سقوط مصر.. أوهام ورهان خاسر

جمهورية مصر العربية، ليست دولة تسعى للتوسع، أو فرض الهيمنة؛ لكنها عظيمة الشأن، لها تاريخها المجيد، وحضارتها المتجذرة، وإرثها الثقافي المشرف، يفخر به منتسبوها على مر الأزمان، وهذا في واقع الأمر ما يخلق في نفوس المصريين عزة، يصعب أن تجدها في ربوع المعمورة؛ ومن ثم تتمتع مصر بثقل على كافة المستويات، السياسية، والثقافية، والاقتصادية، والعسكرية، وهو ما يجعلها دولة عتية على أصحاب المآرب، ومن يودون النيل من مقدراتها، بل، تقهر كيدهم، وتجعله في نحورهم على الدوام.
من يرد سقوط مصر؛ من أجل أن ينتصر لأيدولوجية يتبناها؛ فهو واهم، ولا يدرك أن بها أزهرًا شريفًا، يعتنق الوسطية، وينادى بالسلم والسلام، ويعزز مفاهيم السماحة، ويعضد أطر المحبة، بين الجموع؛ فلا تجد في ربوعها من يحاول أن يفرض فلسفة المغالاة، على أرض أرتوت بفيض ما أفرزه الوجدان من قيم نبيلة، قد غرست في نفوس قدمت تضحيات الأرواح، والدماء؛ صونًا لمقدرات هذا البلد الأمين؛ لذا لا مكان للتطرف، ولا توافق مع أصحاب الفكر المشوه، ولا نصرة لمن يحاول زعزعة الاستقرار ببلد الأمن، والأمان.
هناك من يحاول العبث بالعقول؛ كي تقوض مسيرة النظام الحاكم، وتغير من مسيرة سياسية ديمقراطية؛ لتستبدلها بنظم تقوم على الاستبداد، والقهر؛ لترضخ مؤسسات الدولة، وشعبها لأجندات تطمح في الهيمنة، والسيطرة، بعد إشاعة حالة من الفوضى، والارتباك، بين الصفوف؛ ليصبح الشعب في تيه، تتحكم في مصيره قوى خفية، لا تريد إلا النيل من مقدراته، وفتك نسيجة؛ كي لا تقوم له قائمة، ولا يستطيع أن يعارض، أو يقاوم.
من يرغب في سقوط مصر، يثابر من أجل أن يكرس مفاهيم الفساد، والإفساد، من خلال حب الذات، والسعي نحو تحقيق المصالح الخاصة، وضعف الاكتراث بالمصالح العليا للوطن؛ ومن ثم تنتشر الفوضى المؤسسية، التي يعقبها ضعف ثقة بين المواطن، ومؤسساته الوطنية؛ لصبح حينئذ أداة هدم، وهذا لن يحدث في بلد تحترم القانون، وتوفر المناخ الداعم المؤسسي، الذي يلبي احتياجات، ومتطلبات شعب صبور، بل، تحاول تقديم كافة صور الراحة للخدمات الأساسية؛ كي تعزز في النفوس ماهية المواطنة الصالحة بشكل وظيفي.
سقوط مصر رهان خاسر؛ كونها تمثل قوة إقليمية، لا يستهان بها، مهما تضافرت الجهود المغرضة نحو إضعافها؛ فلديها جغرافيا متفردة، كما أن قيادتها السياسية الرشيدة، لا تقبل التوجيهات، أو الإملاءات، أو الخضوع للضغوط؛ فمصنع الرجال يربى أبنائه على العزة، والشرف، والكرامة، وحب التضحية في سبيل الله، والوطن؛ ومن ثم لن يركع بلد تقوده قيادات حرة، لا تقبل الدنية على، وطن، وشعب عظيم القدر، والمقدار.
مصر لن تكون مشروعًا توسعيًا لأحد؛ فهي مقبرة الغزاة الطامعين؛ فلديها شعب يمتلك الإرادة، والتحدي، وتاريخه خير شاهد، ولديها جيش عظيم، لا يخشى الوغى، وبها مؤسسات وطنية مخلصة، وتمتلك قيادات باسلة في مواقفها؛ فمن يحاول أن يخلق حالة من الفراغ بهذا البلد الأمين، لن يجد الفرصة سانحة، في وطن لا يعترف بسياسة التحالف؛ من أجل تحقيق مآرب، ومكاسب، بل، هناك دبلوماسية سياجها الشرف، والأمانة، وسيفها الإذعان للحق، دون غيره؛ فلا مقايضة لقضايا مصيرية، قد حسمت منذ فجر التاريخ.
مهما تباينت الأسباب، والدوافع، تجاه محاولات سقوط مصر، سواءً أكانت جيوسياسية، أم اقتصادية، أم أيديولوجية، يبقى الرهان على شعب عظيم، يدرك ما يحاك ببلاده، ويعي واجبه، ولا يتنازل عن كرامته، ولا يقبل شماتة الأعداء، ولا يرضى أن تطأ قدم عدو تراب هذا الوطن الغالي، ولا يتردد في أن يقدم أغلى ما لديه في ساحة النِّزال.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
_____
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر

Trending Plus