أخبار الزمان.. ما قاله المسعودي عن الفرس وخراسان

المعرفة ليست ضارّة، وليس من الضروري أن نُصدّق كل ما نعرفه، لكنها، بصورةٍ ما، تُفيدنا في فهم طرق التفكير عند القدماء، لذا أحب العودة إلى كتب التراث والتأمل فيما تحمله من رؤى، خاصة كتب التاريخ، التي تُسلّط الضوء على بدايات الحياة على الأرض، ومن هذا المنطلق، نقرأ معًا ما أورده المسعودي في كتابه الشهير "أخبار الزمان":
ذكر مملكة الفرس
وأما الفرس فهم من ولد يافث بن نوح، والفرس تدفع ذلك ويزعمون أنهم لا يعرفون نوحا ولا الطوفان ولا ولد نوح، ويحسبون ملوكهم من كيومرت الأول وهو آدم.
وزعموا أن الفرس كلها من ولد أفريدون الملك، وزعم قوم أن أول ملك في العالم بعد الطوفان أو سبهبد بن نوح بن عامر بن يافث وأنه ملكهم ألف سنة وطلع إلى الفلك.
وبعده منوشهر وهذه الطبقة الأولى إلى أن غلب الإسكندر دارا بن دارا ورتب ملوك الطوائف، ثم هلكت الأكاسرة من أل أردشير بن بابك إلى انقضاء ملكهم وقد نسبهم قوم إلى سام، وبذلك جاءت الآثار.
وكان دينهم دين الصابئة، ثم تمجسوا وبنوا بيوت النيران، ويقال إنه كان يكسي ملكهم بيوت النيران ويذر فيها كبريتا وزرنيخا فيستوقد من نفسه لا يستعملون الحطب لتلك النار الا أوقية أوقية بثلاثين فضة.
ويقال إن [من] كان يريد التعبد في تلك البيوت يقعد على كرسي وبين يديه هاون حجر كبير قد جعل فيه ماء وبيده دستج خشب يضرب به الملك أبدا ويحركه بعنف شديد وقوة واجتهاد كأنه يعذبه لعبادته النار.
وجميع أهل الممالك يعترفون للفرس ويقرون لهم بالرئاسة وحسن التملك وتدبير الحروب ودقيق الألوان وتأليف الطعام والطب واللباس وترتيب الأعمال ووضع الأشياء مواضعها والترتيل والخطابة ووفور العقل وتمام النظافة والشكل وهيبة الملوك، هذا كله لهم فيه السبق.
ومن كتب سيرتهم استعمال من جاء من بعدهم من رسوم الملك وتدابير الرئاسة، وأمرهم أشهر من أن يستقصى في هذا المكان.
ذكر مملكة خراسان
فأما ملوك خراسان مثل الصغد وغيرهم من قد غلبه والأشر وسنية والبرجان وهو أهل الديلم والجبل واللد والأكراد والشماس، وما وراء النهر فقد كانت لهم ملوك عدة بطارقة أكثرهم كان يعبد النار ويتمجس.
ويقال إن أردشير رأى شيطانه فقال له علمني علما انتفع به، فقال له على أن تنكح أمك فهي أقرب أهلك، ففعل وصار دين المجوسية.
والفرس تزعم أن نكاح الأخوات من وقت آدم، ثم أطلق لهم بعد ذلك زنادقتهم نكاح الأم، وقالوا لهم هي أحق إليه من الأخت ففعلوا.
وخلف جزيرة الصين أمم عراة ينسق لون شعورهم وأمم لا شعور لهم وأمم حمر الوجوه شقر الشعور، وأمم إذا طلعت الشمس هربوا إلى مغارات يأوون اليها من حر الشمس ولا يخرجون منها حتى تدور الشمس إلى الوجه الغربي، وأكثر ما يغتذون نباتا يشبه الكمأة وسمك وخشاش الأرض، وتحاذيهم من ناحية الشمال أمم بيض شقر عراة يتناكحون كما تتناكح البهائم، ويجتمع على الواحدة الجماعة، ولا يمنع أحد من أنثى لينالها.

Trending Plus