اختبارات الناشئين.. "سبوبة موسمية" أم صناعة نجوم؟!

مع كل صيف في هذا التوقيت، تتكرر المشاهد ذاتها.. آلاف الأطفال يصطفون في طوابير لا تنتهي أمام أبواب الأندية، يحلمون بخطوة أولى نحو النجومية، ويبحثون عن فرصة لإثبات الذات وتحقيق الحلم الكبير في عالم الساحرة المستديرة.
أعلم جيدًا أن نجمنا العالمي محمد صلاح بات الحلم النموذجي الذي تلاحقه آلاف الأسر والأطفال، وكذلك نجوم الأهلي والزمالك، لكن المشكلة أن بعض الأهالي لا ينظرون إلى موهبة أبنائهم بقدر ما ينظرون إلى الشهرة والثراء، فيجبرون أطفالهم - في كثير من الأحيان - على خوض هذا الطريق، من خلال كثرة الحديث عن الأموال المنتظرة وما شابه، حتى بات الأطفال أنفسهم يلهثون خلف الفكرة، لا من أجل الاستمتاع كما كنا نلعب الكرة في الصغر، بل من أجل الثراء السريع، كما أشرت سابقًا.
وبالتأكيد، فإن هذا حلم مشروع، خصوصًا في ظل الضغوط الاقتصادية التي تمر بها الأسر، لكن، خلف هذا الحلم البريء، يلوح سؤال مؤلم يتجدد كل عام: هل ما زالت اختبارات الناشئين تبحث عن الموهوبين، أم أنها تحولت إلى "سبوبة" موسمية؟!
لا شك أن اختبارات الناشئين الموسمية وجدت لاكتشاف المواهب الصغيرة من بين مئات، وربما آلاف المتقدمين، لكن شيئًا فشيئًا، تسربت إليها مفاهيم "السبوبة"، والواسطة، والمجاملات، حتى بات بعض المدربين والسماسرة يتعاملون مع أحلام الأطفال كسلعة، لا تمر إلا عبر بوابة العلاقات أو الدفع، لا من خلال معيار الموهبة كما كان الحال سابقًا.
المأساة أن الأندية الكبرى، مثل الأهلي والزمالك، التي يفترض أن تكون مصانع للمواهب، تحولت تدريجيًا إلى "مقابر" لأحلام كثيرة، بسبب تغول المصالح وغياب المعايير الفنية العادلة في التقييم.
وما لا يعرفه كثيرون، أن أغلب فرق الناشئين في الأندية أصبحت تعتمد على مدارس الكرة والأكاديميات الخاصة بها، فيما تجرى الاختبارات المفتوحة فقط كوسيلة لجني الأموال أو لشغل الرأي العام، وفي النهاية، لا يختار إلا عدد محدود جدًا – إن تم الاختيار أصلًا – وحتى هذا يخضع أحيانًا لأهواء المدربين والوسطاء، لا للمعايير الفنية الحقيقية.
كما أن الأمر لم يعد يتوقف عند "عدم الاختيار"، بل ظهر كثير من سماسرة الأوهام، الذين يبيعون للأسر حلم الانضمام إلى الأهلي أو الزمالك أو غيرهما من الأندية، مقابل مبالغ كبيرة، مستغلين شغف الأهالي وجهلهم بخفايا اللعبة، ويدّعون قدرتهم على "تسليك الطريق"، كما يقال بالعامية، ثم يختفون، تاركين الأسرة تصارع الخيبة، والطفل يواجه أولى صدمات الواقع.
الخلاصة: الواقع يقول إن الضغط على الأطفال، وتحويل كرة القدم إلى "سبوبة"، لا يصنع نجمًا، بل غالبًا ما ينتهي بطفل محبط، فالرغبة، والموهبة، والحرية في الاختيار، هي أسس أي نجاح حقيقي، وهكذا، يستيقظ الطفل من حلمه على واقع مؤلم.. لا فرصة، لا تقييم حقيقي، فقط وقت ضائع ومال مهدور.
إذا سألتني عن الحلول، فسأجيب فورًا أن الحل يكمن في العودة إلى الجذور، فإذا أرادت الأندية واتحاد الكرة أن يعيدا الهيبة لملف اكتشاف المواهب، فعليهما أن يحييا دور "كشاف المواهب" في المحافظات، وأن تشكل لجان فنية محترفة ومستقلة تقيم اللاعبين بناءً على معايير فنية واضحة لا تباع ولا تشترى.
ختامًا، أوجه عدة رسائل إلى المعنيين بهذا الملف:
للأهالي: دعوا أطفالكم يختارون طريقهم بحرية، لا تحملوهم أحلامكم، ليس كل طفل "محمد صلاح"، لكن كل طفل يمكنه أن يكون ناجحًا بطريقته.
للمسؤولين: توقفوا عن قتل الحلم من أجل "السبوبة"، وعودوا لصيد المواهب قبل أن نخسر جيلًا كاملًا.
للأندية: إذا كنتم تبحثون عن تخفيض أسعار اللاعبين وصناعة أبطال حقيقيين، فابدؤوا من القاعدة، من الناشئين، من أصحاب الأحلام الذين تقتلونهم دون أن تنتبهوا.. مصلحة أولادنا ما وراء القصد.

Trending Plus