عِلَل الإقليم بين المناعة والمُمانَعة.. عن دوّامة المِحَن ودوامها بقبضة نتنياهو وبندقية المهدى

حازم حسين
حازم حسين
بقلم حازم حسين

لن يفرغ نتنياهو من حروب الخارج قبل أن يطمئن لوضعه فى معركة الداخل. وهو يتصرف كأنه محاصر من الأصدقاء قبل الأعداء، وينظر إليهما من زاوية واحدة.
ولا مبالغة على الإطلاق فى القول إنه يخشى الأحزاب التوراتية كخشيته من حماس، ويُرتب إيران على قدم المساواة مع منافسيه من يمين الوسط، وقد لا يُفرق فى عميق وعيه بين عبد الملك الحوثى وإيتمار بن جفير؛ بل حتى ترامب فى تحولاته الصاخبة قد يتقمص لديه صورة انتقال حزب الله من حدة حسن نصر الله إلى مراوغات نعيم قاسم.


ملك اليهود لا يرى إلا نفسه، والجميع فى مرمى نيرانه بمقدار ما يتهيّب من مخاطر أن يصوّبوا بنادقهم نحوه فى أية لحظة.
الإيمان المفرط بالذات بادئة الجنون، كما يُعمّى البصر والبصيرة عن حقائق الأرض وكوابيسها الثقيلة. والنصر إن لم يكن حاسما؛ يصير قيدا على صاحبه بأكثر مما يُرطِّب نفسيّته الملتهبة ويُسكّن مخاوفه العميقة.


والحال؛ أنه رابح نسبيا على كل الجبهات تقريبا، لكن الخصوم لا يُسلّمون له بذلك، فيما يطعن المنافسون فى سرديّته بالحسابات الآنية والمستقبلية.
ما يجعل الميدان شرطا للإفلات من كمائن السياسة، ويفرض عليه بالتبعية أن يمزج الخاص بالعام، والداخلى مع الخارجى، ليُوظّف كل حلقة منهما فى استجلاب ما بعدها، وتثبيتها، والتنقُّل بين البيئتين على جناح الضرورة أو الذريعة.


وبهذا؛ يكون بمقدوره أن يُبقى القتال خيارا دائما، وأن يخرج منه ويعود إليه بخفّة الحواة وغشومة السفاحين، وكلما انتظره طرف على وجه منهما، يفاجئه بارتداء القناع المضاد.


وجرت العادة على طول الشهور الماضية، أنه ينفلت من استحقاقات التهدئة مُعلّقا التبعة على كاهل حلفائه المتطرفين، ويذهب إلى الهُدن المتقطعة على موعدة لهم بالعودة السريعة.


يضرب فى غزة بينما يتحضر لجنوب لبنان، ويتقصّى أثر الحرس الثورى فى الشام تحضيرا لخلخلة بنيان السلطة الأسدية، ويُصعّد مع الحوثيين فى اليمن وعينه على العمائم الكبرى فى طهران، ويظل القطاع أصلا ثابتا بين الفواصل المتباعدة، ومُستراحا يعيد فيه اختبار أدوات الترويع وكى الوعى، ويُرتّب أوراقه استعدادا للإغارة التالية.


والتضحية بالمواجهة مع حماس، لا يمكن أن تكون مقبولة من جانبه إلا بالنظر إلى بقية الجبهات، وما تحقق له فيها حتى الساعة، ومقدار ما تقتضيه لعبة التعلل ووصل الحبال المنقطعة بين أذرع الممانعة وساحاتها الرديفة.


وبعيدا من الروايات المتضاربة وصدام الدعايات؛ فإن واقع المواجهة الشاملة سيُستدل عليه بما سيُتّخذ من قرارات تجاه بيئة الطوفان، وليس العكس.
أى أن تقويم أثر الشهور الماضية وما إذا كانت تُحسب على النصر أو التعادل، لا يقود بالضرورة إلى استخلاص نهائى بانقضاء فاعلية الهجمة على الغزيين.
إنما ما سيُقرّه فى جولة التفاوض الراهنة وامتداداتها الزمنية على مدى الشهرين المقبلين، وإمكانية الانتقال من العابر فيها إلى الدائم، سيُوفّران الخلاصة الأخيرة لرؤية زعيم الليكود بشأن الحروب المتداخلة على امتداد المنطقة، وما إذا كان سيُلقى القفازات حتى موعد آخر، أو سيحتفظ بها فى كفّية ولو بدا أنه يتوقف مؤقتا عن تسديد اللكمات.


وإلى الساعة؛ فلم تُحسَم سوى واحدة فقط من خمس جبهات أو يزيد. والفضل فيها لا يعود إلى قوة جيش الاحتلال وفاعليته؛ بقدر ما يُرَد إلى تفكيك التوازنات القديمة وإحلال بدائل إقليمية واسعة الطيف لها، ما أفضى إلى إبعاد روسيا عن دمشق جزئيا، وإجبار طهران والحزب على الابتعاد؛ لينتقل الجولانى من إدلب إلى قصر المهاجرين كفاتحة لمرحلة من دون وصاية إيرانية على الشام، وبانكسار قاس للهلال الشيعى من خاصرته الأهم والأكثر هشاشة.


أما ما دون ذلك؛ فالميليشيات ساكنة لا مُتجمّدة، ومبتعدة لا مُبعَدة، وتُحايث بين المواءمات العملية بطابعها الاضطرارى، والتأجيج الخطابى المحسوب. وإذ لا تشكل خطرا ظرفيا أو وجوديا على الدولة العبرية حاليا؛ فإنه لا يمكن الادعاء بأية نسبة فيما يخص الإجهاز عليها أو تحييدها، مع بقائها فى رُزمة الأوراق والفواعل المُرجأة من جانب المرشد الأعلى وصقوره الميدانيين.


وتلك نقطة إن لم تكن صالحة لتسويغ مزاعم نتنياهو الأمنية؛ فإنها تظل صالحة على الأقل للتلطّى وراءها وإثارة الغبار بين وقت وآخر، وكلما استدعت حاجته الشخصية.


وعليه؛ فالسياق القائم ينطوى على مَس عميق بقدرة المشروع الأصولى المضاد للصهيونية، لكن بما لا يصل مطلقا لدرجة القضاء الكامل عليه، أو إعادة ترسيم خرائط الشرق الأوسط كما تطلع نتنياهو بصيغة أقرب إلى الأمنية من الإمكانية.


اهتزّت الصفائح التكتونية للإقليم، وصُحّفت بعض أوتادها الرواسخ عن مواضعها؛ لكنها ما تزال بعيدة بالكلية عن السبك فى قالب جديد تماما. ولعلّها مرحلة وسيطة بين الموروث والمأمول، تسيل فيها الخرائط بقوة النار والهياج المتبادل، ويتعذر على أى من المتحاربين أو الواقفين بينهما تجميدها وفق النمط الذى يريده، أو يحقق مصالحه بمعزل عن شواغل الآخرين.


وهذا التصور أخطر ما يُحوّم فى سماء غزة؛ لأنه يُباعد الواقع عن تمنّيات الخروج من المأساة الداهمة، ويقطع بانصراف طاقة الطرفين إلى إبقاء الأمور على حالها، وعدم التفريط فى منطلق الشرارة الأولى؛ لكونها العنصر الحفّاز والأكثر تأثيرا فى معادلة الإشعال والإطفاء، وبها يصير افتتاح المعارك الطرفية أسهل، والاستدراج إليها ميسورا وقليل التكلفة، وبغيابها ترسو العلاقات المتوترة على مرفأ لا يريح العدوين اللدودين، ولا يحفظ لهما جذوة الصراع تحت أشراطه الوجودية أو القيمية.


فلسطين مكون أصيل فى أجندة إيران الخمينية، وهى كل ما تنبنى عليه سردية الصهيونية ومدار تعريفها الوظيفى والأداتى منذ تقرر حشرها فى المنطقة عنوة.
كان المرشد الأول للثورة الإسلامية واعيا لحاجته إلى تكئة أخلاقية تردم فجوات العرق والمذهب؛ فأسس برنامجه على ساقين متكافئتين: تصدير الثورة بديلا عن المظالم وأزمنة الخنوع، وأن تكون قضية الفلسطينيين الأمثولة الدائمة والمسرب الذى يصل خرائط الإقليم ببعضها.


أما الصهاينة فإنهم يطمعون فى الجغرافيا كاملة، ويعرفون أنها المسمار الذى يمكن أن يشبك لهم خيوط البيئات المحيطة كلها، ومنها استدرجوا العرب فى النكبة، واقتفوا آثارهم فى النكسة، ولن يتوقفوا عن ترحيل المشكلة إليهم ببشرها ومآسيها، والنزوح من ورائها تتبعا للخطر الذى يتنقل وتتبدل أحواله؛ إنما لا ينطفئ ولا يفنى، لأنه حقيقى عادل ولم يُستحدث من عدم.


ما تزال جُملة وزير الخارجية الإيرانى السابق حسين أمير عبد اللهيان ترن فى الأسماع، عندما قال إن ما يجمعهم بالصهيونية على كل اختلافاتهم العميقة هو الرفض الكامل لحل الدولتين.


وليست مصادفة أن يُجدد خلفه الحالى عباس عراقجى ذات الرسالة أمس، وبالتزامن مع زيارة نتنياهو لواشنطن ولقائه ترامب فى البيت الأبيض، مجددا ما يعدّه الملالى ثابتا مقدسا، ويتلاقى مع رؤية حماس والأصولية السنية عن الوقف الإسلامى والمطالبة الدائمة بدولة من النهر إلى البحر.


وإذ يُحمَلُ موقف الفصائل على تفاوت الرؤى الوطنية، وغياب المشروع الجامع؛ فإن دخول حليفهم الفارسى على الخط ينطوى على رغبة فى تأميم القضية، وانتزاعها من أصحابها لتكون حجرا فى معمار الفكرة الأممية الثورية، وليست نزاعا يخص مُلّاك الأرض وتُرتّب أولوياته بما يحقق مصالحهم حصرا، لا بما يختطفهم ويتخذهم رهائن لصالح أفكار وترتيبات فوق فلسطينية، وتتخطى حدود الجغرافيا والديموغرافيا وكامل التراجيديا الإنسانية الممتدة منذ ثمانية عقود، والمفتوحة على احتمالات أفضلها سيئ، وكلها خطرة وشديدة الإزعاج للأسف.
لا أعرف ما سيترشّح عن اللقاء الثالث فى المكتب البيضاوى بين نتنياهو وترامب. أكتب ظهيرة الثلاثاء بتوقيت القاهرة، فيما يستعد قاطنو العاصمة الأمريكية للاستيقاظ من نومهم ومُطالعة مجريات الجلسة الحميمية بين حليفين ودودين للغاية.
إنما ما يُمكن استقراؤه من سوابق الأحداث؛ أنها علاقة زواج كاثوليكى يشهد عليها حشد هادر من المسيحانيين المخلصين لخلطة إنجيلية توراتية لا منطق فيها على الإطلاق.
والشراكة بينهما عميقة لدرجة أن ينزل ملك الولايات المتحدة من عليائه لملك إسرائيل، ويلعب دورا ثانويا لصالحه فى لعبة خداع إيران، مع المغامرة باحتمالية الدخول فى الحروب بدلا من وعود الخروج منها أو منعها. فضلا على صمته المرير والمُريب والفاضح عن جرائم الإبادة الجماعية فى غزة، واقتحامه لمواطن عفّة الدولة العبرية ومناط فخرها، داعيا لتبرئة صديقه من اتهامات الرشى والفساد، وإبعاده عن يد القانون وسلطة القضاء.
ولم يشغله أن تنام تل أبيب عاصمة من العالم الأول؛ لتستفيق على حالة استتباع فجة وصادمة تحوّلها إلى ولاية أمريكية ناقصة الأهلية، أو جمهورية موز كتلك الجمهوريات التى تلاعبت بها الشركات الأمريكية فى حديقتها اللاتينية الخلفية.
والمعنى؛ أن طموح ترامب وأطماعه تقوده للاستئساد على الجميع إلا إسرائيل، ونظرية الرجل المجنون فعّالة مع كل حكومة وحاكم باستثناء نتنياهو.
وعليه؛ فلن يُفرَض على زعيم الليكود ما يأباه، أو ما يرى أنه لا يحقق أهدافه الخاصة؛ فيضع إسرائيل حائلا بين الفكرة وتطبيقها.
إن تعطلت صفقة غزة فلأن جزّار الصهيونية لا يريدها، وأن أُبرِمت فلأنها تصب فى مجرى خياله الحربى والسياسى للداخل والخارج، وضمن حزمة توافقات تبدأ من القطاع ولا تنتهى فيه حتما، وصولا إلى مطاردة الشيعية المسلحة فى مركزها وحواضنها الطرفية، ومن دون قرار صارم بوقف المذبحة أو قطع الطرق عليه حالما يريد العودة إلى تعليق ما تبقى من حماس، فى سنارة اصطياد ما يُعاد تجديده أو تصليب جدرانه الهشة من طلل الممانعة.
كان مبعوث واشنطن لسوريا، السفير فى أنقرة وذو الأصول اللبنانية توم برّاك، ضيفا على بيروت قبل نحو ثلاثة أسابيع. سلّم الرئاسات الثلاث ورقة بالشروط الأمريكية لاستكمال اتفاق وقف الأعمال العدائية وتفعيل القرار الأممى رقم 1701، وعاد إليها أمس بالتزامن مع عناق ترامب ونتنياهو فى ردهات البيت الأبيض.
وضع الرجل رسالته بعلم الوصول، ثم أتى لاستحصال الرد، وما أُتيح بشأن الأخير من حصاد عمل اللجنة الثلاثية المشكلة من الرؤساء جوزيف عون ونبيه برى ونوّاف سلام، بدا أكثر اقترابا لتصوّر حزب الله من رؤية الدولة وشواغلها.
وأهم ما فيه أنه لا مجال للحديث فى حصر السلاح بالكيفية المتفق عليها، أو الضامنة لتجنيب لبنان أعباء ازدواجية القرار وكبش النار الإيرانية الطافحة من الضاحية الجنوبية.
وبقدر ما يُعبر الطرح عن تراتبية زمنية بين التزامات الاحتلال والميليشيا؛ فإنه يكشف للأسف عن رغبة مضمرة لدى الأخيرة فى التفلّت من الاستحقاقات الواجبة، لا إزاء الصهاينة وحدهم، بل مع الشركاء الداخليين أولا.
استُبق ذلك بعراضة عسكرية على مرمى حجر من مقر الحكومة فى قلب العاصمة، ثم إعادة إحياء لخطابات العصمة وتأبى السلاح المقاوم على طموحات النزع أو الانضواء تحت خيمة الدولة وسلطتها الدستورية.
وبعد أسابيع من التهدئة والاحتواء الخطابى، عادت أحاديث المنعة وقطع اليد التى تمتد على الترسانة الحزبية، وتكررت الإفادة نفسها على ألسنة نواب ومسؤولين سياسيين من الحزب ومحازبى الثنائى الشيعى، وحافظ رئيس البرلمان على الغطاء السياسى للانفلات العسكرى.
أما أوضح التبيانات وأكثرها إزعاجا فجاءت على لسان الأمين العام، نعيم قاسم، وثبّت فيها صراحة وضمنيا ثلاثية «جيش/ شعب/ مقاومة» الساقطة تحت القذائف واستجلاب الخراب، وشدد على أنهم ثابتون على موقفهم القديم، وجاهزون لكل الاحتمالات إلا أن يكونوا شريكا فى الدولة، لا فوقها ولا على قدم المساواة معها. وكل ما سيق سابقا عن الاستهلاك الدعائى لتثبيت الحاضنة الشعبية، لا يعفى من استشعار خطورة المكاسرة الطائفية وتوظيف فائض القوّة لحراسة وضعية تمييزية يحوزها الحزبيون منذ اغتيال الحريرى واقتحام بيروت.
وليس أدل على ذلك من المناكفة فى قانون الانتخابات، ورفضهم المطلق لتفعيل حق المغتربين فى التصويت وفق دوائرهم، بدلا من حصرهم فى ستّة مقاعد تتوزع على دوائر بأحجام قارات الأرض.
ما يعنى أن سردية الأوزان الديموغرافية ولعبة العد التى هدد بها نصر الله طويلا، ما تزال ثابتا أصوليا فى عقيدة المغالبة ومنهجية الثلث المعطل، ويُراد تسييدها على بقية الخيارات بكل السبل، ولو كانت تعرية الآخرين من حقهم فى المواطنة والندية الكاملة.
وعلى مقلب غير بعيد، يعيش العراق تماوجا شبيها من دون معارك أو اتفاقات ملزمة. إذ دعا مقتدى الصدر لإعادة تنظيم أبنية الدولة ومؤسساتها، وربط بين التصدى للفساد والنظر للميليشيات وسلاحها المنفلت.
ومن بعده دعا آخرون منهم رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم لحصر السلاح فى يد الدولة، فردّ قادة التنظيمات الشيعية الموالية لإيران بالرفض والاستهجان، وللمفارقة الدالة كانت أكثر الردود فجاجة من حظ النسخة العراقية من حزب الله، عندما قال مسؤوله الأمنى أبو على العسكرى، بأن سلاحهم لا يُسلّم إلا بيد الإمام المهدى، سابغا عليه صفة روحية مقدسة بجانب فاعليته الزمنية، ومؤبدا بقاءه اتصالا بمشروطية العودة إلى الإمام الغائب، وإن لم يكن فمندوبه على خامنئى، وهو بطبيعة الحال لن يُفرّط فى القداسة المهدويّة، كما لن يُجرّد إيران من آخر أوراقها الصالحة للاستخدام عندما تقتضى الحاجة.
ولا يحتاج نتنياهو من خصومه أكثر من هذا على الإطلاق. وإذا كان «طوفان السنوار» قد قدم له هدية مجانية عن تشوّق واحتياج حقيقيين؛ فإن مناكفات أذرع الممانعة تمدد له حبال الذريعة إلى آخرها، ولا تستبقى الفخ الغويط مكشوفا وفاغرا فمه فحسب؛ بل تُحفز الواقعين فيه على مواصلة الحفر وتعميق امتحاناتهم دون مقتضى أو ضرورة.
فالحال؛ أن طهران تلصصت على حلفائها بينما يهطل الجحيم فوق رؤوسهم من الطائرات الأمريكية المزينة بنجمة داود، قبل أن تنتقل إليها وتمرح فى سماء فارس دون رادع أو رقيب، والكتلتان إذ انتكستا بالكيفية ذاتها؛ لا حمت إحداهما الأخرى، ولا منعا لفحة النار عن وجوه الغزيين وأعصاب حماس العارية.
وحُكِمَ على شعار «وحدة الساحات» الذى رفعوه جميعا بالتعطيل من جانبهم، ولم يُفعّله سوى نتنياهو وعصابته عندما استفرد منهم بالشاة الشاردة، ثم استدرجهم بالتتابع إلى حظيرة التأديب، ومن استُثنى مؤقتا فلأنه لا يشكل خطرا، أو يقف بعيدا من مدى التأثير الممكن، وتحكمه اعتبارات لا يمكن تخطيها مع الولايات المتحدة، وتمركزاتها المعبئة للمنطقة وأغلب دولها المحيطة ببلاد الرافدين طولا وعرضا.
وعليه؛ فإن الممانعة كانت لها الولاية الكاملة على الرصاصة الافتتاحية حصرا، ولا فارق فى ذلك أن تكون قد انطلقت بترتيب مع السنوار أم باستبداد خالص من جانبه؛ فالواقع أنها ما أحدثت الأثر المطلوب لجهة إرباك الاحتلال وإغراء الممانعين بتطويقه والإجهاز عليه.
وبدلا من ذلك سمحت لحكومته الأسوأ، ضمن سلسال كان سيئا ووحشيا من البداية، بقضم ما تيسّر من الوجبة القريبة، والتلمظ على الولائم البعيدة بتؤدة وسعة فى الخيارات وموفور من البدائل المتشابكة. والسياق اليوم أسوأ مما كان عليه قبل ساعات من هجمة الغلاف، بل ومن أردأ الكوابيس التى حاكت بصدر الممانعة ومرّت على رأسها المحجوب بعمامة كبيرة سوداء.
وفيما يُبشّر استمراء المغامرة بمزيد من النكبات؛ فإن إطلاق الرصاص يتساوى فى الحجة والأثر مع الاكتفاء بتلويح البنادق، ولا بديل عن الاتضاع لوقائع الميدان ومحاولة الخروج منه بأقل الخسائر، أو اجتناب المراهقة السخيفة التى اعتادتها الأصوليات فى كل تجاربها، وخلاصتها أنه إما أن نربح وحدنا أو يخسر الباقون معنا، وربما قبلنا إن أمكن.
ستكتفى واشنطن بالضغط على كتف بغداد، ولن تُهدد بيروت علنا أو بصريح العبارة. المعلوم بالضرورة ولو كان مُضمرا؛ أن الحزب مطوّق بسوريا الجديدة شرقا وشمالا، ولا عبء فى حصاره من البحر أيضا.
وبهذا سيختنق وتتآكل سطوته الفاعلة وراء نهر الليطانى والخط الأزرق، ولا غضاضة فى أن تتبقى له من مفاعيل القوة ما يرعب منافسيه الداخليين ويكبس على أنفاس الدولة كلها.
لن يكون الإعمار ممكنا قبل الوفاء بالمتطلبات، وسيتحرك الإقليم على إيقاعه الجديد تاركا لبنان فى الخلفية، والمبرر المسبق أنها إرادتهم الذاتية، أو بالأحرى إنعدام إرادتهم، ولهم الخيرة فيما اختاروا. وليس خفيا أن بعض القوى العربية الفاعلة تتلاقى مع الأجندة الأمريكية، ولن تضطلع بأية أدوار على صعيد الاحتضان والمداواة وإغلاق دراما الحرب المعلقة خارج الاشتراطات الموصوفة نصا ومعنى.
أما التشغيب فبقدر ما يكبح المسيرة الوجوبية بالظرف والاحتياج؛ فإنه يستبقى تعلّةً جاهزة لنتنياهو، ورصيدا قابلا للصرف دوما فى سياق ورقته المكملة مع الأمريكيين، ومسموحاتها المفتوحة على المراقبة والتقصّى والإغارة على الليطانى وما وراءه حتى أقصى الشمال.
الهزائم تُبدّل الوقائع ولا تُغيّر الحقائق؛ لكنها إنكارها والتعالى عليها يُحمّلان المهزومين فواتيرها السلبية، ولا يمنحانهما أيًّا من مزاياها. ستظلّ المقاومة حقًّا مشروعًا؛ إنما ليس شرطًا أن تكون بالكيفية السابقة، أو انطلاقا من الوسائل التى أثبتت خطأها.
حماس لا حرّرت عموم فلسطين ولا حافظت على القطاع، وأعادت القضية عقودًا للوراء. الحزب أعاد الاحتلال إلى لبنان بعدما عاش يتفاخر بتحريره منذ العام 2000، ودخول البعث الثورى فى عباءة إيران أطاحه عن عرشه فى الأخير، وأدخل الشام فى استقطابات طائفية لا تقل فداحة عن سابقتها. نتنياهو يحصد بالجُملة والمفرّق، ويربح من وفاق الإخوة الأعداء؛ ولا مُبرِّر لمُضاعفة أرباحه بشقاقهم.
هُدنة غزّة ينبغى أن تكون فاتحة لسياق فلسطينى مُغاير بالكامل، ومُنطلقًا نحو العودة للمشروع الوطنى، تجديدًا وتكييفا أو إعادة إنتاج من البداية. ويتعيّن على الحزب أن يدخل فى دين الدولة؛ لأن الدويلة أثبتت عطالتها عن الفعل، والاستتباع أورثه هزيمة الخارج واحتقار الداخل. وكذلك الحال فى بقيّة البيئات.
يتعلّم الصهاينة من أخطائهم؛ وينتفعون بأخطاء خصومهم أكثر من صوابهم. وآن للجغرافيا أن تتشافى من أدرانها الذاتية؛ لأنه لا قِبَل لها بالتصدّى للعِلَل المُتتابعة عليها؛ بينما تستمرئ بعض أعضائها العمل بمعزلٍ عن الكيانية المُتجانسة، أو تتفرغ مُمانعتها لإضعاف مناعتها، وتسليمها صيدًا سهلاً، وفى كلّ مرّة بأسوأ مِمّا قبلها للأسف.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

محمد فؤاد يشعل افتتاح المسرح الرومانى بباقة من أجمل أغانيه

مواعيد مباريات منتخب الناشئين فى كأس العالم قطر 2025

تعرف على موعد صرف تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة

غادة عبد الرازق تكشف عن تعرضها للإصابة وتجلس على كرسى متحرك

موعد انطلاق فترة إعداد الأهلي للموسم الجديد


مانشستر سيتي: هالاند يستمع إلى ألبوم عمرو دياب الجديد

ننشر قوائم المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ عن دائرة محافظة كفر الشيخ

ننشر قوائم المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ عن دائرة محافظة المنيا

ننشر قوائم المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ عن دائرة محافظة بنى سويف

7 أخبار رياضية لا تفوتك اليوم الجمعة 11 – 7 – 2025


العراق يرحب بإعلان "حزب العمال الكردستانى" بدء عملية تسليم السلاح

55 مستشفى حميات لتقديم خدمات علاج ضربات الشمس والإجهاد الحرارى.. وزارة الصحة توضح معلومات مهمة حول مواجهة الموجة الحارة.. تحذر 3 فئات من الخروج فى أوقات الذروة.. وتوفر غرف الإجهاد الحرارى بالمستشفيات

شقيق حامد حمدان: أخى فى حالة نفسية سيئة ومستعد للعب للزمالك دون شروط

الهيئة الوطنية تنشر آلية استعلام المواطنين عن مقر اللجان بانتخابات مجلس الشيوخ

بيان رسمي من مودرن سبورت يكشف كواليس أزمة جنش

سر تجدد اشتعال النيران في سنترال رمسيس.. مدير الحماية المدنية الأسبق يوضح

شاهد بوستر فيلم "روكى الغلابة" بطولة دنيا سمير غانم

الجفالي ومهاب ياسر والجزيرى فى تشكيل الزمالك أمام أورانج

حامد حمدان يواصل الضغط على بتروجت: خلقت الأحلام كى تتحقق وليس لتمنع

اندلاع حريق فى دبى مول بمنطقة الشيخ زايد.. فيديو وصور

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى