تاريخ مصر القديمة.. منكاورع وهرمه "المقدس" وكيف غرق تابوته فى المحيط؟

يمتد تاريخ مصر إلى الماضى البعيد، كما أن حضارتها العريقة واحدة من أهم الحضارات فى العالم القديم، وتاريخها يستحق أن يقرأ ويعرف، لذا نتوقف مع موسوعة "مصر القديمة" لعالم المصريات الشهير سليم حسن، ونطلع على ما ورد فيها.
يقول سليم حسن تحت عنوان "الأسرة الرابعة":
منكاورع
خلف "خفرع" على عرش مصر الفرعون "منكاورع"، وبقى على أريكة الملك أكثر من عشرين عامًا، ومن المحتمل أنه ابن خفرع، وعلى أى حال فإن والده ترك له المشاحنات التي قامت بينه وبين أسرة "ددف رع"، ويظن أنه الذي أكمل مقابر أسرة والده، ومقبرة والدته "خع مرر نبتي" في الصخرة الواقعة في الجنوب الشرقي للهرم الثاني، ولما استتب له الأمر أخذ في الاستعداد لبناء هرمه الصغير بالنسبة لهرمي خوفو، خفرع، غير أنه وضع تصميمه على أن يكسى بجرانيت أسوان الأحمر بدلًا من الحجر السلطاني الأبيض الذي كان يجلب من طرة، ومع ذلك فقد كانت تكاليفه أقل بكثير من تكاليف أهرام أسلافه. غير أنه أثناء قيام هذا العمل مات "منكاورع" فجأة، وكان الهرم في تلك اللحظة قد كسي إلى نحو الثلث أي (١٦ مدماكًا)، ومعبده الجنائزي قد كسي جزء منه من الخارج، وكذلك حجرة القرابين فقد كسيت بالجرانيت الأحمر والأسود، أما معبد الوادي فإنه لم يتم في عهده وأتمه من بعده "شبسكاف" باللَّبِن، ووضع في المعبد كل أدواته من تماثيل وأوانٍ، غير أن بعضها غير تام، وتدل الحجر الداخلية في هذا الهرم على حصول تغيير في تصميمها أثناء سير العمل، وقد دخل اللصوص هذا الهرم عام 1226ميلادية وقد وجدوا تابوته خاليًا، ووجدوا في هذا التابوت (لا بُدَّ أن يكون تابوتًا آخر) بعد أن كسروا غطاءه، بقايا جسم إنسان من غير حلي ما، اللهم إلا بعض ألواح ذهبية مكتوبة بحروف لا تفهم، وفي عام 1837دخل الكولونيل "هاوردفيس" حجر هذا الهرم، فوجد في الحجرة العليا قطعًا من تابوت خشبي تعزى إلى "ملك الشمال والجنوب منكاورع حيًّا إلى الأبد" ومعه بقايا إنسان ملفوف في ثوب من الصوف الخشن لونه أصفر، وقد وجد كذلك في الحجرة السفلى تابوت من البازلت، وهو الذي خيب آمال لصوص سنة 1226، وقد نقل التابوت وبقايا الجسم إلى المتحف البريطاني، أما التابوت البازلتي فإنه شحن إلى إنجلترا، ولكن السفينة غرقت به في "لجهورن" في 12أكتوبر سنة 1838، ولا يزال في قعر البحر إلى الآن.
وقد كشفت لنا حفائر الدكتور "ريزنر" في معبد الوادي ﻟ "منكاورع" عن نفائس فنية ودينية، وهذه المجموعة تعد أنفس مجموعة وجدت في الدولة القديمة من الأسرة الرابعة، ومن بينها مجاميع إلهات المقاطعات، وكذلك تمثالان ﻟ "منكاورع" وزوجته في قطعة واحدة بالحجم الطبيعي تقريبًا من الجرانيت، وهما يعدان أجمل قطع في الفن المصري في هذا العصر، ولم يصلنا شيء عن بعثات هذا الملك للخارج سواء أكانت للفتح أم لقطع الأحجار.
وأهم وثيقة وصلت إلينا من عهده عثر عليها في مقبرة أحد كبار موظفيه المسمى "دبحن" وفيها يقص هذا الموظف الكبير كيف أن مولاه قدم له خمسين عاملًا لبناء مقبرة خادمه الأمين، وهذه المنحة وإن كانت تعتبر في أعيننا شيئًا قليلًا لكنها أكبر خدمة يقدمها الملك إلى رجل خدمه بصدق وأمانة، وقد تعطف عليه "منكاورع" بذلك حينما كان جلالته على الطريق التي بجانب هرم "حر" يتفقد حال العمل في هرمه المسمى "المقدس" وهو اسم الهرم الثالث. أما هرم "حر" فلا بد أن يكون هرمًا آخر له علاقة ﺑ "منكاورع" من جهة ما، وقد ظن البعض أن "منكاورع" كان له هرمان كبعض أسلافه مثل "سنفرو"، وهذا غير مطابق للواقع، والحقيقة أن هرم "حر" هو هرم ابنته "خنت كاوس"، وفعلًا عثرنا على الطريق التي تربط الهرمين ببعضهما، وقد كشف منه جزء. وقد سمي هرمها "حر"؛ أي العالمي من مسميات الأضداد؛ إذ الواقع أن هرم الملكة "خنت كاوس" في منخفض، وسنتكلم عليه فيما بعد.
ومن الطريف أنه جاء في نقوش "دبحن" هذا أن الملك أمر بإحضار بابين وهميين من الحجر، وكذلك كتلتين لواجهة المقبرة، وتمثال بالحجم الطبيعي لتقام في مقبرته، وقد وجدت كل هذه الهدايا التي أمر بها الملك في مقبرة "دبحن" عند الكشف عنها في عام 1934، غير أن التمثال لم يوجد منه إلا بقايا مهشمة وفي عهده أرسل ابنه "حرددف" ليفحص المعابد المصرية بأجمعها، وقد كشف هذا الأمير في الأشمونين الفصلين 30 و64 من كتاب الموتى "كما في النسخة الصاوية"، وكان "منكاورع" يعرف في الأزمان التي تلت عهده بأنه رجل تقي، وكان يُحترَم ويُقدَّس كحكيم من الحكماء في عصر الرعامسة.

Trending Plus