أخبار الزمان.. ما قاله المسعودى عن الروم والترك والبرجان

المعرفة ليست ضارّة، وليس من الضروري أن نُصدّق كل ما نعرفه، لكنها، بصورةٍ ما، تُفيدنا في فهم طرق التفكير عند القدماء، لذا أحب العودة إلى كتب التراث والتأمل فيما تحمله من رؤى، خاصة كتب التاريخ، التي تُسلّط الضوء على بدايات الحياة على الأرض، ومن هذا المنطلق، نقرأ معًا ما أورده المسعودي في كتابه الشهير "أخبار الزمان":
ذكر مملكة البرجان
وأما البرجان، فهم من ولد يونان بن يافث، وهي مملكة كبيرة واسعة، وهم يحاربون الروم والصقالبة والخزر والترك، وأشد الأمم حربًا لهم: الروم.
وبين القسطنطينية وبلاد برجان خمسة عشر يومًا، ومملكة برجان مسيرة عشرين يومًا في ثلاثين يومًا، وعلى عمل برجان كله سياج، وعليه شبه الشباك من الخشب، فهو كالسور على الخندق، والقرى دون السياج.
وأهل برجان مجوس، وليس لهم كتاب، ودوابهم التي للحرب راتعة أبدًا في مرج، لا يركبها أحد منهم إلا في وقت الحرب، وإن وجدوا رجلًا قد ركب دابة حربية في غير وقت، قتلوه.
وإذا خرجوا للحرب اصطفوا صفوفًا، فجعلوا أصحاب النشاب أمامهم، وجعلوا خلفهم جميع العيال والذرية.
وليس لبرجان دنانير ولا دراهم، وإنما تبايعهم وترويجهم بالبقر والغنم.
وإذا وقع بينهم وبين الروم صلح، أدّت برجان إلى الروم جواري وغلمانًا من بني الصقالبة ومن شبههم.
وإذا مات لأهل برجان ميت، عمدوا إلى ما ترك من خدم وحاشية، فجمعوهم، وأوصوهم بوصايا، وأحرقوهم مع الميت، ويقولون: نحرقهم نحن في الدنيا فلا يُحرقون في الآخرة.
ولهم ناووس عظيم، إذا مات الميت أنزلوه فيه، وأنزلوا معه امرأته وحشمه، فيبقون هناك حتى يموتوا.
ومن سنتهم: إذا أذنب عبد أو أخطأ، وأراد مولاه أن يضربه، انبطح من قبل نفسه ولم يمسكه أحد، فيضربه مولاه ما أحب. فإن قام من غير أن يأذن له مولاه، وجب عليه القتل.
ومن سنتهم أن يورّثوا النساء أكثر من الرجال.
ذكر مملكة الترك
وأما الترك، فهم من ولد يافث بن نوح عليه السلام، وهم أجناس كثيرة، وهم أصحاب مدن وحصون، ومنهم قوم في رؤوس الجبال والبراري، في خيم اللبود، وليس لهم عمل غير الصيد.
ومن لم يصد شيئًا ذبح دابته وأخذ دمها وشواه، وهم يأكلون الرخم والغربان وغيرها.
وليس لهم دين، ومنهم من هو على دين المجوسية، ومنهم من يتهوّد.
وملكهم الأكبر خاقان، وله سرير من ذهب، وتاج ذهب، ومنطقة ذهب، ولباسهم الحرير.
وقيل: إن ملكهم الأعظم لا يكاد يظهر، وإن ظهر لم يقم بين يديه أحد، وفيهم مكر، وفيهم حقد، وشدة وبأس.
وللملك عندهم يوم، توقد لهم فيه نار عظيمة، ويأتي ويقف وهو مطلٌّ عليها، ويتكلم بهمهمة، فيرتفع منها وهج عظيم:
• فإن كان إلى الخضرة، كان الغيث والخصب.
• وإن كان إلى البياض، كان الجدب.
• وإن كان إلى الحمرة، كانت هراقة الدماء.
• وإن كان إلى الصفرة، كانت علل ووباء.
• وإن كان إلى السواد، دلّ على موت الملك أو على سفر بعيد، فإن كان ذلك، عجّل بالسفر والعودة.
ذكر مملكة الروم
وأما الروم، فهم من بني عيصو، والروم لقب لهم. فلما صار الأمر إلى قسطنطين، قال بالنصرانية، وجمع الأساقفة على المعمودية، ثم تفرقت النصارى بعده على الطبقات:
• البطريق
• الأسقف
• القسيس
• الشماس
• المطران
• الدِمستق صاحب الفرق
وهم يفطرون يوم الأحد إذا صاموا، ويفطرون السبت من الظهر، ولا يتزوج الرجل عندهم إلا واحدة، ولا يتسرّى عليها، ولا يشرب من الخمر حتى يسكر، والسكر عندهم حرام.
وتعظيم الأحد عندهم لأن المسيح قام من قبره ليلة يوم الأحد، وارتفع إلى السماء يوم الأحد بعد اجتماعه مع الحواريين.
ولا يرون الاغتسال من الجنابة، ولا الوضوء، وإنما عبادتهم بالنية.
ولا يأخذون القربان، ويقولون: هذا لحمك ودمك، يعنون المسيح عيسى عليه السلام. ويعتقدون أنه ليس بلحم ولا خبز، وإذا تفرقوا بعد أخذه قتل بعضهم بعضًا.
ولا يتكلم إذا أخذ القربان حتى يغسل فمه، ويورثون النساء جزأين، والرجال جزءًا، وليس لهم طلاق.
ومن سيرتهم: ألا يلبس أحد منهم خفّين أحمرين إلا الملك، فإن كان وليّ عهد، لبس فردًا أحمر وفردًا أسود.
ولا يأكل ملكهم إلا على الموسيقى والألحان والغناء.
وأكثر طعامهم:
• الكُرديانات
• المرققات
• الاستبدناجات
• السكباجات
ولهم الأرغن، وفيهم الطب والحكمة، وعمل الصناعات، والحذق بالصور، حتى إنهم ليصوّرون صورًا يظهر عليها الحزن، ويصورون أخرى يظهر عليها الفرح والسرور.
ويُسمى ملكهم: الملك الرحيم، ويُظهر العدل والإنصاف، وهو ينوح.

Trending Plus