شبح تغير المناخ يهدد العالم.. حرائق غير مسبوقة تجتاح جنوب أوروبا وسط تحذيرات من كارثة إنسانية وبيئية.. ودراسات: إنتاج المحاصيل الزراعية قد ينخفض بأكثر من 20% بحلول 2050.. والفاو: الدول النامية الأكثر تضررًا

في وقت يتسارع فيه تغير المناخ بوتيرة مقلقة، تتكشف تداعياته القاتلة على الأمن الغذائي العالمي، وسط مؤشرات خطيرة تهدد مستقبل المحاصيل الزراعية وتفاقم خطر المجاعة.
فبينما تتوقع تقارير دولية انخفاضًا قد يتجاوز 20% في إنتاج المحاصيل بحلول عام 2050، تتسع رقعة الحرائق في أوروبا تحت وطأة موجات حر غير مسبوقة، ما يفاقم الضغوط على الموارد الطبيعية ويهدد حياة الملايين. ومع استمرار انبعاثات الكربون وتراجع التربة الزراعية، يتصاعد القلق العالمي من أن يتحول تغير المناخ من أزمة بيئية إلى كارثة إنسانية شاملة، ما لم يتم التحرك العاجل.
وتشهد دول جنوب أوروبا، وعلى رأسها اليونان وتركيا وإيطاليا، موجة حر غير مسبوقة هذا العام، وسط تحذيرات من ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من 42 درجة مئوية، مصحوبة بجفاف شديد ورياح قوية أججت عشرات الحرائق في مناطق واسعة، مهددة أرواح الآلاف وممتلكاتهم.
في اليونان، أعلنت السلطات حالة الطوارئ في إقليم أتيكا القريب من أثينا، حيث اندلعت حرائق ضخمة خلال عطلة نهاية الأسبوع، أجبرت أكثر من 5.000 شخص على إخلاء منازلهم. تصاعد الدخان الكثيف عطل عمل طائرات الإطفاء، بينما التهمت النيران منشآت صناعية ومنازل سكنية في الضواحي.
وتكافح فرق الإطفاء أكثر من 50 حريقًا نشطًا في أنحاء البلاد، بدعم من معدات وطائرات متخصصة، فيما لجأت أثينا إلى آلية RescEU الأوروبية لطلب دعم عاجل في مواجهة الأزمة.
وفي تركيا، لقي 13 شخصًا مصرعهم، معظمهم من رجال الإنقاذ والإطفاء، نتيجة الحرائق المستعرة، خاصة في محافظة بورصة، حيث تم إجلاء أكثر من 3.600 شخص من منازلهم، وأفادت السلطات بتضرر قرابة 1.700 مواطن من إجراءات الإجلاء العاجل.
أما فى إيطاليا، فتشهد جزيرة سردينيا موسم حرائق وُصف بـ"الأسوأ منذ سنوات"، وتم إجلاء 102 شخص عن طريق البحر، بينهم أطفال وسياح، فى ظل تحذيرات من تفاقم الوضع المناخي، واستمرار اشتعال النيران في مناطق عدة.
وتزامنًا مع هذه الكوارث، أغلقت السلطات اليونانية معالم تاريخية كالأكروبوليس والبارثينون، ومنعت الأنشطة الخارجية لحماية السكان من الحرارة الشديدة، وسط مخاوف من تفاقم الأزمة مع استمرار الطقس الحار والجاف.
أما عن المحاصيل ، فقد تواجه غلة المحاصيل خطرًا، ستنخفض بنسبة ٨% بحلول عام 2050 بسبب تغير المناخ والاحتباس الحراري الناجمين عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وقد يرتفع هذا الانخفاض بشكل حاد في السنوات التالية، متجاوزًا 20% إذا استمرت الانبعاثات في التزايد دون رادع في جميع أنحاء العالم. وستكون الدول النامية الأكثر تضررًا، حيث لا توجد ضوابط مماثلة لتلك الموجودة في الاقتصادات المتقدمة، وفقًا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومنظمات دولية أخرى.
يبدو المستقبل قاتمًا، وتتضارب الآراء حول المسؤول عن هذا الوضع، ومن ينبغي عليه، بالتالي، بذل أقصى الجهود لمنع المزيد من التدهور. تطالب الدول المتقدمة، التي طُبقت فيها بالفعل أهداف وضوابط أكثر صرامة للحد من تغير المناخ، بمزيد من التدابير من الاقتصادات النامية. ومع ذلك، تُحجم هذه الاقتصادات عن تطبيق هذه التعديلات. وتجادل هذه الدول بأن تطبيق تدابير أكثر صرامة قد يُبطئ نموها، وتُشير إلى أن الدول الصناعية هي السبب الرئيسي في الوضع الحالي، لأنها في الماضي كانت تُعطي الأولوية لتقدمها الاقتصادي على حساب المناخ.
وتتفق الدراسات العلمية على أن ارتفاع متوسط درجة الحرارة في المستقبل بعدة درجات مئوية سيؤدي إلى انخفاض القدرة الإنتاجية عالميًا في ظل نفس الظروف الحالية. وسيؤدي السيناريو الجديد إلى انخفاض واسع النطاق في غلة الهكتار الواحد، مما يؤثر بشكل رئيسي على المحاصيل الغذائية الرئيسية. وسيؤثر هذا الانخفاض على جميع مناطق العالم، بغض النظر عن أي جهود تُبذل في السنوات القادمة لمعالجة هذا الوضع المُقلق.
وأُجريت تحليلات لدراسة انخفاض الغلات الزراعية في أكثر من 12,000 منطقة في 55 دولة، مع التركيز على ستة محاصيل أساسية لاستدامة السكان: القمح، والذرة، والأرز، والشعير، وفول الصويا، والكسافا. وهناك احتمال يتراوح بين 70% و90% لانخفاض غلة هذه المحاصيل الغذائية الستة بحلول نهاية القرن.
ونظرًا لارتفاع انبعاثات الغازات الملوثة وتأثيرها على الاحتباس الحراري، تشير التقديرات إلى أن إنتاج الذرة قد ينخفض بنسبة تصل إلى 40% في الولايات المتحدة، وشرق الصين، ووسطها، وجنوب أفريقيا، والشرق الأوسط. وفي حالة القمح، تُقدر الخسائر بما يتراوح بين 15% و25% في أوروبا، وآسيا، وأمريكا الجنوبية، وما بين 30% و40% في الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وكندا.
يحدث كل هذا في سياق مليء بالتحديات. على الرغم من التقدم العلمي الكبير في علم وراثة المحاصيل، وإدخال أصناف جديدة أكثر إنتاجية ومقاومة للأمراض، وتقنيات حراثة جديدة، إلا أن الإنتاج الغذائي العالمي يواجه حاليًا تهديدات جديدة، يجب أن يوفر هذا الإنتاج إمدادات غذائية كافية لسكان يتزايد عددهم باستمرار، بالإضافة إلى تلبية الطلب المتزايد للمجتمعات المتقدمة والنامية.

Trending Plus