مصر ضيف شرف معرض فنزويلا الدولى للكتاب.. تفاصيل المشاركة المصرية

افتتح معرض كراكاس الدولى للكتاب بحضور الرئيس نيكولاس مادورو، الذى حرص أن يكون الجناح المصرى وجهته الأولى فى تفقد أروقة المعرض، تقديرًا لمكانة مصر الثقافية والحضارية، ورافقه وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو، والسفير المصرى كريم أمين سفير مصر فى فنزويلا، فى إشارة قوية إلى البُعدين الثقافى والدبلوماسى لهذه المشاركة.
وتعد مصر أول دولة عربية تشارك كـ"ضيف شرف" في تاريخ هذا المعرض، مما يرسّخ مكانتها في الذاكرة الثقافية اللاتينية، ويمنحها امتيازًا يمكن البناء عليه مستقبلًا عبر التبادل الثقافي.
واحتفلت هذه الدورة من المعرض بمرور خمسة وسبعين عامًا على العلاقات الرسمية بين القاهرة وكاراكاس، والتي تعد من أقدم العلاقات العربية-اللاتينية، هذا الاحتفاء يؤكد أهمية الدبلوماسية الثقافية بوصفها أداة مكمّلة للدبلوماسية السياسية، لتبني جسورًا من التفاهم والتقارب بين الشعوب، العلاقات المصرية-الفنزويلية علاقات عميقة ومتجذرة؛ ولهذا فإن استضافة مصر كضيف شرف تُعد بداية لمرحلة جديدة من التفاعل الثقافي والحضاري بين البلدين.
لقد كانت فنزويلا من أوائل دول أمريكا اللاتينية التي دعمت القضايا العربية، لا سيما في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة، هذا الدعم التاريخي يمثل قاعدة صلبة يمكن البناء عليها لتعزيز الروابط الثقافية والعلمية، ما يجعل الثقافة جسرًا مناسبًا لاستعادة هذا الإرث الثري من خلال النشر والترجمة والبحث العلمي المشترك.
ويؤكد تصميم شعار المعرض هذا العام التلاقي الثقافي بين مصر وفنزويلا، حيث جاء على هيئة هرم مصري، مع زخارف وألوان لاتينية مميزة، فالشعار، بتصميمه المبتكر هو تجسيد بصري للاندماج الثقافي العميق بين الحضارتين، بالإضافة إلى ذلك، صُمم شعار خاص للاحتفاء بمرور خمسة وسبعين عامًا على العلاقات المصرية الفنزويلية.
مثل الجناح المصري في المعرض مرآةً نابضةً لهوية مصر الحضارية الأصيلة، وذلك من خلال تصميمه البصري الذي جمع بين الرمزية المصرية القديمة وعمقها التاريخي، والبساطة المعاصرة التي تعكس حيوية الثقافة المصرية الحديثة.
وقد ضم الجناح مجموعة غنية من الإصدارات لمؤسسات ثقافية عريقة، شملت: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ودار الكتب والوثائق القومية، والمركز القومي للترجمة، والمجلس الأعلى للثقافة، وكذلك المؤسسات الدينية المصرية وعلى رأسها الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف المصرية، وقد تنوعت هذه الإصدارات لتشمل ألوانًا عديدة من الآداب المصرية والعربية الأصيلة، والفنون المختلفة، إضافة إلى دراسات فكرية متعمقة لكوكبة من رموز الفكر والإبداع المصريين، والتي قدمت باللغتين العربية والإسبانية لضمان وصولها لأوسع شريحة من الجمهور اللاتيني الشغوف بالثقافة المصرية والعربية.
ولم يقتصر العرض على المطبوعات، بل امتد ليشمل معروضات بديعة من صندوق التنمية الثقافية، تضمنت فنون النسيج المصري اليدوي، ومجموعة واسعة من الحرف اليدوية المصرية التقليدية بأنواعها المختلفة، التي تجسد الإبداع والمهارة المتوارثة عبر الأجيال.
وهذا حضور المصري لم يكتفِ بالشكل الجمالي فحسب، بل قدَّم نموذجًا تفاعليًا حيًا؛ إذ عكست هذه المعروضات "التراث المُعاش" الذي يشكل جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية والثقافة المصرية الأصيلة، كما أن الجمع بين الكنوز المعرفية المتمثلة في الكتاب، والفنون المتجسدة في الحرف التراثية، يُعبّر بوضوح عن عمق الهوية المصرية، رابطًا بين جذورها الضاربة في القدم وحيويتها المعاصرة، مقدمًا بذلك صورة شاملة ومتكاملة للحضارة المصرية الخالدة، و شهد المعرض إقامة العديد من المحاضرات والندوات الفكرية المتخصصة، قدمها نخبة من الأساتذة والمفكرين المصريين البارزين، مما أثرى الحراك الثقافي للمعرض:
الدكتور أحمد زايد.. تناول في محاضرته مكتبة الإسكندرية، مستعرضًا دورها الإقليمي والدولي ومكانتها الثقافية المرموقة. كما أبرز مشاريعها العلمية والثقافية الطموحة، وما يمكن أن تقدمه هذه المنارة المعرفية للعالم أجمع من إسهامات قيمة.
الدكتور أسامة طلعت.. قدم ندوة شيقة حول الحضارة المصرية عبر العصور، مركزًا على الحضارتين الإسلامية والقبطية. سلط الضوء على اهتمام مصر البالغ بصون إرثها الثقافي العريق، ودور هذا الإرث في صياغة هوية مصر الحالية، متناولاً كذلك رحلة العائلة المقدسة وأهميتها التاريخية والدينية.
الإعلامي سيد جبيل.. استعرض تجربته في الإعلام المحايد والموضوعي، الذي لا يتبنى أجندة معينة ولا يعتمد على تمويل يفرض عليه قيودًا، مما يحرره من ضغوط أصحاب المال والجهات الرسمية. تركز هذه التجربة على محاولة رصد وفهم مواقف الدول من القضايا المختلفة، وتبسيط القضايا الجيوسياسية والاقتصادية المعقدة بلغة واضحة ومناسبة للجميع، دون ابتذال يخل بالعمق.
المعماري حمدي السطوحي.. قدم قراءة ثقافية متعمقة في العمارة التقليدية المصرية، محللاً دلالاتها الحضارية وقيمها الجمالية التي تتسق مع البيئة والإنسان. وأكد أن العمارة التقليدية تحمل في طياتها المعنى الحقيقي لكلمة "سكن"، حيث تجسد الانسجام بين الإنسان ومحيطه.
كما أُقيمت قراءة نقدية وشعرية لأعمال الكاتب والشاعر طارق وليم صعب، والذي يشغل منصب النائب العام لجمهورية فنزويلا، مما أضاف بعدًا آخر للتبادل الثقافي بين البلدين ومن المتوقع أن تشهد قاعة مصر في المعرض خلال الأيام القادمة عددًا من الفعاليات واللقاءات الثقافية الإضافية، مما يؤكد استمرارية هذا الزخم الثقافي.
قدمت هذه الفعاليات مجتمعة مضمونًا فكريًا، وربط بين إرث الماضي وحداثة العصر، هذا التلاقح الفكري يعزز قدرة مصر على تقديم "خميلة" ثقافتها الغنية للعالم بأسره، مؤكدةً بذلك دورها الحضاري الرائد.
ويعد هذا الحضور الأكاديمي والثقافي البارز في أمريكا اللاتينية خطوة محورية نحو تأسيس منصة دائمة وفاعلة للحوار الثقافي البنَّاء بين الحضارات. وتزداد أهمية هذه الخطوة في ظل الاهتمام العالمي المتزايد بـدراسات ما بعد الكولونيالية، وهو مجال تملك فيه مصر رصيدًا فكريًا وتاريخيًا غنيًا يمكن أن يسهم بفاعلية في إثراء هذا النقاش العالمي، ويفتح آفاقًا جديدة للتعاون الفكري والمعرفي.
وشهد الجناح المصري خلال الأيام الماضية زيارات رفيعة المستوى من مسئولين فنزويليين بارزين، مما يعكس الأهمية التي توليها فنزويلا للحضور المصري في المعرض. وكان من أبرز الزوار: نائب رئيس الجمهورية، والنائب العام الفنزويلي، والمدعي العام، ووزير الثقافة الفنزويلي، وهذه الزيارات لا تبرز فقط العلاقات الدبلوماسية المتينة، بل تؤكد أيضًا على التقدير الرسمي الفنزويلي للثقافة المصرية وإسهاماتها الحضارية.
في لفتةٍ ثقافية مهمة أهدى وزير الثقافة المصري دكتور أحمد هنو، الرئيس نيكولاس مادورو كتابين قيمين عن الحضارة المصرية باللغة الإسبانية، كما حرصت الوزارة على توفير مطبوعات متنوعة للأطفال، وكتب متخصصة في علم المصريات، بالإضافة إلى إصدارات تتناول المكونات الدينية في الثقافة المصرية، وهذه المطبوعات تمثل رمزية ثقافية مهمة تضع الإرث والفكر المصري في متناول جمهور القراء الناطقين بالإسبانية والدارسين للغة العربية في أمريكا اللاتينية.
ولقد أصبح الجناح المصري نقطة جذب رئيسية، حيث حرص الزوار على التقاط الصور داخل أروقته المزينة بالنقوش والرموز الحضارية، ونجحت وزارة الثقافة المصرية في أن تعبّر عن ذاتها الثقافية بصورة جامعة من خلال مشاركتها كضيف شرف في معرض كراكاس الدولي للكتاب.

Trending Plus