ذكرى يوم عاشوراء.. كيف يستغلها أعداء الإسلام فى إشعال الفتن؟

فى العاشر من شهر محرّم الحرام، يقف المسلمون أمام حدثٍ يحمل من الأبعاد الدينية، والروحية، والسياسية ما لا يمكن اختزاله في مجرد ذكرى سنوية، إنّه يوم عاشوراء، اليوم الذي انطبعت في ذاكرة الأمة الإسلامية، حيث فيه نجا نبي الله موسى من طغيان فرعون، واستشهد الإمام الحسين بن علي، سبط النبي محمد ﷺ، في واقعة كربلاء التي أصبحت رمزًا خالدًا للثورة على الظلم والفساد.
منذ ظهور الإسلام، عُرف عاشوراء بأنه يوم فضيل؛ فقد صامه النبي ﷺ وأمر المسلمين بصيامه شكرًا لله تعالى على نجاة بني إسرائيل من الغرق. غير أن هذا اليوم اكتسب لاحقًا طابعًا مأساويًا خاصًا بعد أن وقعت فيه واحدة من أكثر الحوادث إيلامًا في التاريخ الإسلامي، حيث سجل استشهاد الإمام الحسين بن علي وأهل بيته وأصحابه في معركة كربلاء سنة 61 هجرية، في صحراء العراق.
الإمام الحسين بن علي، حفيد الرسول الكريم، كان يمثل في زمانه صوت الضمير الإسلامي، وامتدادًا حيًا لقيم العدل والنزاهة والرحمة، بعد وفاة أخيه الحسن، وتنازل الأخير عن الخلافة حقنًا للدماء، بدأت الدولة الأموية – بزعامة معاوية بن أبي سفيان – ترسخ لحكم وراثي سلطوي لم يكن مألوفًا في تقاليد الشورى الإسلامية، وحين توفي معاوية سنة 60 هـ، أصرّ ابنه يزيد بن معاوية على أخذ البيعة بالقوة، رغم ما في شخصيته وسيرته من مآخذ وانتقادات واسعة.
رفض الحسين مبايعة يزيد، واعتبر ذلك انحرافًا عن جوهر الخلافة الراشدة، وقال كلمته الشهيرة "مثلي لا يبايع مثله"، ولما أتته كتب من أهل الكوفة تدعوه إلى القدوم لتولي قيادة الأمة، خرج الإمام الحسين من مكة متوجهًا إلى العراق، رغم تحذيرات كثيرة من أن القلوب هناك ليست كما تظهر الأقلام.
في الثاني من محرّم، وصل الإمام الحسين إلى كربلاء، وهناك أحاطت به قوات يزيد بقيادة عمر بن سعد. قطعوا عنه الماء، وضيّقوا عليه وأهله وأصحابه. وبعد أيام من الحصار والتجويع، دارت المعركة في يوم عاشوراء، العاشر من محرّم، حيث قاتل الحسين وأتباعه – الذين لم يتجاوز عددهم السبعين – قتال الأحرار، في مواجهة جيش يفوقهم عددًا وعدة.
الإمام الحسين عليه السلام استُشهد بعد أن قدّم ملحمة بطولية في الثبات على المبدأ، وارتوت رمال كربلاء بدماء أهل بيته، بينهم العباس بن علي، علي الأكبر، وحتى رضيعه عبد الله الرضيع، الذي قتلته سهام القسوة وهو في حجر والده.. قُطعت رأس الحسين، وسُبيت نساء أهل بيته، في مشهد أثار فزع العالم الإسلامي آنذاك، ولا يزال يُستذكر بحرقة حتى اليوم.
المسلمون اختلفوا في كيفية إحياء يوم عاشوراء، فبينما يركّز أهل السنة على صيامه وذكر فضله، يغلب على الشيعة طابع الحزن وإقامة مجالس العزاء، والمواكب الحسينية التي تستذكر تفاصيل كربلاء لحظة بلحظة، ومع ذلك، فإن القيم التي يمثلها الحسين – العدل، الكرامة، مقاومة الظلم – هي قيم مشتركة بين جميع المسلمين، لا تقف عند طائفة أو مذهب.
لطالما سعى أعداء الإسلام إلى استغلال الاختلافات في رواية عاشوراء، لإشعال نار الفتنة بين المسلمين، وتحويل يوم الوحدة الروحية إلى منصة انقسام مذهبي، كما يعمل الخطاب الإعلامي المعادي على تشويه رمزية هذا اليوم، تارةً بالسخرية من طقوس الحزن، وتارةً أخرى بتشجيع نزعات الطائفية التي لا تخدم سوى مشاريع تمزيق الأمة، غير أن وعي الشعوب المسلمة، وثقافتها الممتدة، بات يُدرك خطورة هذه المحاولات، فالقيم التي استشهد من أجلها الحسين – رفض البيعة الظالمة، الدفاع عن حرية الأمة، حماية الدين من التسييس – هي نفسها القيم التي يحتاجها العالم الإسلامي اليوم لمواجهة الطغيان، الداخلي والخارجي.
عاشوراء ليس مجرد تاريخ يُبكى عليه، بل مدرسة أخلاقية وإنسانية يجب أن تستلهمها الأمة في كل زمان، فكما قال المفكر الهندى الشهير المهاتما غاندي: "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلومًا فأنتصر"، فمن كربلاء إلى القدس، ومن محرّم إلى كل يوم، يبقى صوت الإمام الحسين نداءً خالدًا في ضمير الأحرار "إنّي لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا، ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي".

Trending Plus