إنذار مبكر.. الأفكار المتطرفة لم تمت بعد .. وعمليات تجنيد إرهابيين جدد لا تزال مستمرة

الكاتب الصحفى خالد صلاح
الكاتب الصحفى خالد صلاح
بقلم خالد صلاح

رغم اليقظة الشعبية التى عاشتها مصر في مواجهة جماعة الإخوان وغيرها من التنظيمات الإرهابية ، ورغم الضربات الأمنية المتعددة على كافة الأصعدة  وتفكيك العديد من الخلايا المسلحة إلا أن الفكر المؤسس لهذه الجماعات لم يمت بعد ، ولم تتوقف روافده الفكرية أو الإعلامية أو التحريضية ، ولم نجفف منابعه حتى الآن ، أو حتى نبدأ الحرب الشاملة على تجفيف تلك المنابع ،  بل إن ما يبدو اليوم هدوءا على السطح، قد يخفي في طياته  تحولات صامتة تزحف في صبر ماكر نحو مشروع إعادة تجنيد أجيال أخرى من الشباب للانضمام لدوائر العنف المسلح ، عاجلا أو آجلا .

أعرف من واقع تجربتي في صباي مع تلك الجماعات الإرهابية رائحة عمليات التجنيد ، أعرف جيدا حين تتحرك الذئاب المنفردة من هذه الجماعات في أوساط الشباب ، ويزرعون الغضب في الصدور ، ليحصدونه عنفا بعد عمليات التجنيد ، فتلك الأفكار الإرهابية لا تقدم نفسها للشباب قادمة من أبواب الشر ، بل ترتدي أثواب الفضيلة ، وتتكلم لغة الروحانيات الدينية ، وتخاطب العقول الحائرة لتشعل فيها نيران الغضب ، مرة على الأحوال الإقتصادية ، ومرة أخرى على الكرامة الإسلامية الضائعة تحت أقدام الإحتلال الإسرائيلي ، ومرة تحت شعار أخلاق الإسلام التى يتم سحقها في المجتمع ، ومرات أخرى حول فقدان الأمل في المستقبل ، ثم ينبت من رحم الغضب هذا الشعار الذي يخدع قلوب الصغار بأن الإسلام هو الحل ، وأن الجهاد ضد المجتمع هو ما سيفتح أبواب السماء بالرزق المنهمر ، ورحابة العيش ، فيسقط العشرات في الفخ الذي لا تنتهي مصائده الكريهة .

رائحة عمليات التجنيد يمكن أن تلمسها في التعليقات الغاضبة على صور الفنانين في الأفراح ، أو في محافز العزاء ، ويمكن أن تلمسها في البوستات التى تترحم على زمن الكرامة ، وعلى صلاح الدين الغائب عن القدس ، وفي التحريض الدائم لمصر على خوض حرب أو الاستعداد لحرب لم نسمع طبولها بعد ، ويبدو لي أن كل ما نراه على منصات التواصل الإجتماعي ، أو في بعض السلوكيات الفردية كالإعتداء على مدرسة مسيحية ، أو التحرش بالمصلين في الكنائس هنا أو هناك ، هو من آثار المرحلة الأولى من مراحل إعادة تجنيد أجيال جديدة في صفوف الجماعات الإرهابية .


فهكذا يبدأ التجنيد على مراحل :
المرحلة الأولى : إستدعاء الغضب الاقتصادي والإجتماعي والأخلاقي .
المرحلة الثانية : إثارة نعرات الكرامة الوطنية في مواجهة إسرائيل .
المرحلة الثالثة : المقارنات الرخيصة والساذجة بين صمود المقاومة وتخاذل البلدان العربية ، دون اعتبار لأن المقاومة لم تنتصر يوما واحدا ، بل عرضت شعوبها للدمار المستمر بلا لحظة نصر واحدة .

المرحلة الرابعة : إشاعة أساطير عن قصص فساد كبيرة ، وعن إعلام صامت موالي للسلطة ، ومطاردة الإعلاميين بهذه الإتهامات حتى يؤسسون لحواجز تحول بين الإعلام والعناصر الخاضعة للتجنيد ، ومن ثم يصم الشاب المستهدف سمعه وبصره عن الحقيقة ولا يستمع إلا لقصص الضلال والفساد والإنهيار الأخلاقي وضياع الكرامة الوطنية إلى آخر هذه المعزوفة التحريضية الدائمة .

المرحلة الخامسة : إقحام إسم مصر في أي معادلة صراع إقليمي ، وإستدعاء حوار حول الجيش المصري ، واستعداده ، وقوته ، ثم تعلية سقف مطالبة مصر بأن تكون طرفا في أي صراع لا ناقة لبلادنا فيه أو جمل.

المرحلة السادسة  : زرع الوهم في الشباب أن بلاده إن لم تتحرك ، فعليه أن يتحرك هو ومن معه باعتبار أنه يمثل ( العصبة المؤمنة الأولى ) على حد التعبير المفضل لدى سيد قطب ، وبالتالي فإن الشاب الذي يخضع لعمليات التجنيد يصدق هذا الوهم بأنه حين يبدأ في محاربة بلاده ، ومحاربة مجتمعه ، فإنه بذلك يكون في طليعة المؤمنين تمام كما كان المهاجرين الأوائل إلى الحبشة وإلى المدينة من صحابة رسول الله .
المرحلة السابعة  : بعد زراعة هذا الوهم تحين لحظة العمل ، والتكليفات ، وهيا بنا نقتل من جديد .

• أقول لكم ، أن هذه العمليات تجري الآن ، ورائحتها في كل مكان ، بينما نحن منشغلون ، وفرحون بانتصاراتنا منذ 30 يونيو ، ولم نكمل بعد مسيرة تجفيف منابع هذا الفكر الإرهابي ، ولم نقتحم حتى الآن حرب الخطاب الديني العقلاني ، ولا يوجد لدينا الكوادر الحقيقية الجاهزة لمواجهة هذه الجماعات ، ومن ثم فإن المعركة لم تكتمل بعد ، والخطر لا يزال قائما ، قد يستمر التجنيد ، عام أو عشرة أعوام ، لكن النتيجة أننا سنعود لهذه النقطة مرة أخرى في حال لم نبدأ في تحرك فكري وثقافي حقيقي مبكرا .

الفكر قادر على تجديد نفسه ، ويمكن عبر المراحل التي أشرت إليها أن يجدد نفسه ويسترد عافيته ويتسلل في هدوء ومكر إلى عقول وقلوب الشباب على المنصات الرقمية وشبكات التواصل الإجتماعي أو المدارس أو الجامعات أو التجمعات الشبابية في الريف أو المدن .

وهنا تأتي أهمية استعادة زخم مبادرة الخطاب الديني الجديد ،  خطاب لا يكتفي بالدعوة إلى الوسطية، بل يكشف زيف الرواية الكبرى التي تبيعها الجماعات الإرهابية للشباب باسم لخلافة العادلة والدولة الإسلامية القوية التى ستسيطر على الأرض من مشارقها إلى مغاربها ، إن تفنيد هذه الرواية يبدأ من كتب التاريخ الإسلامي نفسها ، فمن يقرأ الطبري أو بن كثير أو البلاذري أو بن عساكر أو حتى موسوعات السير والتراجم كالذهبي في سير أعلام النبلاء ، أو بن سعد في الطبقات الكبرى سيعرف بسهولة ، وبالعين المجردة أن العدل لم يتحقق أبدا على هذا النحو ، وأن هذا التاريخ لم يكن سوى صراعا سياسيا ملأته الدماء والحروب و اغتيالات الخلفاء، والاقتتال على الحكم، وذبح المعارضين، وسجن العلماء، وقمع الثورات، والصراعات الطائفية، والتوريث السياسي تحت عباءة الدين .

وكشف هذه القصص لن تصدم الشباب في دينهم كما يتوهم ، لأن الدين نفسه أطهر من كل ما جرى في التاريخ السياسي للحكام الذين تعاقبوا بعد موت النبي محمد صلوات الله عليه ، والرجال يعرفون بالدين ، ولكن الدين لا يعرف بالرجال ، ومن ثم فإن إدعاء الطهارة والقدسية في الحكم القائم على أساس الدين هو وهم تكذبه كتب التاريخ ، ومن ثم فإن علينا أن تبدأ مبكرا مواجهة عمليات التجنيد التى تزحف علينا مستغلة الحالة الاقتصادية المصرية ، أو الوضع الإقليمي المعقد ، وعلينا أن نبدأ الآن قبل أن تتسع الفجوة ، وينجح الجيل الجديدة من دعاة التجنيد ، في حشد قواهم مرة أخرى لتهديد مصر وأمنها وشعبها الصابر الصامد .
لا يكفي أن نحارب الإرهاب أمنيا ، أو نفرح بما حققناه من انتصارات ، ، بل يجب أن نمتلك الشجاعة لتعرية  الأساطير المؤسسة لهذا الفكر من المنبع ، وأن نقدم للشباب رواية صادقة تستند إلى فهم نقدي للتاريخ، وليس لتقديسه ، أو تقديس أشخاص لا يستحقون التقديس ، و علينا كدولة ومجتمع  ومؤسسات تعليمية وثقافية، أن نكون نحن أصحاب المبادرة لا رد الفعل و أن نبادر نحو خطاب عقلاني صلب ، لا يخجل ، ولا يتردد في كشف تناقضات الموروث السياسي في التاريخ الإسلامي .

التجنيد مستمر ، والحرب الفكرية ليست رفاهية ، واللهم فاشهد .

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

طارق مصطفى يعطل صفقة أحمد ربيع بسبب الزناري.. اعرف التفاصيل

بطولات صامتة فى مواجهة نيران حريق سنترال رمسيس.. كيف أنقذ رجال الحماية المدنية أرواح العاملين بعد 13 ساعة من العمل المضنى؟.. الإطفائيون يكتبون فصلًا من الشجاعة بعد السيطرة على الحريق ومنع وقوع كارثة أكبر

فناربخشة التركي يضم رسمياً جون دوران من النصر لمدة موسم واحد

دين هويسن يلحق بنهائي كأس العالم للأندية حال تأهل الريال

النيابة العامة تعلن إجراءات التحقيق فى حريق سنترال رمسيس وصولًا لأسبابه


الحكومة: خدمات المحمول ستعود بكامل جودتها قبل عصر اليوم بالشبكات الأربعة

الحكومة: سنترال رمسيس سيظل خارج الخدمة أسبوع أو أكثر مع استمرار الخدمات

حريق سنترال رمسيس..13 ساعة للسيطرة على النيران.. بدأ من الطابق السابع وامتد لباقى المبنى.. وتجدد 3 مرات..و12 سيارة إطفاء و2 سلم هيدروليكى.. والنيابة العامة تعاين الحادث وتكلف بالكشف عن الأسباب

مجلس النواب يوافق نهائيا على تعديل قانون التعليم

وزارة النقل تغلق الدائرى الإقليمى فى هذه المناطق


الحسابات الفلكية: الصيف يستمر 92 يوما و39 ساعة وهذا موعد بداية فصل الخريف

الزمالك يستعين بكهربا ومعتز إينو والشناوى فى شكوى زيزو لاتحاد الكرة

طلب خاص من وسام أبو على للأهلى لإنهاء شرط العشرة ملايين دولار

حريق سنترال رمسيس يؤثر على خدمات الاتصالات.. عمرو طلعت: عودة الخدمة تدريجيا خلال 24 ساعة.. تعويض المستخدمين من تأثر الخدمة.. وخدمات "النجدة" و"الإسعاف" و"الخبز" بالمحافظات لم تتأثر بالحادث

ترتيب الكرة الذهبية 2025.. صدارة فرنسية ومحمد صلاح رابعًا

الأهلى يخطر أشرف دارى بموقف النادى من العروض الخارجية خلال ميركاتو الصيف

فرص عمل فى الإمارات براتب يصل إلى 24 ألف جنيه شهريا.. التقديم لمدة 4 أيام

الزمالك يطالب حسام عبد المجيد بحسم موقفه من تمديد العقد

أسماء ضحايا حريق سنترال رمسيس من موظفي المصرية للاتصالات

تعرف على الطرق البديلة عقب قرار غلق الطريق الإقليمى لمدة أسبوع

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى