حسين عبد البصير يكتب: النداهة التى تنادى من عمق الحرب فى سبع حركات للقسوة

سبع حركات للقسوة
سبع حركات للقسوة

في عمله السردى الجديد "سبع حركات للقسوة"، يقدّم الكاتب الروائي المصري مصطفى البلكي رواية تندرج ضمن أدب الحرب، لكنها لا تتورّط في خطاب الانتصارات الزائفة، ولا تلهث خلف بطولات مزيّفة، بل يختار زاوية أكثر عمقًا وإنسانية، حين يمنح الصوت لامرأة، منسية في الريف، تعيد حياكة المأساة من شظايا الذاكرة، وتواجه العنف بالكلمات، والخراب بالحب، والفقد بالخيال.

سبع حركات للقسوة
سبع حركات للقسوة

 

امرأة من الهامش.. تصوغ المركز

ليست "براء"، بطلة الرواية، صوتًا عادياً في زحمة الروايات التي تتحدث عن الحرب، بل هي لُب الحكاية، وجذرها العاطفي. فتاة فقيرة، من قرية نائية، لكن وعياً داخلياً يتشكّل داخلها منذ لقائها العابر بسيدة تقرأ في سيارة أجرة، تقول لها ببساطة: "الخيال ضروري… وفي هذا الكتاب وديان وجلال وجبال ثم هناك أعلى القمم… خيالك أنت".

بهذه الجملة، تبدأ الرحلة. يتحوّل الخيال إلى وسيلة للنجاة، والقراءة إلى فعل مقاومة صامت. الحيلة السردية هنا أنيقة: فبدلاً من بناء خلفية تعليمية أو ثقافية ثقيلة للشخصية، يمنحها البلكي لحظة نور، لحظة تشكيل، نصدق بعدها كل ما ستقوله، وكل ما ستراه بعينها.

 

الخراب كمرآة مشرعة على الذات

رغم أن الرواية لا تسمي أماكنها، ولا تعيّن تواريخها، إلا أن القارئ يلمس منذ الصفحات الأولى ذلك المناخ العربي المتفكك، حيث تتكرر وجوه الحرب، وتتبدل أعلامها، لكن الوجع واحد. من سوريا إلى اليمن، من ليبيا إلى العراق، تصير الرواية مرآة مجروحة لما يحيط بنا من خراب لا اسم له.

وليست الحرب هنا فعلاً خارجياً فقط، بل هي اختراق للذات، تفتيت للمعنى، وتهديد مستمر للروابط الإنسانية. فحين تذهب "براء" لبيع ذهبها في السوق، الذهب الذي كانت تدّخره "لعجز حالها"، نجدنا أمام رمز كثيف عن هشاشة الواقع، وتهشم الأمن العاطفي والاجتماعي، لا فقط الاقتصادي.

 

الحكايات الصغيرة تكتب المأساة الكبرى

جمال الرواية يكمن في قدرتها على تجميع شظايا الحكايات، وتقديمها في نسيج سردي هادئ ومؤلم في آن. العجوز التي تحتفظ بقميص حفيدها المدمّى، المرأة التي تهرب من المعسكر لتجد زوجها أسيرًا يُحرق أمامها، المرأة المكتنزة التي أرادت فقط أن تبني خمسين مدفنة وفاءً لأمها، و"براء" التي تتحول من أسيرة إلى نادلة في حانة، تترصّد القاتل من أجل الانتقام.

كل هذه الحكايات لا تتراكم فقط لبناء حدث، بل لتشكيل وعي. فالروائي لا يكتب مشاهد عابرة، بل ينسج شهادة جماعية، عن نساء خضن الحروب على جبهات لا يراها أحد، وخسرن فيها أكثر مما يحتمله القلب.

 

لغة منسوجة من الألم والصدق

لا تحتاج لغة مصطفى البلكي إلى تعقيد، لأنها تصدر من قلب التجربة، وتعرف إلى أين تمضي. هي لغة شفيفة، بعيدة عن التكلّف، مشبعة بالحزن دون ابتذال، وبالخيال دون فجاجة. يترك السرد ليتدفق دون عوائق، كما لو كان صوتاً داخلياً يسرد نفسه، لا رواية مكتوبة.

في كل سطر، يتسلل المونولوغ الداخلي، أو يندلع حوار قصير، لكنه مكثف، حقيقي، يحمل شحنة إنسانية عالية. وهذه، ربما، أهم مميزات النص: أنه لا يشرح، بل يشعر.

 

الرواية كضمير موازٍ للتاريخ

أدب الحرب كثير، لكن الأدب الذي يجرؤ على تفكيك معنى الحرب، قليل. رواية مصطفى البلكي واحدة من تلك الروايات النادرة، التي لا تتحدث فقط عن القنابل والانفجارات، بل عن الدموع التي تسقط في صمت، عن الخوف الذي ينام في حضن الأمهات، عن الذاكرة التي لا تجد من يحتضنها.

في كل ذلك، تضع الرواية نفسها في قلب تقليد أدبي عالمي، امتد من الإلياذة إلى "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية"، لكنها تقدم صوتاً محلياً خالصاً، عربياً، جنوبياً، مؤنثاً، لا يقل فنيةً وعمقًا عن تلك الروايات الكبرى.

 

الأدب كملاذ أخير

في زمن تُختزل فيه الرواية في سلعة، ويُختزل الإنسان في رقم، تأتي هذه الرواية لتؤكد أن الأدب الحقيقي لا يموت، وأن هناك من لا يزال يكتب من مكان ناءٍ، بلا ضجيج، حاملاً على كتفه ضمير شعب بأكمله.

مصطفى البلكي لا يكتب رواية، بل شهادة حيّة، وحفراً في وجدان جماعي منسي. ومن قلب الصعيد، من قلب الحرب، من قلب امرأة تنزف، تأتي هذه الرواية لتذكرنا بأن الخيال ليس ترفًا، بل خلاصًا.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

اللجنة المصرية توزع آلاف الطرود الغذائية على سكان غزة.. فيديو وصور

الإعدام شنقا للمتهم بقتل زوجته حرقا فى الشرقية

اعترافات طلاب مطاردة فتيات الواحات: لاحقناهما وحاولنا إيقاف السيارة

أول صورة للمتهمين بمطاردة فتيات طريق الواحات

النيابة تستدعى مصور حادث مطاردة سيارة فتيات طريق الواحات لسؤاله حول الواقعة


والدة فتاة حادث طريق الواحات: “مش هتنازل عن حق بنتى.. والرعب اللى عاشته”

بيراميدز يتفوق على الإسماعيلى فى المواجهات قبل لقاء اليوم بالدورى

وفاة بطل حريق شبرا الخيمة متأثرا بإصاباته بحروق فى جميع أنحاء جسده

ذروة الموجة الحارة.. تحذير من الأرصاد للمواطنين والقاهرة تسجل 42 درجة فى الظل

زوجة "بيليه فلسطين" توجه نداءً عاجلاً إلى محمد صلاح


النيابة تحقق فى مطاردة 3 طلاب سيارة فتيات بطريق الواحات

هل يحتفظ عضو مجلس الشيوخ بوظيفته الأساسية أثناء الانعقاد؟ القانون يجيب

المطلقات والمرأة المعيلة أولوية فى وحدات بديلة بقانون الإيجار القديم

في ذكراها.. شويكار في تصريح سابق لليوم السابع: شقيقتى لم تعمل في مجال الفن

ناشئو اليد أمام إسبانيا فى ربع نهائى بطولة العالم تحت 19 عاما

هل يجوز إخلاء وحدات الإيجار القديم بالتراضى بعد صدور القانون؟.. التفاصيل

بعد قرار الجنايات.. فصل جديد ينتظر قضية "قهوة أسوان" بعد تأجيلها للمرافعة

14 ألف فرصة عمل و317 مشروعا.. المنطقة الصناعية بحى الكوثر نهضة كبيرة بسوهاج

لو مأجر قديم وعندك شقة تانية.. خد بالك القانون يقضى بالإخلاء

"أهداف متتالية وهاتريك تاريخي".. سجل حافل يدعم محمد صلاح ضد بورنموث

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى