قصة السينما.. أزمة الفيلم الغنائى فى مصر

تنوعت الأفلام السينمائية لكن ظلت بعض الأفلام ترفض التطور فى جزئيات منها، ومن ذلك ما يتعلق بالأغنية السينمائية، فما الذي يقوله كتاب "قصة السينما" لـ سعد الدين توفيق، والصادر عن دار الهلال سنة 1969.
الفيلم الغنائي
ومن أبرز ملامح هذه المرحلة كثرة الأفلام الغنائية، فقدّم محمد كريم "دموع الحب"، و"يحيا الحب"، و"يوم سعيد"، و"ممنوع الحب"، و"رصاصة في القلب". وقام ببطولتها كلها محمد عبد الوهاب.
وفي كل فيلم من هذه الأفلام قدّم المخرج محمد كريم عددًا من الوجوه الجديدة، بل إنه كان يقدم في كل فيلم ممثلة جديدة تقوم بدور البطلة أمام محمد عبد الوهاب، فظهرت نجاة علي، وليلى مراد، ورجاء عبده، وليلى فوزي لأول مرة على الشاشة، ثم أصبحن من ألمع كواكب الشاشة.
وكان فيلم "يوم سعيد" هو أول فيلم تظهر فيه فاتن حمامة، كما أن "رصاصة في القلب" كان أول قصة لتوفيق الحكيم تظهر في السينما.
وعندما ننظر اليوم إلى الفيلم الغنائي المصري سنجد أنه لا يزال إلى حد كبير يسير على الخطوط التي رسمها محمد كريم في أفلامه الغنائية في الثلاثينات. فقد كان محمد كريم هو أول مخرج مصري يواجه مشكلة "الأغنية السينمائية".
فماذا فعل كريم عندما بدأ يخرج أفلامًا غنائية لمحمد عبد الوهاب؟
أولًا: كانت الأغنية قصيرة، فلم يزد طول الواحدة منها عن ست دقائق، وهذا يُعتبر - من الناحية السينمائية - طويلًا جدًا، ولكن الواقع أن هذه الأغنيات لم تكن تُعد لكي تُستخدم في الفيلم فقط، وإنما كان ملحنها ومؤديها عبد الوهاب يُعدّها في الوقت نفسه لكي تُعبّأ على أسطوانات تُباع في السوق، فلم يكن مفرّ إذن من أن يكون طول الأغنية ست دقائق، لأن هذا هو طول الأسطوانة أيضًا!
ثانيًا: ترك محمد كريم الكاميرا تواجه المطرب دون أن يُغير الزاوية إلى أن ينتهي المقطع (الكوبليه)، وعندما يبدأ الفاصل الموسيقي بين المقطع والمقطع الذي يليه، كان كريم ينتقل بالكاميرا إلى موضوع آخر، كأن يصور حمامتين، أو منظرًا على النيل، أو سفينة شراعية، أو حديقة، أو منظرًا ريفيًا حسب معنى الأغنية.
وعندما ينتهي الفاصل الموسيقي ويبدأ محمد عبد الوهاب في غناء المقطع التالي، تعود الكاميرا إليه، فنراه واقفًا أمام نافذة أو جالسًا على مقعد، وهكذا... وتستمر الكاميرا مسلطة عليه بلا تغيير إلى أن ينتهي المقطع.
وليس من شك في أن محمد كريم كان أقدر على التصرّف من ماريو فولبي، مخرج "أنشودة الفؤاد"، وأوسع خيالًا، وأرقّ حسًا، وأكثر شاعرية.
ومنذ وضع كريم هذه القاعدة، أصبحت دستورًا احترمه كل المخرجين الذين قدّموا أفلامًا غنائية بعده، وقلّما نجد مخرجًا شذّ عن هذه القاعدة.
وهكذا نجد أن "الأغنية السينمائية" لم تستطع أن تتطور كثيرًا حتى بعد انقضاء أكثر من ثلاثين سنة على الأفلام الغنائية الأولى في السينما المصرية.
وأقصى ما استطاع مخرج أن يفعله هو تغيير زوايا الكاميرا في بعض الأحيان لكي يكسر الرتابة والجمود، فكان ينقل الكاميرا من المغني إلى حبيبته، أو إلى الجمهور إن كان يغني في حفلة مثلًا، أو يُغيّر اللقطة من متوسطة إلى قريبة (كلوز أب) على المغني نفسه.
ومعنى هذا أنه لم يستطع مخرج سينمائي أن يحل مشكلة "الأغنية السينمائية" حتى الآن، فظلت تسير على نمط الأغنية التي يُغنيها المطرب في حفلة أمام الجمهور أو في الإذاعة أو يسجلها على أسطوانة.
والأغنية السينمائية -في اعتقادي- يجب أن تختلف عن الأغنية العادية، وهذا الاختلاف يبتدئ بطريقة تأليف الأغنية نفسها، فالمفروض أن الأغنية في الفيلم تُعبّر عن موقف من مواقف القصة، وبدلًا من أن يجيء هذا الموقف على شكل حوار، تحل محله أغنية تتضمن المعنى المقصود، فلا بد إذن أن تؤلف جزءًا من القصة، لا أن تكون، كما هو الحال الآن، مجرد وصلة غنائية تقطع سير حوادث القصة وتبدو كما لو كانت استراحة يتوقف عندها الفيلم.
فمؤلف الأغنية السينمائية يجب أن يدرس القصة كما وضعها كاتب السيناريو، ثم يُحوّل المواقف التي اتفق كاتب السيناريو والمخرج على جعلها أغنية.
وعندئذ يُراعي المؤلف أن يضع أغنيته كلها في حدود الموقف الذي تُعبّر عنه، أي أغنية قصيرة قدر المستطاع. ومعنى هذا ألا تكون الأغنية عبارة عن لازمة ثم مقطع (كوبليه)، ثم تتكرر اللازمة، ويليها مقطع ثان، ثم لازمة، ثم مقطع ثالث، وهكذا...
المطلوب إذن أن يتغير شكل الأغنية نفسها، فلا مقاطع ولا لازمة، وهذا يقتضي طبعًا أن تتغير أيضًا طريقة التلحين، فلا تصبح هناك مقدمة موسيقية تسبق الغناء، ولا تكون هناك فواصل موسيقية تتكرر بين كل مقطع وآخر من مقاطعها.
ومتى تغيّرت الأغنية، وتطوّرت بهذا الشكل تأليفًا وتلحينًا، يُصبح من السهل على المخرج أن يتخلص من البطء والرتابة والجمود.
وعندئذ يجد المخرج أنه ليس مضطرًا إلى ملء الوقت الطويل الذي تستغرقه الأغنية بمناظر لا علاقة لها بالموقف، كمنظر القارب في النيل، أو حمامتين في عشّهما، أو الأزهار في حديقة، بينما يكون الموقف نفسه يجري داخل غرفة نوم البطل مثلًا!
ومن هنا يتضح أن محمد كريم هو المسؤول الأول عن وضع التقاليد التي سارت عليها الأغنية في الفيلم المصري، ولكن هذا طبعًا لا يُعفي المخرجين الذين جاؤوا بعده من اللوم، لأنه إذا كان محمد كريم قد فعل هذا في بداية عهد السينما الناطقة، وفي وقت كان الجمهور لا يزال مستعدًا للذهاب إلى الفيلم لكي يطرب، ولكي يستمتع بالأغنية كما تعوّد أن يستمتع بها في الحفلات وفي الإذاعة، فما عذر المخرجين الآخرين الذين لم يُحاولوا الابتكار والتجديد ولم يفكروا في إيجاد حلول لهذه المشكلة حتى بعد أن رأوا كيف كان المخرجون الأجانب يُقدّمون الأغنية في أفلامهم التي عُرضت في بلادنا؟
وفي فيلم "يوم سعيد" قدّم عبد الوهاب لأول مرة "أوبريت" في السينما، وكانت عبارة عن مشهد من مسرحية أحمد شوقي "مجنون ليلى"، وقام عبد الوهاب بأداء دور قيس غناء، كما قامت أسمهان بدور ليلى غناء، وسمع المتفرج صوتيهما، بينما ظهر على الشاشة ممثلان آخران قاما بدوريهما، وهما أحمد علام (قيس) وفردوس حسن (ليلى)، مع عباس فارس الذي قام بدور والد ليلى غناء وتمثيلًا. ونجحت هذه التجربة نجاحًا هائلًا، وأصبحت فيما بعد تقليدًا متبعًا في معظم أفلامنا الغنائية في هذه المرحلة.
وفي هذه المرحلة أيضًا ظهرت ثلاثة أفلام غنائية حققت نجاحًا كبيرًا، وهي:
"انتصار الشباب" الذي كان أول فيلم ظهر فيه فريد الأطرش وأسمهان، وأخرجه أحمد بدرخان، وانتهى هذا الفيلم بأوبريت "الشروق والغروب".
الثاني هو فيلم "ليلى" الذي قامت ببطولته ليلى مراد مع حسين صدقي، واستمر عرضه 16 أسبوعًا، وبذلك حقق رقمًا قياسيًا في السينما المصرية، وكانت قصة الفيلم مأخوذة عن قصة ألكساندر ديماس المشهورة "غادة الكاميليا"، وجدير بالذكر أن هذه القصة اقتُبست بعد ذلك عدة مرات وظهرت في أفلام مصرية أخرى.
الفيلم الثالث فهو "سلامة"، الذي قامت ببطولته أم كلثوم مع يحيى شاهين، وهو مأخوذ عن قصة علي أحمد باكثير "سلامة القس"، والفيلمان الأخيران من إخراج توجو مزراحي.
ولمع في هذه الفترة نيازي مصطفى، الذي درس السينما في ألمانيا ثم التحق باستوديو مصر، وقدم أفلامًا ناجحة مثل "الدكتور" الذي مثّله سليمان نجيب وأمينة رزق، و"مصنع الزوجات" الذي اشترك في بطولته كوكا، ومحمود ذو الفقار (الذي بدأ حياته ممثلًا ثم تحوّل إلى مخرج فيما بعد)، وليلى فوزي، ومحمد توفيق، وأنور وجدي وكان "مصنع الزوجات" هو أول فيلم فكاهي استعراضي مصري.

Trending Plus