معركة حطين.. ما يقوله جرجى زيدان عن انتصار صلاح الدين الأيوبى

يظل نصر صلاح الدين الأيوبى فى معركة حطين واحدا من أشهر الانتصارات الإسلامية فى التاريخ ضد الحملات الصليبية، وقد حرصت الكتب على الحديث عن هذا النصر والإشارة إليه.
ويقول كتاب "تاريخ مصر الحديث.. من الفتح الإسلامى إلى الآن" لـ جرجى زيدان:
واقعة حطين
وفي 14 ربيع آخر سنة 583ﻫ كانت بداية واقعة حطين الشهيرة في وسط نهار الجمعة، والمسلمون كثيرًا ما يحاولون لقاء عدوهم يوم الجمعة عند الصلاة تبرُّكًا بدعاء المسلمين والخطباء على المنابر في سائر العالم الإسلامي في وقت واحد، فسار السلطان صلاح الدين بما اجتمع لديه على أتم نظام، وحط رحاله عند بحيرة طبرية على سطح الجبل على أمل أن الإفرنج إذا بلغهم نزوله هناك يقدمون إليه، وكانوا معسكرين في مرج صفورية بأرض عكا فلم يتحركوا من منزلتهم. فسار صلاح الدين في جريدة من جيشه إلى طبرية، واستلمها بساعة بعد القتل والنهب إلا أن القلعة بقيت سالمة بمن فيها. فبلغ الإفرنج ما حصل في طبرية فساروا نحوها، فعلم السلطان بذلك فترك على قلعة طبرية من يحاصرها، وعاد لملاقاة العدو فالتقى به على سطح جبل طبرية الغربي في يوم الخميس 22 ربيع آخر، وبعد حرب شديدة تفرقت جيوش الصليبيين إلا فرقة منهم تحصنت في تل يقال له تل حطين، وهي قرية هناك عندها قبر النبي شعيب فضايقهم المسلمون، وأشعلوا حولهم النيران فاشتد بهم العطش إلى أن ألجأهم الأمر للقتال يأسًا، فأسرت مقدمتهم وقتل الباقون.
وكان في جملة المأسورين الملك جفري، وأخوه البرنس أرباط صاحب الكرك والشوبك وغيرهما من القواد والأمراء. فجلس السلطان صلاح الدين في خيمته، وأمر بتحضير الأسرى بين يديه فأحضروا وفيهم الملك جفري فأمر له بشربة من جلاب ثلج فشربها وكان في غاية الظمأ، ثم أعطى البرنس أرباط أخاه فشرب، وقال السلطان للترجمان: "قل للمك: أنت الذي سقيته، أما أنا فما سقيته" إذ كان من جميل عادة العرب أن الأسير إذا أكل أو شرب من مال من أسره أمن. فقصد السلطان بقوله هذا أن الملك جفري قد أمن أما أخوه فلم يأمن، وكان في قلب صلاح الدين حقد على البرنس أرباط السابق تعديه على جماعة من المسلمين وقتلهم في حال سلمية لغير داعٍ، فسبق من السلطان قسم أنه إذا ظفر بهذا الأمير قتله.
فبعد أن شربا أرسلهما للمائدة فأكلا، ثم أعيدا إلى السلطان فأخذ بيده سيفًا وتقدم إلى البرنس أرباط قائلًا: "ها أنا انتصر لمحمد." ثم عرض عليه الإسلام فأبى فضربه بالسيف فحل كتافه، وتمم قتله من حضر، ورميت جثته على باب الخيمة. فلما رأى جفري ذلك وقع الرعب في قلبه. فكلمه السلطان وطيب خاطره، وقال له: "لم تجر العادة أن يقتل الملوكُ الملوكَ، أما هذا فقد تجاوز الحد، وتجرأ على الأنبياء" وفي أثناء هذه الحروب التقى صلاح الدين بريكاردس قلب الأسد.
وفي اليوم التالي نزل السلطان على طبرية فاستلم قلعتها، ثم رحل طالبًا عكا فبلغها يوم الأربعاء غاية ربيع آخر، وفي اليوم التالي حاربها وأخذها، وأنقذ من كان فيها من أسارى المسلمين، وكانوا أكثر من4000 واستولى على ما فيها من الأموال. ثم فرق السلطان صلاح الدين جيشه فرقًا في أنحاء سوريا فاستولى على نابلس وحيفا وقيسارية وصفورية والناصرة، وسار هو يطلب تبنين فنزلها يوم الأحد 11 جمادى الأولى، وهي قلعة منيعة فحاصرها أسبوعًا، ونصب عليها المنجنيق حتى فتحها عنوة، ثم رحل عنها إلى صيدا فنزل عليها وتسلمها في غد نزوله، ثم سار إلى بيروت وركَّب عليها المنجنيق، وما زال حتى أخذها في يوم الخميس 29 جمادى الآخرة، وسارت سرية من رجاله إلى جبيل من أعمال لبنان فاستلمها. ثم حول شكيمه فتوجه جنوبًا قاصدًا عسقلان فمر على مواضع كثيرة كالرملة والدارون فاستولى عليها، فلما وصل عسقلان نصب عليها المنجنيق، وقاتلها قتالًا شديدًا حتى تسلمها، ثم بعث من رجاله من استلم غزة، وبيت جبريل، والبترون بغير قتال.

Trending Plus