تحولات إقليمية وسيناريوهات فلسطينية

طبيعة الأشياء والعالم أن التغيير لا يتوقف، وفى عالم السياسة والصراعات التحولات تنته غالبا بتغييرات فى المسارات السياسية بشكل قد يبدو مفاجئا لكنه نتاج تراكمات، وبالتالى فما يجرى اليوم على ساحات الشرق الأوسط هو نتاج تطورات طوال 19 شهرا بدأت بـ7 أكتوبر ولم تنته الى أى أفق واضح، وكلما بدا أن الحرب تنتهى فإنها تتوالد، ولا يمكن تجاهل حجم وشكل التحولات الكبرى التى شهدها الإقليم والتى تجاوزت غزة إلى لبنان وسوريا وإيران، بدأت بطوفان الأقصى، وتفاعلت بشكل تجاوز غزة أو الضفة إلى لبنان وسوريا وإلى إيران، فى مشهد يبدو بالفعل خارج نطاق التحكم، أو التوقعات التى رسمت سيناريوهات أطاحت بها الأحداث، وقد شهدت سوريا تحولا ضخما اختصر صراعا وحربا أهلية طوال أكثر من 12 عاما، وعندما انهارت سوريا لم يبد أنها كانت تقف على أى أفق ولا تصورات يمكن التعامل معها.
وكان واضحا منذ بداية الحرب أن الإقليم أمام جولة تختلف عن جولات دارت على مدار عقود كثيرة، بل هى تشهد نتائج تفاعلات متراكمة كميا تحولت إلى تغييرات كيفية وبدا أن النتائج تختلف تماما عن المقدمات، خرجت قوى إقليمية من الصورة ضمن صفقات أو تشابكات وعمليات نوعية، تقريبا خرج حزب الله من المعادلة بشكل ظهرت فيه الصدمة، وهو نفس ما ظهر فى انهيار الوضع فى سوريا، ضمن روابط كادت تتجاوز كل الخطوط والتوقعات، وانشغلت إيران بصراع مباشر، وليس حربا بالوكالة، وبالتالى فقد اختلفت الصورة الآن عما كانت عليه فى 7 أكتوبر، حيث اختفت جبهات واختلت أخرى، مما قد يدفع الأطراف المختلفة لإعادة النظر فى الثوابت والمتغيرات، والبحث عن طريقة لمعالجة الوضع تختلف عن السابق.
على مدى الشهور بعد 7 أكتوبر تفاعلت التطورات الكمية لتتيح تحولا بدا للبعض مفاجئا، بالرغم من أنه كان نتاجا لتفاعلات علنية، بدأت فى غزة، امتدت إلى جنوب لبنان وإيران، وإلى سوريا، حيث بدت خارطة التشابكات واضحة ومتصلة، خاصة ما سميت جبهة الممانعة، التى شهدت واحدة من أكثر المواجهات فى تاريخ المنطقة، ليست فقط مواجهات عسكرية ظاهرة، لكنها كانت إحدى أكثر حروب المعلومات والاختراقات ضراوة، من عمليات الاختراق والاغتيالات لأكثر من 400 قيادة كبيرة فى حزب الله، وتفجير آلاف من أجهزة «البيجر» كان يحملها قيادات من الحزب فى بيروت، وفى سوريا وتفجير آلاف من أجهزة الاتصال المباشر «تلى توك» بشكل متزامن أدى لمقتل وإصابة العشرات، وكشف عن عمليات اختراق وتجسس وزرع متفجرات تمت على مدى شهور، وعمليات اغتيال داخل لبنان واغتيال إسماعيل هنية داخل إيران، ثم اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وخلفائه، بشكل أطاح بالكثير من الصورة التى بدت مرسومة لكنها انهارت لتزيح الستار عن تحولات كبرى وحرائق تلتهم الكثير من الخطوط.
الحرب التى بدأت بطوفان الأقصى تفاعلت بشكل تجاوز غزة أو الضفة إلى لبنان وسوريا وإلى إيران، وتقاطعات مع أطراف إقليمية بدا أنها تنسف ثوابت وخطوطا حمراء، حيث تم إظهار مخططات التهجير والتصفية، ضمن مسارات لم تكن مطروحة ولا ظاهرة طوال عقود، او تطرح بشكل سرى، لكنها ظهرت علنا ضمن حرب إبادة شنها الاحتلال الإسرائيلى فى محاولة لجعل غزة غير قابلة للحياة، وفى نفس الوقت كانت المواقف الإقليمية معقدة والتحولات سريعة بالشكل الذى جعلنا أمام أشكال متنوعة ومختلفة ومعقدة، نسفت ثوابت وخطوط حمراء.
وتفرض هذه التحولات الكبرى على الأطراف الفاعلة أن تعيد النظر فى الأولويات والسيناريوهات لبناء على ما تم خلال الشهور الماضية، وربما يكون الفلسطينيون هم الطرف الأكثر حاجة إلى إعادة النظر فى التعامل، والبحث عن سبيل لوحدة الأطراف والفصائل، بحثا عن مسار موحد بعيدا عن تجاذبات أيديولوجية أو خلافات سياسية لم تنتج سوى مزيد من التمزق والتفكك، وربما تكون مصر هى الأطراف الأكثر دفعا للوحدة الفلسطينية ومصالحة الفصائل، لأن مصر هى الطرف الذى ليس له مصالح غير القضية الفلسطينية، التى شهدت تدخلات أضاعت الكثير من الفرص، وقد يكون خروج الأطراف الإقليمية من الصورة بداية لطريق واقعى.

اليوم السابع

Trending Plus