سيدة البالطو الأبيض

محمود عبد الراضى
محمود عبد الراضى
محمود عبد الراضي

كانت ترتدي البالطو الأبيض لا كزيّ طبيبة، بل كلحاف من رحمة، يغمر من حولها، سماعتها التي طالما سمعت بها أنين المحتاجين، علّقتها أخيرًا، ومضت بهدوء يشبه دعاءً في آخر الليل.

الدكتورة هناء شوقي عمر عبد الراضي، لم تكن فقط قريبة الدم، بل كانت قريبة القلب، تنتمي إلينا جميعًا، كما تنتمي يدٌ طيّبة لجسد الحياة.

هي ابنة عمي، وزوجة ابن عمي "عبد الناصر حامد"، لكنها فوق كل ذلك، كانت امرأة استثنائية، تحمل الألم عن غيرها كأنها خُلقت لتخففه.

أتذكرها جيدًا.. في صيفيات الطفولة، حين كانت تعود مع أسرتها من مدينة سوهاج إلى قريتنا شطورة، شمال المحافظة، لتسكن بيت الجد، الشيخ الجليل عمر عبد الراضي، الذي كانت عمامته أوسع من ظل شجرة، وعلمه يملأ أروقة الأزهر، كانت تلك الزيارات موسمية، لكنها كانت تملأ القرية بالدفء، كأن الشمس تحزم أمتعتها وتأتي معنا لتقيم هناك.

بعد تخرجها في كلية الطب، جاء تكليفها إلى وحدة صحية في قلب قريتنا، أقامت وحدها في بيت جدنا، وكأن البيت القديم تنفس مجددًا، كانت تبدأ يومها مبكرًا، وتنهيه متأخرًا، وهي لا تزال تبتسم، كأنها تعتذر للوجع عن وجوده.

ثم تزوجت، وغادرت إلى العريش، لكنها لم تغادر العطاء، ثم إلى شرم الشيخ، هناك، لم تكن الشمس وحدها تمنح الدفء، كانت هناء كذلك، لم تتوقف، رغم أن المرض، ببطء لا يرحم، بدأ يطرق أبوابها، لكنه لم ينتزع منها ضوءها، ولا قدرتها العجيبة على مواساة الآخرين، حتى وهي تتألم بصمت.

رأيت فيها الأم التي غرست وأثمرت، رحلت بعد أن اكتمل الزرع في أبنائها الثلاثة: "الدكاترة": أحمد ودينا ومنة، كانت تبتسم في وجوههم وكأنها تقول: الآن يمكنني أن أستريح.

قبل خمس ساعات فقط من الرحيل، زرتها في المستشفى، لم تتحدث، ربما قالت كل شيء بصمت، خرجتُ حزينًا، مثقلاً بما لم أستطع قوله لها، وما لم تستطع هي أن تبوح به، ثم جاء الخبر.. خمس ساعات فقط كانت كافية ليذبل الزمن.

كانت تتابع كتاباتي، تناقشني، تصحح لي أحيانًا، ولم أظن أن يأتي اليوم الذي أكتب فيه عنكِ، لا لكِ.

سلامٌ على روحكِ يا دكتورة هناء.. بلّغي سلامنا لجدنا عمر عبد الراضي، وعمنا عبد الرحمن عبد الراضي، ولأبي..، قولي لهم إنكِ كنتِ عظيمة كما كانوا، وإنكِ زرعتِ فينا شيئًا لا يزول.

الراحلون العظماء لا يغيبون، بل يختبئون في قلوبنا، وفي حنيننا، وفي ما علمونا، موعدنا معكِم جميعا، حيث لا وجع، في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

رئيس الوزراء يشهد توقيع عقد مشروع شركة المانع القابضة القطرية بالسخنة

جنايات المنصورة تحيل أوراق عربي الجنسية للمفتي لقتله صديقه وقطع جزء من جسده

ضبط المتهمين بإشعال النيران فى شخص أمام زوجته وإصابته بحروق خطيرة.. صور

الطقس غدا.. انخفاض بالحرارة وأمطار وشبورة والصغري بالقاهرة 13 درجة

وزير الداخلية يعتمد نتيجة قبول دفعة جديدة بأكاديمية الشرطة للعام 2025/2026.. قبول 2757 طالبا بعد اختبارات دقيقة بأحدث التقنيات.. 48 ألف متقدم والنتيجة تعتمد على الشفافية.. اختيار عناصر نسائية وخريجى الحقوق


نتيجة كلية الشرطة 2026 كاملة لجميع التخصصات.. بالأرقام

بدء إبلاغ المقبولين بكلية الشرطة بنتائج القبول للعام الدراسى الجديد

مستشار الرئيس للصحة يوصى بالبقاء بالمنزل عند الشعور بأعراض الأنفلونزا "A"H1N1

سعد الصغير ينتقد غياب المطربين عن عزاء أحمد صلاح: مهنتنا مناظر أمام الكاميرات

5 آلاف إثيوبي ملزمون بمغادرة أمريكا خلال 60 يوما.. ما السبب؟


قبول 800 طالب من الحاصلين على الثانوية بأكاديمية الشرطة

وزير الداخلية يعتمد نتيجة قبول دفعة جديدة بأكاديمية الشرطة

تفاصيل عرض المليون دولار من برشلونة لضم حمزة عبد الكريم وموقف الأهلي

اعرف الرابط الرسمى للاستعلام عن نتائج اختبارات كلية الشرطة

دموع وتصفيق وأرقام قياسية فى ليلة عودة محمد صلاح التاريخية.. فيديو وصور

اعرف كيفية الحصول على نتيجة كلية الشرطة لعام 2025/2026

متى تنتهى انتخابات مجلس النواب 2025 بشكل نهائى؟.. اعرف آخر موعد

حكام مصر الستة يتوجهون إلى المغرب للمشاركة فى أمم أفريقيا

التنمية المحلية: تخفيض رسوم ترخيص المحال العامة لمدة 6 أشهر بنسبة تصل لـ50%

إخطار المقبولين بكلية الشرطة للعام الدراسي الجديد هاتفيًا وبرسائل نصية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى