عصام عبد القادر يكتب عن البكالوريا المصرية: تطوير ممنهج.. بناء فكري ومهاري ووجداني متكامل.. دعم الدولة لإصلاح التعليم.. الاستعداد والجاهزية.. التخلص من الأنظمة التعليمية المريضة

خشية التغيير من الأمور الفطرية لدى الإنسان؛ لكن عندما تتجمع الأسباب، والمسببات، التي تستدعي ذلك؛ فإن اتخاذ القرار تجاه التحسين، والتطوير يعد حينئذ واجبًا لمن يريد أن يتخلص من المشكلات، التي يعاني منها، أو يستبدل وضعية الركود لمنحنى التقدم نحو الريادة، أو يعتلي قطار الخبرات المتجددة، والتي يتطلبها، ويقوم عليها سوق العمل المحلي، والعالمي؛ حيث بات يبحث عن تفرد مهاري، وليس عن شهادات تفتقر للوظيفية منها.
بناء الإنسان في بلدنا الحبيب يقوم بشكل واضح، ومباشر على إصلاح حقيقي لمنظومة التعليم المصري، خاصة في مرحلة التعليم قبل الجامعي، وهنا أتحدث عن صيغة جديدة منه، وهي البكالوريا، التي أعلن عنها منذ فترة زمنية ليست بالقليلة، وتمت الموافقات من الجهات المعنية على صورتها النهائية؛ ومن ثم تم التجهيز لها، فيما يخص المناهج التعليمية، وما تتضمنه من أنشطة، وإعداد مسبق للبيئة، والقائمين على تنفيذها بصورة إجرائية.
ما أتمناه كمتخصص، وما أتطلع إليه كمحب لوطني، وما أرجوه كمنتسب لمنظومة التعليم، يتمثل في أن نكون مستعدين تمامًا؛ لإنجاح هذا النظام، من خلال نشر ثقافته بين المواطنين؛ كي يتخذ القرار الصائب في الالتحاق بالبكالوريا، وتدريب هيئة التدريس_ التي تمتلك الأداء المهني، والأكاديمي، اللذين يحققان مستهدفات، ونواتج التعلم المنشودة، التي خطط لها سلفًا في خضم صياغة المقررات الدراسية بمتنوعاتها المختلفة.
ما أرجوه أن تقدم الخبرات التعليمية إلى فلذات أكبادنا في نظام البكالوريا؛ استنادًا على فلسفة البحث، والاستقراء، والاستنتاج، والاستقصاء، وضوابط الملاحظة الرصينة، وكثير من المهارات النوعية في المجال، وبالطبع هذا يعد أفضل من صورة الخبرة، التي تقوم على اكتساب معارف وفق ماهية التلقين، والحفظ، والاسترجاع، وهذا في مجمله يجعلنا دون مواربة نتخلص من الاهتمام بالتحصيل البعيد عن تنمية مهارات التفكير العليا، التي تتسق مع مهارات القرن الحادي والعشرين.
آمل في أن نساعد بعضنا البعض؛ كي نخلق بيئة أسرية، وحاضنة تعليمية مؤسسية، تساعد فلذات أكبادنا في السير قدمًا نحو إنجاز المهام المنوطة بهم؛ ليتفاعلوا، ويستمتعوا بالأنشطة التعليمية، التي تخاطب العقول، وتقدح الأذهان، وتعمق الأفهام؛ لتصبح الخبرات التعليمية الشاملة للمعارف، والمهارات، والوجدانيات في حوزتهم؛ ومن ثم يتمكنوا من بلوغ مستويات الإتقان، سواءً أكان من محاولاتهم الأولى، أم بإتاحة مزيد من الفرص الداعمة لهذا المغزى المنشود من نظام البكالوريا.
أطمح في إدراك الجميع من أن نظام البكالوريا المصري يعمل على تجهيز الأبناء، وإعدادهم لسوق العمل بصورة مبكرة، من خلال امتلاك الخبرات الوظيفية، التي تقدم وفق المقومات، التي يحوز عليها المتعلم؛ حيث الاستعدادات، والقدرات النوعية، والخاصة، والرغبة في مجال بعينه، وهذا كله مطروح، ومتاح للجميع؛ فكل مساق معلن عنه قد أصبح محددًا لمسارات العملية التعليمية اللاحقة، كونها تركز على مستهدفات مجال بعينه، والتي أعلن عنها.
نظام الفرصة الواحدة، الذي يحدد المصير، استبدل في البلاد، التي سعت للنهوض من خلال بناء فكر إنسان، يراعى فيه إتاحة المزيد من الفرص، وينظر إليه وفق فلسفة نؤمن بها، وهي الفروق الفردية، ويتأكد في مراحله إمكانية التمديد الزمني؛ ومن ثم تصبح ضمانة امتلاك الخبرات في مأمن، ومراعاة تكافؤ الفرص، ينالها الجميع دون استثناء، وهنا نستشعر جمال النظام التعليمي، الذي في كل أحواله، يراعى مصلحة المتعلم، وينحاز بإجراءاته له بصورة مباشرة، ويقدم له معطيات التفوق، والاستمرارية؛ كي يحقق ما يحلم به.
نظام الثانوية العامة، الذي يقوم على الفرصة الواحدة تغلق شرف المحاولة أمام الطالب، وتحدد مصيره بصورة قصرية؛ لكن البكالوريا تتيح فرص التقدم، وبلوغ مستويات الإتقان من خلال محاولات التحسين على عامين، وهنا نوقن فلسفة المرونة في التعامل مع إمكانيات، وقدرات، وظروف المتعلم؛ حيث بوابة التمكن المهاري الطوعي، التي تزيد من الإصرار، والمثابرة، وتنعكس إيجابًا على الحد من الفاقد، والهدر التعليمي، سواءً أكان بالرسوب، أم بالفشل؛ ومن ثم يصبح لدينا خريجًا للمرحلة لديه استعدادات، أضحت معلومة له، ولأسرته؛ فيختار الدرب، الذي يتناسب معه بصورة صحيحة لا غبن فيها.
التركيز في نظام ، يحض على حصد أعلى الدرجات بمرحلة واحدة تعد مفصلية يتحدد على إثرها مستقبل المتعلم، يجعلنا نتريث تجاه التمسك به، بل، يؤكد على ضرورة البحث عن نظام يدحض تلك السلبيات خطيرة الأثر على الفرد، والأسرة، والمجتمع؛ لذا نرى في النظم التعليمية، التي تتبنى فكرة تجهيز الطالب لمستويات متقدمة من خلال فلسفة الإتقان، وإتاحة فرصة العلاج الشافي مما نعاني منه لسنوات عديدة، استنزفت فيها موارد الأسرة، وطاقتها النفسية، وتأثر بها المجتمع عبر نوعيات، لا يجدون فرص العمل، التي تتناسب مع ما لديهم من مهارات، وخبرات نوعية.
الجميع يأمل، ويتمنى أن تسود الفضيلة ربوع الوطن، ونرى من سلوكيات فلذات الأكباد ما يدخل السعادة، والسرور في نفوسنا، ويبهج أفئدتنا؛ حيث إن بناء الإنسان بصورة متكاملة، لا ينفك قطعًا عن قيم نبيلة، يتصف بها، وتتضح من ممارساته؛ لذا حرصت البكالوريا في مشتمل مقرراتها على أن تكون دراسة التربية الدينية بصورةٍ إلزاميّةٍ، أو أساسيّةٍ، تضاف إلى مجموع درجات الطالب، وبغض النظر عن المسمى، الذي لا أود المجادلة في خضمه؛ لكن الغاية، والثمرة المنشودة تجعلنا نلتف حولها، ونثمن من قدرها، ومقدارها.
تعالوا بنا نطالع نتائج مؤسسات التعليم العالي، الذي يتدفق إلى كلياته آلاف الطلاب من المرحلة الثانوية، ونحكم على تقدم الأبناء في سلمه؛ إذ نفاجأ بصعوبة في التمكن، والتفرد المهاري من خلال المعايرة، التي تحكم الالتحاق بسوق العمل، بل، وعبر مستويات الريادة الطلابية، التي ينبغي أن تكون غالبة، وليست ضئيلة في كافة التخصصات الأكاديمية بالمؤسسة الجامعية، وهنا يتوجب علينا أن نحدث مراجعة سريعة، تمكننا من مساندة قرار تطبيق نظام البكالوريا، التي تعمل على تصحيح مسار الاختيار للمجال التخصصي بما يؤهل المتعلم للمرحلة الرئيسة التالية بشكلٍ يستكمل فيه جملةً من الخبرات المُسْتهدفة، التي تمنحه التَفرَّدِ المهاريِّ المؤهل قطعًا إلى سوق العمل، الذي يتعطش إلى ذلك.
قضية الهوية، لا جدال حولها، وهذا معيار بنى عليه نظام البكالوريا المصرية بعد تشاورات أهل التخصص؛ فصارت مقومات التعضيد لهذا الأمر قائم على التمسك بأن تكون مادة اللُّغة العربيّةِ مادةٌ أساسيّةٌ في الصفّينِ الثاني، والثالث بمرحلة البكالوريا، بيْد أنها لبنةٌ رئيسة لتشكيل الهُويَّة الوطنيّةِ، وصنْوانٍ يحفظ للإنسان ثقافته؛ ومن ثم تقيه من سلبياتِ الثقافات الوافدة، وتحميه من الانجراف إلى مسبباتِ إضعافِ قيم الولاء، والانتماء لقوميّته.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

Trending Plus