الجار قبل الدار

محمود عبد الراضى
محمود عبد الراضى
محمود عبد الراضي

في زحام هذا الزمن المتسارع، حيث تُبنى الأبراج وتُغلق الأبواب وتُعزل القلوب خلف الجدران، نحتاج إلى أن نتوقف قليلًا، لنستعيد ذاكرة البيوت التي كانت تنبض بالمحبة، لا بالكاميرات والجرس الكهربي.،كانت الجيرة حياة، لا مجرد مسافة.

الجار في الماضي لم يكن جارًا بالعنوان، بل بالمعنى، لم تكن البيوت تسكن جنبًا إلى جنب فقط، بل كانت الأرواح تسكن قلوب بعضها البعض، كان الجار يعرف أن طفلك مريض دون أن تخبره، وأنك حزينة دون أن تُظهري، فيرسل لك طبق شربة وقطعة حلوى، قبل أن يصلك السؤال.

كانت "الجيرة" علاقة مفعمة بالتكافل، لا تُبنى على تبادل الأطعمة فقط، بل على تبادل القلوب، كانت السيدات يتقاسمن الطبخة كأنهن يتقاسمن قسطًا من الحياة، وكانت رائحة الملوخية في بيت تعني أن نصف العمارة ستأكل منها اليوم.

الطبق الطائر.. بطل المشهد الشعبي اليومي، يدخل بيتًا فيخرج من آخر، لا يتوقف، لا يهدأ، لا يعرف الخصوصية القاسية التي صنعناها لاحقًا، طبقٌ يُحمَّل بالمحشي، ويعود محمّلًا بالكنافة، لا أحد يحسب، لا أحد يمنّ، الكرم كان فطرة، والستر كان ثقافة.

وكان الحزن موزعًا بعدل بين الجميع، والفرح يُحتفل به جماعة، إذا صرخ طفلٌ في بيت، تحركت أمّهات الطابق كلّه، وإذا انطفأ نور بيت، أُضيئت له بيوت الجيران بالدعاء والمواساة.

لم تكن الأفراح حكرًا على أهل البيت، بل تبدأ من الجيران أولًا، تفرش سيدة السلم بالورود، وتُجهّز أخرى الشاي، ويتجمّع الجيران على صوت الزغاريد كأنهم عائلة واحدة بلا نسب.

"الجار قبل الدار" لم تكن مجرد حكمة متوارثة، بل كانت دستور حياة، كان الإنسان يسأل عن جاره قبل أن يشتري البيت، لا ليتفقد هدوءه بل ليطمئن أنه سيؤتمن على جدران العمر، أن يكون له في الحزن سند، وفي الفرح شريك، وفي الغياب عينًا لا تنام.

ثم جاء زمن تغيرت فيه المفاهيم، فتراجعت الجيرة، وانكمشت العلاقات في أجيال السوشيال ميديا، أصبحت الجدران أكثر سماكة، والقلوب أكثر تحفّظًا، صار الجار مجهول الاسم، رغم أنه يجاورك بالحائط والنفس.

لكن الحقيقة الثابتة، أننا ما زلنا نشتاق لذلك الزمن، وما زالت نفوسنا تبحث عن طبق طائر، لا يحمل طعامًا فقط، بل يحمل "أنا فكّرت فيك"، عن باب يُطرق دون موعد، فقط ليسأل: "محتاج حاجة يا جاري؟"

لعلنا نعيد زرع هذا الدفء من جديد، في أول طبق نرسله، وفي أول ابتسامة نُهديها، وفي أول مرة نقول فيها: "أنا جنبك يا جاري، كما كانت أمهاتنا تقول دائمًا دون تكلّف.

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

30 مليار دولار و4 شركات كبرى.. أوروبا تكثف دعمها لأوكرانيا بخارطة إعادة التسلح.. اتفاقيات استراتيجية لدعم التكنولوجيا بكييف.. صفقة تاريخية بين الدنمارك وأوكرانيا بـ67 مليون يورو.. وطائرات مسيرة برعاية فرنسية

غادة عبد الرازق تكشف عن تعرضها للإصابة وتجلس على كرسى متحرك

انفجارات عنيفة تدوي في مدينة جبلة السورية

تعرف على مواعيد القطارات على خط القاهرة الإسكندرية والعكس اليوم السبت

إخماد حريق في هيش ومخلفات بكورنيش النيل بحلوان دون إصابات


موعد مباراة تشيلسي ضد بي إس جي فى نهائى كأس العالم للأندية 2025

وسام أبو على يُخطر الأهلى بالانتظام فى التدريبات الإثنين رغم أزمة العروض

ننشر قوائم المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ عن دائرة محافظة كفر الشيخ

25 سيارة إطفاء تكافح حريق مصنع منظفات وكيماويات مدينة بدر

خامنئى: استهداف قاعدة العديد الأمريكية ليس حادثة صغيرة بل كبيرة يمكن تكرارها


الزمالك يؤدى تدريبات بدنية خاصة بعد الفوز على أورانج وديا

مملكة الحرير الحلقة 10.. مقتل أسماء أبو اليزيد على يد شقيقة ريان

والد حامد حمدان يعلق على مفاوضات الزمالك مع نجله: "نصيبك هيصيبك"

المعاينة: ماس كهربى وراء حريق دبى مول فى الشيخ زايد

السفارة المصرية فى بلجيكا تنجح فى استرداد قطعتين أثريتين مصريتين.. صور

الجفالي ومهاب ياسر والجزيرى فى تشكيل الزمالك أمام أورانج

اندلاع حريق فى دبى مول بمنطقة الشيخ زايد.. فيديو وصور

تقارير تزعم تهديد الحائزة على نوبل للسلام نرجس محمدي بـ"التصفية الجسدية"

بدون خطوات.. كيفية تعويض المتضررين من حريق سنترال رمسيس تفعل تلقائيا

صفات وشروط وضعها سامح عبد العزيز للتعاون مع الفنانين.. اعرفها

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى