وعيك الانتخابي.. أملك في الغد

يعد الحق في الانتخاب مسؤولية أخلاقية وتاريخية يتحملها المواطن تجاه وطنه ومستقبله ومصيره المشترك، حيث يعد ترجمة حية لانتمائه ووعيه، فالانتخاب التزام وطني يعبر عن شراكة المواطن في صناعة القرار، وحماية مستقبل الوطن من التهميش أو الانحراف عن إرادة الأمة، كما يمثل الوعي الانتخابي أحد الدعائم الجوهرية لبناء الدولة الديمقراطية الرشيدة وخط الدفاع الأول عن الإرادة الشعبية في مواجهة التزييف، والعبث، ومحاولات التغريب التي تسعى لفصل الإنسان عن قضاياه المصيرية، كما يعد ضمانة كبرى لاستقرار الدولة وترسيخ قواعد الحكم الرشيد وترسيخ الثقة بين المواطن ومؤسساته.
ويجب أن يدرك أن المشاركة الانتخابية تعد مظهرًا لنضج الوعي الجمعي، ودليلًا على إدراك المواطن لمكانته الأساسية في صياغة المشهد العام فكل صوت يدلى به بإرادة حرة ومسؤولة يعد فعل مقاومة ضد التهميش، وخطوة على طريق التغيير والتمكين، لذا فإن ترسيخ ثقافة المشاركة الانتخابية لا تنفصل عن ترسيخ قيم المواطنة الفاعلة، والانتماء الحقيقي، والوعي بالحقوق والواجبات، فهي مشروع تربوي وإعلامي وثقافي مستمر، يحتاج إلى بيئة حاضنة ونخبة مسؤولة وخطاب يعلي من شأن المواطن ويؤمن بقدرته على التمييز والاختيار والمساءلة.
ولا ينفصل وعي المواطن بحقه الانتخابي عن وعيه بكرامته وفاعليته في المجتمع؛ فالمواطن الذي يدرك أن صوته أداة تغيير حقيقية للواقع، وأن ورقة الاقتراع يمكن أن تفتح آفاقًا جديدة للتنمية وتعيد تشكيل أولويات السياسات العامة، هو مواطن يؤمن بدوره ويعيش الأمل وينتمي إلى المستقبل، فالوعي الانتخابي هو ثمرة لثقافة مدنية متأصلة، تعمق شعور المواطن بالمسؤولية والانتماء، وتعيد تشكيل العلاقة بين الفرد والدولة على أساس من الثقة المتبادلة والمشاركة الفاعلة.
ويعد الوعي الانتخابي خط الدفاع الأول الذي يحمي الأوطان من الفوضى السياسية، والانقسام المجتمعي، ومحاولات الاختراق الخارجي، فعندما يدرك المواطن جوهر العملية الانتخابية، ويعي أهمية صوته، ويحسن اختيار ممثليه بناءً على معايير موضوعية، وبرامج واضحة، ومصلحة وطنية عليا، فإن ذلك يسهم في ترسيخ دعائم الديمقراطية، وتعزيز الاستقرار.
إن بناء هذا الوعي يعد مسؤولية فردية وواجب وطني تشترك فيه مؤسسات الدولة، والمجتمع المدني، والجامعات، والنخب الفكرية، ووسائل الإعلام، فلا يكفي أن نحث المواطنين على التصويت، ولكن لابد أن نغرس فيهم القناعة بأنهم شركاء فعليون في صياغة القرار الوطني، وأن أصواتهم تمثل موقفًا ووعيًا، ورسالةً وموقعَ تأثير، فالتصويت الواعي، القائم على إدراك عميق للبرامج والسياقات والتحديات، هو السبيل الأجدى لاستعادة ثقة المواطن في المسار السياسي، وضمان التوازن بين شرعية الصندوق وشرعية الأداء.
وجدير بالذكر أن الوعي الانتخابي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن القومي، إذ إنّ اختيارات الناخبين تنعكس على مصير الدولة بأكملها، فالتساهل في اختيار من لا يستحق، أو العزوف عن المشاركة، أو الانسياق خلف دعوات المقاطعة الموجهة، قد يؤدي إلى تمكين قوى معادية للدولة، أو فئات غير وطنية، أو مشاريع تخدم أجندات تهدف تقويض السيادة الوطنية من الداخل، لذلك فإن الحفاظ على الأمن القومي مسؤولية مجتمعية تبدأ من الوعي وتنضج بالمشاركة وتنتهي عند صناديق الاقتراع، حيث يكون كل صوت مسؤولية، وكل خيار انعكاسًا للانتماء، وكل مشاركة تعبيرًا عن إرادة جماعية تصون الوطن وتحصن مستقبله.
وقد أثبتت مصر خلال السنوات الأخيرة، وخاصة في أعقاب التحديات الجسام التي واجهتها بعد عام 2011، أن الرهان على وعي الشعب لم يكن رهانًا خاسرًا، فقد خرج المصريون في اللحظات الحاسمة ليحموا وطنهم، مستخدمين سلاح التصويت الانتخابي ليقولوا لا للفوضى ونعم للاستقرار، وفي كل استحقاق انتخابي جديد، تتجدد هذه الثقة المتبادلة بين الدولة والمواطن، ويطلب من أبناء الوطن أن يجددوا ولاءهم عبر موقف مسؤول، وصوت عاقل، ورؤية بعيدة المدى تعلي مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وتؤكد أن المشاركة الواعية هي الضمانة الحقيقية لعبور الأزمات وبناء المستقبل.
ولا يخفى على أحد حجم الحروب الناعمة التي تشن على المجتمعات بهدف تغييب وعيها وتشويه إدراكها لحقوقها وواجباتها، فالشائعات الممنهجة، والمعلومات المضللة، وحملات التشكيك في مؤسسات الدولة، وبث مناخ من انعدام الثقة، ليست سوى أدوات تُستخدم لهدم الداخل بأيدي أبنائه، ولإضعاف الروح الوطنية من خلال زعزعة الثوابت، وهذه الحروب تواجه بالوعي، والمعرفة، والثقة الواعية، وبالمواطن الذي يدرك أن الاصطفاف خلف دولته في أوقات التحدي مسؤولية وطنية وأخلاقية، وأن حماية مؤسسات الدولة تبدأ من تحصين العقول.
ويستهدف المشروع الوطني المصري لبناء الجمهورية الجديدة، تأسيس قاعدة جماهيرية واعية، تمتلك وعيًا انتخابيًا متماسكًا، وتدرك أن الوطن كيان حي يصان بالمسؤولية ويبنى بالإرادة الحرة وينهض بالمشاركة الفاعلة، وفي قلب هذا المشروع الطموح تتجلى قناعة راسخة بأن الديمقراطية تترسخ حين يؤمن المواطن بأن صوته أداة بناء، وأن مشاركته الانتخابية هي إحدى صور التعبير عن الانتماء، والشراكة في صنع المستقبل؛ لذا حين نقول إن وعيك الانتخابي هو أملك في الغد، فنحن نعلن حقيقة راسخة أن الغد يصنع بالمشاركة، وينتزع بالممارسة المسؤولة، ويبنى على قاعدة من الوعي والعزيمة.
وها هو الوطن يفتح لنا أبوابه، ويمنحنا حقًا ثمينًا، هو ثمرة نضال طويل وركيزة من ركائز المواطنة الحقة وعنوان صريح للكرامة الإنسانية والسياسية، فلنغتنم هذا الحق بإرادة حرة، ونشارك بوعي في رسم ملامح الغد، ونكن صوتًا للحق لا يساوم ولا يشتري، ولا نتخل عن دورنا في لحظة تحتاج فيها مصر إلى كل عقل راشد وكل ضمير حي، فالجمهورية الجديدة تبنى بالمواقف الصادقة، وبالعمل المخلص، وبالمشاركة الواعية التي تترجم الانتماء إلى ممارسة، وحب الوطن إلى التزام ومسؤولية، إنها دعوة صريحة لكل مصري ومصرية ليكونوا حاضرين وفاعلين وشركاء في صناعة المستقبل.
___
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة - جامعة الأزهر

Trending Plus