موتُ الفجأة لا يُحزِن.. وزارة الأوقاف: تذكرة للأحياء بحتمية الموت وقصر الأمل.. الموت المفاجئ ليس حدثاً محزناً.. رحمة للمؤمن المستعد ونقمة للعاصي الغافل.. وموت الفجأة إنذار لخلع ثوب الغفلة

قالت وزارة الأوقاف إن موت الفجأة في أيامنا هذه كثر في الشباب، يوقظ الغافلين، ويُذَكّر الأحياء بحتمية الرحيل، وفي الميزان الشرعي هو رحمة للمؤمن المستعد ونقمة للعاصي الغافل، وقد جاءت النصوص تجمع بين مدحه للمتقين والتحذير منه للغافلين، تحقيقاً للحكمة الإلهية، فليكن موت الفجأة ناقوس إنذار نعتبر به، لا حدثًا نحزن عليه.
موت الفجأة لا يحزن لأنه راحة
وأضافت: قد يتعجب البعض من هذا الطرح، وذلك لقلة تناوله أولعدم إظهاره من كتب السابقين، ولكن الحقيقة أنّ موت الفجأة قد يكون نعمة كبيرة على صاحبه، فلا مرض قد أرهقه، ولا نصب قد أذاقه الويلات، بل حاله يتمثل في قول الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤] وقد جاء أجله وهو في شغل أمره الدائم، من الإقبال على الله، والاستعداد المستمر للقائه، وقال سبحانه: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء:٧٨] فوقع الحق، وأدركه الموت، وقد جاء الحديث نصاً لصاحب هذا الحال، فقد روى الإمام أحمد في المسند عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن موت الفجأة، فقال: «راحة للمؤمن وأخذة أسف للفاجر».[رواه أحمد في المسند].
وتابعت: إننا الآن مع حالان، الأول: وصف بالإيمان، ففاجأه الموت فكان له راحة، والحال الثاني عكسه وهو الفاجر أعاذنا الله منه، والحديث امتدح الحال الأول؛ لأن الإيمان وصف تتكامل في معانيه الإنسانية، وحسن الأخلاق، ولذا جاء الحديث: «أَكْمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُم خُلُقًا».( رواه الترمذي وقال حسن صحيح)، بل إن الراحة العظمى له تكون في جوار سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم في الجنة، وخالص محبته، جاء الحديث: «إنَّ أحبَّكم إليَّ وأقربَكم منِّي في الآخرةِ محاسنُكم أخلاقًا». [رواه أحمد والطبراني، وغيرهما]، الرسالة هنا أن موت الفجأة يدفعنا إلى أن نعيش ما تبقى على مكارم الأخلاق ومحاسنها.
موت الفجأة تذكرة
وأضافت: إذا تكاثرت أمام أعيننا صور موت الفجأة فإن ذلك يعد تنبيها لنا جميعاً، وإنذارًا لخلع ثوب الغفلة، ولباس التقوى، قال تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: ١٩٧].
إنه فرصة لنا أن نتوب وأن نرجع إلى الله تعالى، وسبيلا لأن نحقق مراد الله تعالى فينا، ومنا، ولذا جاء عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أكثروا من ذكر هادم اللذات (الموت)» [رواه الترمذي].
فإن تذكره يهدم لذة الفُجر، ويُعمل العقل السليم، فالموت لا يستأذن أن يدخل البيت على صاحبه، يقول سيدنا عمر –رضي الله عنه-: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا".
موت الفجأة بين الراحة فيه وكراهته
جاءت أحاديث يكره فيها الرسول صلى الله عليه وسلم موت الفجأة، وحديث قد مر أن موت الفجأة راحة، فكيف يكون راحة ويكرهه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وضح مثل ذلك الإمام ابن حجر في الفتح فقال:" ولأحمد من حديث أبي هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجدار مائل فأسرع وقال: أكره موت الفوات. قال ابن بطال: وكان ذلك - والله أعلم - لما في موت الفجأة من خوف حرمان الوصية، وترك الاستعداد للمعاد بالتوبة وغيرها من الأعمال الصالحة. وقد روى ابن أبي الدنيا في " كتاب الموت " من حديث أنس نحو حديث عبيد بن خالد، وزاد فيه: المحروم من حرم وصيته ". وفي مصنف ابن أبي شيبة، عن عائشة وابن مسعود: موت الفجأة راحة للمؤمن، وأسف على الفاجر. وقال ابن المنير لعل البخاري أراد بهذه الترجمة أن من مات فجأة فليستدرك ولده من أعمال البر ما أمكنه مما يقبل النيابة، كما وقع حديث الباب. وقد نقل عن أحمد وبعض الشافعية كراهة موت الفجأة، ونقل النووي عن بعض القدماء أن جماعة من الأنبياء والصالحين ماتوا كذلك، قال النووي: وهو محبوب للمراقبين. قلت: وبذلك يجتمع القولان". [فتح الباري، كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغتة]، وعلى ذلك يمكن أن يكون الكلام أن موت الفجأة راحة للمستعد المؤمن، ويكون بلية ورزية على الكافر، الذي سيخرج إلى الآخرة فيجد العذاب الأليم، وحسرة على العاصي المستغرق، لعدم استعداده وتركه الإقبال على المولى.
الخلاصة
موت الفجأة في الميزان الشرعي يحمل حكمًا متباينًا بحسب حال الإنسان، فهو راحة للمؤمن المستعد الذي ينتقل إلى رحمة الله بغير معاناة، ونقمة للكافر الذي يفاجأ بالعذاب، بينما هو تحذير للعاصي الغافل، والنصوص الشرعية تجمع بين مدحه للمتقين والاستعاذة منه للغافلين، تحقيقًا للعدل الإلهي. ويكثر موت الفجأة اليوم؛ ليكون تذكرة للأحياء بحتمية الموت وقصر الأمل. فالموت المفاجئ ليس حدثاً محزناً بل منبهاً كما قال الإمام علي -رضي الله عنه-: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً".

Trending Plus