مشاهدات مزيفة واتهامات خطيرة.. وزارة الداخلية تلاحق جرائم التشهير الإلكتروني.. القبض على أشهر سماسرة السوشيال ميديا.. والأجهزة الأمنية تُطارد صُنّاع المحتوى المسيء لاتهامهم بالابتزاز من أجل الربح

تواصل وزارة الداخلية حملاتها المكثفة لملاحقة مرتكبي جرائم التشهير على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تهدد الأمن المجتمعي وتستخدم كأداة للتنمر والابتزاز وتحقيق أرباح مالية غير مشروعة.
وفي أحدث وقائع الضبط، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على صانعة محتوى بعد نشرها مقاطع فيديو تتهم فنانة مشهورة بالإتجار في الأعضاء البشرية، وهي اتهامات ثبت لاحقًا أنها مختلقة بالكامل وبدون أي دليل.
وجاء في بيان رسمي للوزارة أن الفنانة تقدمت ببلاغ رسمي ضد سيدة تدّعي انتسابها إلى إحدى العائلات المعروفة، بعد قيام الأخيرة بنشر مقاطع تشهيرية تضم اتهامات كاذبة، في محاولة واضحة لجذب أكبر عدد من المشاهدات.
ووفقما أفادت به الداخلية، فقد تمكنت الأجهزة المختصة من تحديد مكان المتهمة وضبطها في محافظة الإسكندرية، وضُبط بحوزتها هاتفان محمولان، أحدهما يحتوي على محفظة مالية بها مبالغ محولة من الخارج، مما يؤكد البعد المالي في الدوافع.
وبالتحقيق معها، أقرت المتهمة بأنها اختلقت تلك الأكاذيب بهدف رفع نسب المشاهدة على حسابها، واستغلال التفاعل لجني أرباح من الإعلانات، دون أن تضع في اعتبارها الأذى النفسي والاجتماعي الذي قد يلحق بالضحية جراء هذه المزاعم الخطيرة. وقد تم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقها.
هذه الواقعة لم تكن الأولى من نوعها، إذ كشفت التحقيقات في عدد من القضايا المشابهة أن الجناة يتعمدون استخدام أسماء معروفة أو قضايا شائكة من أجل إثارة الجدل، سواء بدافع الانتقام، أو لتحقيق مكاسب مالية عبر منصات التواصل.
ويُعد هذا الأسلوب أحد أشكال الابتزاز المعنوي، مستفيدًا من سهولة النشر والتفاعل الرقمي.
اللواء دكتور أحمد كساب، الخبير الأمني، أكد في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أن جرائم التشهير الإلكتروني أصبحت من أخطر الجرائم المستحدثة في العصر الرقمي، نظرًا لقدرتها على الانتشار السريع، وتسببها في أضرار فادحة يصعب تداركها.
وأوضح أن مرتكبي هذه الأفعال يظنون خطأً أنهم في مأمن بسبب وجودهم خلف الشاشات، إلا أن أجهزة الأمن تلاحقهم باستخدام أحدث وسائل الرصد والتحليل.
وأضاف اللواء كساب أن وزارة الداخلية طورت من أدواتها بشكل كبير لمواجهة هذا النوع من الجرائم، حيث باتت تمتلك تقنيات متقدمة ترصد أي نشاط مشبوه على الإنترنت، وتتابع عن كثب الحسابات التي تنشر محتوى مضللًا أو مُسيئًا.
وأشار إلى أن الداخلية تحقق معدلات ضبط عالية في هذا الملف، بفضل التنسيق المستمر بين القطاعات المعنية مثل مباحث الإنترنت وقطاع تكنولوجيا المعلومات.
وفي السياق نفسه، شدد اللواء خالد الشاذلي، الخبير الأمني، على أهمية الوعي المجتمعي في التعامل مع هذا الخطر، وقال إن على الضحايا أو المتضررين الإسراع في الإبلاغ عن أي واقعة تشهير أو إساءة، سواء من خلال أقسام الشرطة أو عبر المنصات الرسمية مثل صفحة وزارة الداخلية أو الخط الساخن.
ولفت إلى أن سرعة البلاغ تُسهم في تقليص الأضرار النفسية والاجتماعية، كما تسهل عملية التتبع والإثبات.
وأضاف أن بعض الضحايا يترددون في الإبلاغ بدافع الخوف من الفضيحة أو التشهير المضاد، وهو ما يُسهم في انتشار هذه الجرائم دون رادع، داعيًا إلى مزيد من حملات التوعية حول خطورة التستر على هذه الوقائع، وضرورة التصدي لها قانونيًا ومجتمعيًا.
القانون ينص على عقوبات صارمة ضد من يثبت تورطه في التشهير بالغير على المنصات الرقمية، حيث تنص المادة 308 من قانون العقوبات على أن "كل من قذف غيره بطريق النشر أو الإذاعة يُعاقب بالحبس، وقد تصل العقوبة إلى السجن في حال كانت الجريمة مصحوبة باتهامات تمس الشرف أو تُعرض الشخص للخطر".
كما يعاقب قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، المعروف إعلاميًا بـ"قانون الإنترنت"، بالسجن والغرامة على كل من ينشر محتوى يتضمن إساءة أو افتراء أو تهديدًا عبر الوسائل الإلكترونية.
ورغم وضوح النصوص القانونية، فإن الواقع يشهد تحديات مستمرة بسبب تطور أساليب الجناة واعتمادهم على أدوات رقمية حديثة تُمكّنهم من التخفي أو حذف المحتوى قبل رصده. ولهذا، تسعى الدولة لتحديث البنية التشريعية بشكل دائم، بما يتوافق مع متغيرات الساحة الرقمية، في ظل استغلال البعض للمنصات الاجتماعية لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
جرائم التشهير، وإن كانت تُرتكب عبر شاشة صغيرة، إلا أن تأثيرها يتجاوز حدود الزمان والمكان، وتُخلف جروحًا قد لا تندمل، سواء للضحايا أو لأسرهم.
ويبقى التصدي لها مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، تبدأ من الوعي وتنتهي بالتقاضي، مرورًا برفض قبول أو ترويج الشائعات، والحرص على استخدام الإنترنت بشكل آمن ومسؤول.

Trending Plus