سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 5 يوليو 1954.. اللبنانيون يخرجون فى مظاهرات ضخمة لوداع الوفد المصرى بقيادة صلاح سالم.. و«الهضيبى» يقود وفدا من جماعة الإخوان لزيارة الأردن ولبنان وسوريا

غادر الوفد المصرى الرسمى لبنان إلى القاهرة يوم 5 يوليو، مثل هذا اليوم، من عام 1954، وفى طريقه إلى المطار فوجئ بخروج جماهير الشعب اللبنانى فى مظاهرات ضخمة لتوديعه، حسبما يذكر محمود رياض الذى كان ضمن أعضاء الوفد، وفيما بعد أصبح وزيرا للخارجية المصرية ثم أمينا عاما لجامعة الدول العربية حتى استقالته بعد حالة التمزق العربى التى أحدثتها زيارة السادات لإسرائيل فى 19 نوفمبر 1977.
يكشف «رياض» فى كتابه «الأمن القومى العربى بين الإنجاز والفشل» وهو الجزء الثانى من مذكراته «ثلاثة أجزاء» أن زيارة لبنان كانت ضمن برنامج زيارات أخرى لدول المنطقة العربية، فى أعقاب الصدام الذى حدث بين جمال عبدالناصر ومحمد نجيب فى مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952، ويقول رياض»: «كانت السيارات التى نستقلها تشق طريقها بصعوبة وسط الجماهير المحتشدة، وانضمت مئات السيارات الخاصة إلى موكب الوفد حتى وصلنا إلى المطار.»
ويؤكد رياض، أن الوفد المصرى الذى تجول فى العديد من بلدان المنطقة العربية، كان هو الأول فى الاتصال المباشر بين مصر الثورة والقادة العرب، وكان جمال عبدالناصر هو صاحب فكرته، ويضيف: «كان الهدف واضحا وهو التعرف عن قرب على مواقف القادة العرب، وتصوراتهم لمستقبل المنطقة ومستقبل العلاقات العربية، ثم محاولة تحقيق التفاهم حول العمل العربى الموحد لمواجهة الأخطار الخارجية وتحدى الموقف العربى بالنسبة للأحلاف».
وكانت الزيارة الأولى للوفد المصرى إلى السعودية فى الأسبوع الأول من يونيو 1954، وترأسه صلاح سالم عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو، واجتمع مع العاهل السعودى الملك سعود والأمير فيصل ولى العهد، ويؤكد رياض على أنه تم الاتفاق على الدخول مع مصر فى اتفاقات حول الصناعات الحربية التى تهم البلدين، وإيفاد بعثات عسكرية إلى مصر والتنسيق بين الجيشين المصرى والسعودى فى التدريب والتسليح».
وفى يوم 29 يونيو 1954 توجه الوفد المصرى إلى لبنان، واجتمع بالرئيس اللبنانى كميل شمعون، وطالبه بأن تتخذ لبنان موقفا مماثلا للموقف المصرى فى رفض الأحلاف، إلا أنه ذهب فى رده إلى عدم استطاعته اتخاذ موقف يغضب الدول الغربية، ثم اجتمع الوفد المصرى مع عادل عسيران رئيس المجلس النيابى بحضور العديد من أعضاء البرلمان والشخصيات اللبنانية، وأثناء اللقاء تساءل السيد سعيد تقى الدين، لماذا لا توجه الجهود لإنقاذ شعب فلسطين قبل توجيه كل القوى لجلاء الانجليز عن قناة السويس؟، ولم تكن اتفاقية الجلاء بين مصر وبريطانيا قد وقعت بعد، ورد صلاح سالم، قائلا: «تحرير القناة هو الهدف الأول لحكومة الثورة لأن مصر لا يمكنها أن تقوم بأى عمل فعال من أجل فلسطين وقوات الاحتلال البريطانى رابضة فى منطقة القناة».
عبر التأييد الشعبى اللبنانى عن نفسه بخروج جماهير الشعب اللبنانى فى مظاهرات ضخمة لتوديع الوفد المصرى، ووفقا لرياض: «كان لهذا التأييد الشعبى أثر كبير ليس فى العالم العربى فقط، بل وفى بعض العواصم الأجنبية التى بدأ القلق ينتابها من التحرك المصرى فى العالم العربى.
اللافت فى هذه التحركات، أنه بينما كان الوفد الذى أرسله جمال عبد الناصر يجوب الدول العربية، قام بعده بأيام قليلة مرشد جماعة الإخوان المستشار حسن الهضيبى بقيادة وفد من الجماعة لزيارة الأردن ولبنان وسوريا، وضم الوفد منير الدالة، صالح أبورقيق، وحسب مجلة «الإخوان المسلمين» فى عددها الصادر 22 يوليو 1954: «خرج من دمشق وفد الجماعة الرسمى الذى ذهب لمرافقة فضيلة الأستاذ المرشد فى لبنان مؤلفا من فضيلة المراقب العام الدكتور مصطفى السباعى، والأمين العام أديب صالح، وأعضاء المكتب ورئيس مركز دمشق والإخوان، وعند الحدود السورية كان وفد رابطة العلماء والتمدن الإسلامى والجمعيات الإسلامية ورئيس مركز حلب، ورئيس مركز درعا ووفد مركز حماة، وفى بيروت استقبل الشيخ محمد عمر الداعوق مؤسس جماعة «عباد الرحمن» والتى تحمل منهج الإخوان، مرشد الجماعة والوفد المرافق له.
والمثير أن زيارة المرشد إلى سوريا جرت بينما رأى الوفد المصرى الرسمى الذى يمثل ثورة يوليو، أنه ليس من المناسب زيارة سوريا بعد انتهاء زيارته إلى لبنان، لأن الوزارة فى سوريا انتقالية جاءت للإشراف على الانتخابات النيابية بعد سقوط «الشيشيكلي»، ويذكر الدكتور عبدالله فوزى الجناينى فى كتابه «ثورة يوليو والمشرق العربى 1952-1956» أنه بمجرد اعتلاء هاشم الأتاسى رئاسة الجمهورية بعد هروب «الشيشيكلى» تركت الحكومة للإخوان السوريين الحرية فى مهاجمة قادة الثورة فى مصر، وسمحت للهضيبى بزيارة دمشق فى 9 يوليو 1954، وهناك استقبله الإخوان السوريون استقبال الفاتح، وأقيمت له الاحتفالات فى كل مكان، كما التقى المرشد العام الرئيس السورى، وعقب ذلك جنحت الجماعة إلى توجيه حملة عنيفة من النقد اللاذع والهجوم الشديد إلى عبدالناصر ورفاقه.

Trending Plus