الاقتصاد المصرى ينطلق ويحقق أعلى معدل نمو فصلى فى 3 سنوات.. 4.8% نمو بالربع الثالث من العام المالى 2024-2025.. استثمارات القطاع الخاص ترتفع 24.2% مستحوذة على 62.8%.. خبير: خلق بيئة جاذبة للمستثمرين يدعم النمو

في وقت تتزايد فيه التحديات الاقتصادية عالميًا وتظهر في الأفق مشكلات تواجه العملات الرئيسية الكبرى بجانب استمرار التداعيات الاقتصادية للحرب التجارية، يعود الاقتصاد المصري ليؤكد حضوره بقوة على خريطة التعافي، محققًا قفزة نمو لافتة تجاوزت التوقعات ولفتت أنظار الخبراء الاقتصاديين.
وبحسب بيانات حكومية، سجل الاقتصاد المصري خلال الربع الثالث من العام المالي 2024-2025، معدل نمو بنسبة 4.8%، وهو ما يُعد أقوى أداء فصلي منذ ثلاث سنوات، وأكثر من ضعف معدل النمو المحقق في نفس الفترة من العام الماضي الذي لم يتجاوز 2.2%.
هذه القفزة ليست بمعزل عن المسار العام للنمو، إذ بلغ متوسط معدل النمو خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2024-2025 نحو 4.2%، مقارنة بـ 2.4% فقط خلال نفس الفترة من العام السابق، ورغم أن الأرقام قد تبدو للوهلة الأولى مجرد مؤشرات تعلن بشكل مستدام، إلا أنها تعكس تحولات حقيقية على الأرض، تستدعي التوقف عند دلالاتها ومصادر زخمها، فمن أين أتى هذا التعافي؟ وما القطاعات التي قادت موجة النمو؟ وهل هذا الأداء بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار والتوسع؟، وكيف يرى الخبراء هذه المؤشرات.
تحسن القطاعات الحيوية وراء النمو
وأكدت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن تعافي الاقتصاد المصري خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي، يعكس فعالية الإصلاحات التي تنفذها الحكومة على صعيد السياسات الكلية والهيكلية، ودورها في تعزيز قدرة الاقتصاد على الصمود رغم التحديات العالمية والإقليمية.
وأشارت الوزارة، في تقرير إلى أن هذا الأداء يعكس تعافيًا مستدامًا ومرونة متزايدة للاقتصاد في مواجهة حالة عدم اليقين العالمية، أضافت، أن معدلات النمو المحققة في الربع الثالث تجاوزت التوقعات، نتيجة التحسن المستمر في أداء عدد من القطاعات الحيوية، وعلى رأسها الصناعات التحويلية غير البترولية، والسياحة (الممثلة في المطاعم والفنادق)، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وأشارت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية والتعاون الدولي، إلى أن هذا الزخم الإيجابي يتسق مع رؤية الدولة لتحقيق تنمية اقتصادية يقودها القطاع الخاص، والتحول نحو اقتصاد تنافسي قائم على القطاعات القابلة للتصدير، مؤكدًة أن الدولة تمضي قدمًا في ترسيخ هذا التعافي من خلال توطين الصناعة وتنفيذ إجراءات محفزة لزيادة الإنتاج المحلي وتشجيع الاستثمارات. وأضافت أن النمو في الربع الثالث شهد مساهمة متزايدة من قطاعات الخدمات المالية، والتأمين، والتشييد والبناء.
تنامي دور القطاع الخاص
وفيما يتعلق بتطور استثمارات القطاع الخاص، شددت الوزيرة على أن المؤشرات تعكس الدور المتنامي للقطاع الخاص في دفع عجلة التنمية، حيث ارتفعت الاستثمارات الخاصة بنسبة 24.2% في الربع الثالث، مستحوذة على 62.8% من إجمالي الاستثمارات الكلية المنفذة (باستثناء التغير في المخزون)، مما يعكس تصاعد ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري، ونجاح السياسات الحكومية في توسيع قاعدة مشاركة القطاع الخاص في التنمية، إلى جانب التزام الدولة بحوكمة الاستثمارات العامة لإتاحة مساحة أكبر للاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية.
ويتزامن هذا النمو مع حرص الدولة على تكثيف الاستثمارات في القطاع الصناعي، باعتباره من أولويات البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية. وقد انعكس ذلك في نمو متوسط مؤشر الرقم القياسي للصناعة التحويلية (باستثناء الزيت الخام والمنتجات البترولية) بنسبة 16.03% خلال الربع. وشهدت صناعات عديدة نموًا ملحوظًا، من بينها: صناعة المركبات (93%)، الملابس الجاهزة (58%)، المشروبات (34%)، الورق (20%)، والمنسوجات (17%).
انتعاش نشاط الصناعة التحويلية
كما كشفت البيانات، استمرار انتعاش نشاط الصناعة التحويلية غير البترولية، محققًا معدل نمو بلغ 16% خلال الربع، مقارنةً بانكماش بلغ 4% في الفترة ذاتها من العام المالي السابق، كما ارتبط النمو الصناعي بتحسن ملحوظ في أداء الصادرات، حيث سجلت صادرات السلع تامة الصنع زيادة سنوية بنسبة 12.7%، مما يعزز دور القطاع الصناعي كمحرك رئيسي للنمو.
ويُعد قطاع الملابس الجاهزة مثالًا بارزًا، إذ حققت صادراته نموًا سنويًا تجاوز 23% خلال الفترة ذاتها، مستفيدًا من التغيرات في خريطة التجارة العالمية وزيادة الطلب الخارجي، بما يعكس مرونة هذا القطاع وقدرته على الاستجابة السريعة للتطورات العالمية.
نمو السياحة والوساطة المالية
واستمرت عدة قطاعات اقتصادية أخرى في تحقيق معدلات نمو إيجابية خلال الربع الثالث، حيث سجل نشاط السياحة (المطاعم والفنادق) نموًا قدره 23%، نتيجة ارتفاع أعداد السائحين إلى نحو 4 ملايين، وبلوغ عدد الليالي السياحية نحو 41 مليون ليلة.
كما سجلت أنشطة الوساطة المالية، والتأمين، والكهرباء، والخدمات الاجتماعية (الصحة والتعليم)، والتشييد والبناء، معدلات نمو بلغت 17.34%، 7.7%، 5.76%، 4.63%، و3.13% على التوالي، مما يعكس تنوع مصادر النمو الاقتصادي، واتساقه مع رؤية الدولة للتنويع الهيكلي.
وعلى صعيد الإنفاق، حظي النمو بدعم واضح من صافي الصادرات، التي ساهمت بنحو 2.7 نقطة مئوية في النمو الحقيقي، نتيجة الزيادة الكبيرة في صادرات السلع والخدمات (54.4%)، مقارنة بارتفاع الواردات بنسبة 18.7%، كما ساهم الإنفاق الحكومي بنحو 0.27 نقطة مئوية.
وتسارعت وتيرة الاستثمار الخاص بالأسعار الثابتة بنسبة 24.2% على أساس سنوي، متجاوزًا الاستثمار العام للربع الثالث على التوالي، ومشكلًا 62.8% من إجمالي الاستثمارات المنفذة (باستثناء المخزون). ورغم ذلك، لم يكن هذا النمو كافيًا لتعويض التراجع الحاد في الاستثمار العام، الذي انخفض بنسبة 45.6% مقارنةً بالربع المناظر، ما أدى إلى مساهمة سالبة للاستثمار الكلي، خصمت نحو 2.44 نقطة مئوية من معدل النمو.
تظهر المؤشرات الدورية استمرار تحسن النشاط الاقتصادي في مصر خلال الربع الثالث، حيث سجل مؤشر مديري المشتريات 50.7 نقطة في يناير 2025، وهو أعلى مستوى في 50 شهرًا، واستمر فوق مستوى الحياد في فبراير (50.1 نقطة)، ورغم تراجعه في مارس إلى 49.2 نقطة، فإنه بقي قريبًا من مستوى الاستقرار، ما يدل على استمرار تعافي القطاع الخاص غير النفطي.
1.154 تريليون جنيه استثمارات عامة
وراعت خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي 2025/2026، الالتزام بسقف الاستثمارات العامة (1.154 تريليون جنيه)، ضمن جهود الدولة لترشيد وحوكمة الإنفاق العام، وتعزيز دور القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما جرى تخصيص نحو 47% من استثمارات الخزانة العامة لقطاعات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، تأكيدًا على أولوية تنمية رأس المال البشري لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
خبير اقتصادي: تطور نوعي في الاقتصاد انعكس على المؤشرات
وفي تعليقه على بيانات النمو الأخيرة، قال الدكتور هاني قداح، الخبير الاقتصادي، إن تسجيل الاقتصاد المصري معدل نمو بلغ 4.8% في الربع الثالث من العام المالي الحالي يمثل تطورًا نوعيًا في الأداء الاقتصادي، ويعكس استعادة تدريجية للزخم بعد فترة من التباطؤ المرتبط بمتغيرات محلية وخارجية.
وأوضح قداح في تصريحات خاصة، أن هذه القفزة مدفوعة على الأرجح بتحسن في أداء بعض القطاعات الحيوية مثل الصناعة، والسياحة، بالإضافة إلى قطاعات التصدير التي استفادت من تراجع الجنيه وزيادة القدرة التنافسية، مشيرًا إلى أن السياسات الاقتصادية التوسعية ساهمت بدورها في دفع النشاط الاقتصادي، لا سيما من خلال زيادة الاستثمارات العامة.
وقال "قداح"، إن "الاستدامة هي التحدي الأكبر"، فالنمو الحقيقي يجب أن يترافق مع تحسن ملموس في معدلات التشغيل، وخفض معدلات التضخم، وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين، مؤكدًا أن استمرار هذا الاتجاه الإيجابي يتطلب سياسات أكثر جرأة لدعم الإنتاج المحلي، وتحفيز الاستثمار الأجنبي، وتسريع وتيرة الإصلاح الهيكلي في بيئة الأعمال، مضيفًا: "الأرقام مشجعة، لكنها بحاجة إلى ترجمة على الأرض تضمن توزيعًا عادلًا لعوائد النمو، وتحقيق شمول اقتصادي حقيقي".
خبير: خلق بيئة جاذبة للمستثمرين يدعم صعود النمو
من جانبه، قال الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، إن الأرقام المعلنة حول أداء الاقتصاد المصري خلال الربع الثالث من العام المالي 2024/2025 تشير بوضوح إلى عودة النشاط الاقتصادي لمسار التعافي والنمو المتوازن، خاصة في ظل تسجيل معدل نمو قوي بلغ 4.8%، وزيادة كبيرة في مساهمة القطاع الخاص في الاستثمارات.
وأوضح الشافعي، أن تسارع الاستثمارات الخاصة وتوسعها لتشكل نحو 62.8% من إجمالي الاستثمارات الكلية يعكس تطورًا ملموسًا في مناخ الأعمال وإتاحة المجال أمام القطاع الخاص، ونجاح الدولة في خلق بيئة جاذبة للمستثمرين، خاصة في القطاعات الصناعية والتصديرية التي بدأت تستعيد عافيتها.
وأشار إلى أن النمو القوي في الصناعة التحويلية، وصادرات السلع تامة الصنع، ونشاط الملابس الجاهزة والسياحة، يؤكد أن الاقتصاد المصري بات أكثر قدرة على تنويع مصادر دخله، وتقليل اعتماده على القطاعات الريعية.
لكنه في المقابل، نبّه إلى وجود تحديات يجب التعامل معها بجدية، مثل تراجع الاستثمار العام بنسبة 45.6%، وانكماش قطاع الاستخراجات، وهبوط نشاط قناة السويس بنسبة 23.1%، مؤكدًا أن "التحول الإيجابي في الاقتصاد لن يكتمل إلا من خلال توازن الاستثمار بين العام والخاص، وتعزيز مرونة القطاعات الاستراتيجية أمام الصدمات الجيوسياسية".
وأكد أن "ما تحقق حتى الآن خطوة مهمة على طريق التعافي، لكن المطلوب هو استدامة النمو عبر سياسات داعمة للإنتاج والتصدير، وضبط الإنفاق العام، وتحفيز الاستثمارات طويلة الأجل التي تصنع قيمة مضافة حقيقية".

Trending Plus