ضجة تسونامى المزعومة.. لماذا يثير البحر المتوسط قلقاً غير مبرر؟.. الموج العالى وظهور القرش ظواهر طبيعية لا علاقة لها بالكوارث.. والنشاط الزلزالى طبيعى ولا ينذر بكارثة وشيكة.. والوعى العلمى خط الدفاع ضد الشائعات

في عصر تتدفق فيه المعلومات بسرعة البرق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تنتشر الشائعات، لا سيما تلك المتعلقة بالكوارث الطبيعية، بوتيرة أسرع من الحقيقة. مؤخرًا، انتشرت مزاعم واسعة النطاق حول احتمال حدوث تسونامي وشيك في البحر المتوسط، مما أثار موجة من القلق بين سكان الدول المطلة عليه.
.jpg)
البحر المتوسط.. منطقة جيولوجية نشطة ولكن ليست عرضة لتسونامى وشيك
البحر المتوسط ليس مجرد مسطح مائي يربط ثلاث قارات، بل هو حوض جيولوجي معقد ونشط للغاية، تكمن ديناميكيته في وقوعه على حدود التقاء ثلاث صفائح تكتونية رئيسية: الصفيحة الأفريقية، الصفيحة الأوراسية، والصفيحة الأناضولية. هذه الصفائح في حركة مستمرة، تتصادم وتنزلق وتتداخل، مما يولد ضغوطًا هائلة تؤدي إلى نشاط زلزالي متكرر.
يتم تسجيل ما يقرب من عشرين زلزالًا شهريًا في المنطقة، معظمها يتراوح بين 3 و4 درجات على مقياس ريختر، ووصول بعضها إلى 6 درجات، هذا الأمر طبيعي ومتوقع في مثل هذه المنطقة النشطة تكتونيًا. تساهم هذه الزلازل، بالإضافة إلى ظاهرة المد والجزر الطبيعية، في التغيرات الطفيفة في مستوى الأمواج وحركة المياه، وهي ظواهر طبيعية لا تدعو للقلق بذاتها.
.jpg)
شروط حدوث التسونامي وأسباب الموج العالي
لفهم حقيقة التسونامي، يجب أن ندرك الشروط الضرورية لحدوثه:
- زلزال بحري ذو قوة استثنائية، عادة ما تتجاوز 7 درجات على مقياس ريختر، الزلازل التي تحدث بانتظام في المتوسط (3-6 درجات) ليست قوية بما يكفي لإزاحة كميات هائلة من المياه اللازمة لتوليد موجات التسونامى المدمرة.
- أن يكون الزلزال ضحلًا نسبيًا ويحدث نتيجة لحركة عمودية كبيرة للصفائح التكتونية، مما يؤدي إلى رفع أو خفض قاع البحر فجأة وإزاحة عمود الماء فوقه. فمعظم الزلازل في المتوسط لا تتوافق تمامًا مع هذه الآلية التي تولد التسونامي الضخم.
صحيح أن البحر المتوسط شهد أحداث تسونامي مدمرة في الماضي (مثل تسونامي عام 365 م الذي ضرب الإسكندرية، و1755 م الذي أثر على البرتغال وشمال أفريقيا)، هذا يثبت أن المنطقة معرضة لخطر التسونامي من الناحية التاريخية والجيولوجية، ولكنه ليس بالضرورة أن كل نشاط زلزالي يعني حدوث تسونامي، هذه الأحداث الكبرى نادرة وتتطلب ظروفًا استثنائية.
أما الموج العالي الذي نشهده أحيانًا، فهو ظاهرة طبيعية تحدث بشكل متكرر لأسباب متعددة، أهمها:
- الرياح القوية والعواصف والتى تعد السبب الرئيسي لتشكل معظم الأمواج البحرية.
- المد والجزر، الذى ساهم في حركة المياه.
- التغيرات الجوية، مثل المنخفضات الجوية التي تؤدي إلى اضطرابات في الضغط الجوي وحركة الرياح.
- النشاط الزلزالي تحت البحر، ففي بعض الحالات النادرة، قد تتسبب الزلازل متوسطة الشدة في أمواج أعلى من المعتاد، دون أن تصل إلى مستوى التسونامي المدمر.
الشائعات وتأثيراتها السلبية
تتمحور الشائعات المتداولة حول نقاط رئيسية لا أساس لها، مثل:
ـ الاعتقاد الخاطئ بأن أي نشاط زلزالي مهما كانت شدته يمكن أن يؤدي إلى تسونامي.
ـ المزاعم التي لا أساس لها عن انفجارات غامضة تحدث تحت الماء لتفسير ارتفاع الأمواج.
ـ محاولات ربط ارتفاع درجات الحرارة أو الصراعات الإقليمية بتأثيرات مباشرة وفورية على حركة الأمواج أو احتمالية التسونامي.
هذه الشائعات، على الرغم من انتشارها، تفتقر إلى أي أساس علمي أو دليل موثوق به، لا تقتصر أضرار الشائعات على إثارة القلق والذعر بين الناس، بل تمتد لتشمل تأثيرات اقتصادية سلبية، مثل تراجع قطاع السياحة، إلغاء الحجوزات وخسائر كبيرة للفنادق والمنتجعات، و اضطراب حركة التجارة والنقل البحري، بتعطيل حركة الملاحة البحرية وتأجيل الشحنات، وانخفاض الاستثمارات بإحجام المستثمرين عن ضخ رؤوس أموال جديدة في المناطق المتضررة، و الذعر المجتمعي واستهلاك الموارد بشراء وتخزين كميات كبيرة من السلع الأساسية، مما يربك الأسواق ويرفع الأسعار.
.jpg)
ظهور أسماك القرش.. ظاهرة طبيعية مرتبطة بالمناخ
فيما يخص ظهور أسماك القرش، فإن هذا يرتبط بشكل مباشر بظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات حرارة المياه السطحية في البحر المتوسط. هذا يدفع بأسماك القرش للبحث عن بيئات أكثر برودة أو مناطق غنية بالغذاء بالقرب من السواحل، ويتزامن هذا أيضًا مع موسم تزاوج القرش في بعض الأحيان. هذه الظاهرة طبيعية ولا ترتبط بأي "انفجارات" أو شائعات أخرى، وتتطلب فقط من المصطافين توخي الحذر والالتزام بإرشادات السلامة.
كيف نحمي أنفسنا من الشائعات؟
في النهاية، يظل الوعي العلمي والمعلوماتي هو خط دفاعنا الأول ضد الشائعات، خاصة تلك التي تمس أمننا وسلامتنا، بينما يُعد البحر المتوسط منطقة نشطة جيولوجيًا وقد شهد تاريخيًا أحداث تسونامي نادرة ومدمرة، فإن الشائعات المتداولة حاليًا حول تسونامي وشيك لا تستند إلى أي حقائق علمية موثوقة، و الزلازل اليومية أو ارتفاع الأمواج الطبيعي هي جزء من ديناميكية البحر ولا تشير إلى كارثة وشيكة.
لذلك، من الضروري أن نعتمد دائمًا على المصادر الرسمية والموثوقة من الهيئات العلمية مثل معهد علوم البحار وهيئة الأرصاد الجوية ومعهد البحوث الفلكية المختص برصد الزلازل، وغيرها من الجهات العلمية، لتجنب نشر المعلومات غير المؤكدة، لأن ذلك يسهم بشكل كبير في حماية مجتمعنا من القلق غير المبرر، فالفهم الصحيح للحقائق، والقدرة على التمييز بينها وبين الخيال، هو سبيلنا الوحيد لتجنب الوقوع فريسة للشائعات وضمان سلامتنا وسلامة من حولنا.

Trending Plus