قصة السينما.. الواقعية كما قدمها كمال سليم

نواصل الحديث عن فيلم العزيمة، أفضل فيلم في ثلاثينيات القرن العشرين، ورائد سينما الواقعية في مصر، وهو ما تحدث عنه سعد الدين توفيق في كتابة "قصة السينما" والصادر في سنة 1969.
الواقعية
أبرز ما فى فيلم "العزيمة" هو الجو المحلى الذى ظهر بصورة واقعية ملفتة للنظر، فأنت تعيش مع هذا الفيلم فى حارة حقيقية، حارة تجدها فى أى حى شعبى فى بلادنا، واهتم كمال سليم بخلفية الصورة اهتماما كبيرا، ومن هنا جاءت مشاهد الحارة نابضة بالحياة فعندما يسير الأسطى حنفى مثلا من بيته إلى دكان الحلاقة الذى يملكه تلمح طول الوقت أن الحركة فى الحارة نشيطة.
فهناك مثلا بائع الفول يقف بعربته وحوله زبائن يحملون سلاطين، وترى الجزار يقطع اللحم لزبائنه ويناقشهم فى طلباتهم.
ونلاحظ أن الأطفال يلعبون فى جماعات، وتجد الأم التى تطل من نافذة بيتها لتنادى الباعة أو تدعو أطفالها للذهاب إلى البيت، وتجد صبى القرآن يحمل على رأسه ألواح الخبز، وبائع اللبن الزبادى ينتقل من بيت إلى بيت، والحنطور يتهادى فى الحارة.
كل هذا يجرى فى خلفية الصورة بينما يستمر الأسطى حنفى فى طريقه إلى دكانه، فالحارة عند كمال سليم ليست مجرد ديكور هو يملأ خلفية الصورة ليقدم لك روح الحارة وجوها والشخصيات التى تعيش فيها.
ومن المشاهد البارزة فى فيلم "العزيمة" مشهد عاطفى بين بطل الفيلم محمد حنفى وحبيبته البطلة فاطمة، وفى هذا المشهد نرى محمد فى طريقه إلى بيته، وعندما يصل أمام بيت فاطمة يلاحظ أن فاطمة تقف فى الشرفة وتنادى شقيقها الصغير الذى يلعب مع أقرانه وتطلب منه أن يصعد إلى المنزل، ولكن الطفل يرفض طلبها ويقول إنه سيلعب مع الأطفال كمان شوية. . وهنا تلجأ فاطمة إلى محمد لكى يمسك هذا الطفل الشقى ويسلمه لها على سلم البيت.
وفعلا يقبض محمد على الطفل ويأخذه إلى السلم حيث نرى فاطمة وقد نزلت الدرج لتأخذ شقيقها.
ويخشى الطفل أن تضر به أخته فتعده فاطمة بأنها لن تضربه. ولكن الطفل لا يصدقها، ويطلب من محمد أفندى أن يمسك بيديها حتى يتمكن من الصعود ويفلت من العقاب.
أمسك محمد يدى فاطمة ويصعد الطفل فورا إلى بيته، ويظل محمد محتفظا بيدى فاطمة فى يديه حتى بعد أن يختفى شقيقها. ثم يتبادلان حوارا قصيرا عن حياتهما فى المستقبل عندما يضمهما عش واحد، ويقترب محمد من فاطمة وهما يجلسان متجاورين على السلم لكى يطبع قبلة على شفتيها، فتنفر فاطمة بسرعة صاعدة الدرج. وهى تقول له : يا ندامتی عیب یاسی محمد، ولكن محمد يهددها أنه سيتبعها إلى باب شقتها، وتخشى فاطمة أن ينفذ محمد تهديده وأن يعدو وراءها. تخشى أن يراهما أحد وهما معا على السلم. فتتوسل إليه أن يبقى فى مكانه، وأنها ستنزل إليه.
وعندما تنزل بضع درجات وتصبح قريبة منه، يخطف محمد قبلة سريعة منها، وهى تتمنع وتتدلل.
وجاء هذا المشهد العاطفى غاية فى الرقة والعذوبة وخفة الدم، وقدم فيه كمال سليم صورة بديعة من الغزل على السلم بين الشاب وبنت الجيران، وراعى كمال سليم الجو الشعبى، فنقله بصدق بلا افتعال.
وتلاحظ أيضا فى مشهد "المولد" فى الحارة، أن كمال سليم نقل إلى الشاشة لوحة فنية بديعة عن الحياة فى أحيائنا الشعبية قدم لنا استعراضا سريعا لمظاهر الاحتفال بالمولد فى بلادنا (الزينة، باعة الحلوى، الالعاب التى تقام فى ساحة المولد مثل لعبة الكبسولة وفيها يدفع اللاعب قطعا من الحديد على قضيب مائل ينتهى بكبسولة تنفجر عندما ينجح اللاعب فى دفع الحديد بقوة شديدة، ولاعبو السيرك الذين يستعرضون جو المرح والبهجة الذى يسود الاحتفال).

Trending Plus