يقارب 40% من الأطباء المصريين يعملون خارج البلاد".

وفيما يتعلق بدور الجامعات الخاصة والأهلية، أشار الدكتور عميرة: "إنشاء كليات طب جديدة في الجامعات الأهلية والخاصة خطوة للمساهمة في حل أزمة نقص الأعداد، ولكن المنتقد هو الهبوط الكبير فى مجاميع القبول بكلية الطب، والتي وصلت إلى 60% وأقل، هذا الأمر سينعكس حتما على مستوى الخريجين في المستقبل".

وأوضح: "ليس من المعقول أن يكون الحد الأدنى للقبول في كليات الطب الحكومية 95%، بينما نسمح في المقابل بقبول طلاب بمجموع 55% أو 60%، كنت لأتفهم أن يكون الفارق بسيطا، لكن هذا الهبوط الحاد سيؤثر على جودة المهنة، هذا الوضع صعب وسينعكس على المستوى العام للأطباء".

ووجه وكيل نقة الأطباء، نصيحة للطلاب الراغبين في الالتحاق بكليات الطب قائلا: "رسالتي لكل طالب يطمح لدخول كلية الطب: يجب أن تتحلى بالإرادة الفولاذية والعزيمة الصادقة، وأن تدرك أن المشوار ليس سهلا، عليك أن تكون مستعدا للتضحية بالكثير من جوانب حياتك الاجتماعية والثقافية والرياضية، لأنك ستكون شبه متفرغ للدراسة والعلم والامتحانات والتحصيل، من يمتلك هذه المقومات، فسيصل إلى هدفه، ولكن عليه أن يعي أن المشوار شاق وطويل".

 التمريض
 

أما النقابة العامة للتمريض، فقد أكدت عدم إلغاء التكليف لخريجى كليات ومعاهد ومدارس التمريض بكافة محافظات الجمهورية، مؤكدة إنه لا استغناء عن تكليف التمريض، مشيرة إلى أن عجز التمريض يبلغ حاليا 75 ألف ممرض وممرضة فى كافة محافظات الجمهورية، ومن المتوقع أن يتضاعف العجز  بحلول عام 2030 تزامنا مع تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل فى كافة المحافظات، وبالتالى فإن هناك احتياج لأعداد مضاعفة من التمريض.

وأشارت إلى أنه يتم تكليف التمريض لكافة الجهات والقطاعات التابعة لوزارة الصحة والسكان والمتمثلة فى «الهيئة العامة للمعاهد والمستشفيات التعليمية، هيئة التأمين الصحى، أمانة المراكز الطبية المتخصصة، الأمانة العامة للصحة النفسية، إدارة المؤسسة العلاجية، ومديريات الشئون الصحية بجميع المحافظات»، فضلا عن الهيئة العامة للرعاية الصحية والمسئولة عن تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل فى 6 محافظات كمرحلة أولى وجاري تطبيق المنظومة فى 5 محافظات كمرحلة ثانية، بالإضافة إلى المستشفيات الجامعية.