الفراعنة أول من انتبهوا للتغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة.. البساتين والحدائق فى مصر القديمة كانت فى القصور الملكية وبيوت الخاصة والمسؤولين والنبلاء.. مدير سابق بالكرنك: أنشأوها لتلطيف الجو فى الصيف

جانب من الاعمال

الأقصر – أحمد مرعى

الأربعاء، 09 يوليو 2025 10:27 ص

مع ارتفاع درجات الحرارة في جنوب مصر منذ آلاف السنين وحتى الآن، فقد اهتم المصريون القدماء بإنشاء الحدائق والبساتين منذ أقدم العصور، حيث كانت هذه البساتين والحدائق غالباً ما يتم إلحاقها بالقصور الملكية وبيوت الخاصة والمسئولين الكبار والنبلا ، وكذلك المعابد المختلفة سواء الجنائزية منها أو معابد الالهة والمعبودات، وكانت الحديقة عبارة عن سور يحيط بها ومدخل يؤدي إليها من الداخل، وبركة مياه ملحقة بها تعيش بها العديد من الأسماك والطيور مثل البط والأوز والكائنات المائية المختلفة، وكذلك النباتات المائية مثل زهور البردي واللوتس وزنبق الماء وغيرها.

وفى هذا الصدد يقول الطيب غريب مدير معابد الكرنك سابقاً، إن القدماء أول من انتبهوا للتغيرات المناخية وارتفاعات درجات الحرارة في الصيف، وعملوا على مواجهتها بالحدائق والبساتين التي تساهم في تلطيف الجو صيفاً، حيث كانت تحتوي الحديقة على العديد من أنواع الأشجار والزهور والنباتات المختلفة مما يبعث البهجة والسرور في النفوس، وكذلك بعض المباني والهياكل المشيدة في محيطها، وأحياناً تحتوي الحديقة علي بعض التماثيل للآلهة والمعبودات، بالإضافة الي بعض القنوات والمجاري المائية المنتشرة داخل الحديقة.

ويؤكد الطيب غريب لـ"اليوم السابع"، إنه كان الهدف من إنشاء البساتين والحدائق عدة أسباب في العصور المصرية القديمة، حيث كانت تساهم في بعث أنواع البهجة والسرور للنفس فقد كان المصريون القدماء يقدسون الطبيعة ويهتمون بها كثيراً، وكذلك استخدام الحدائق والبساتين كأحد الوسائل للتريض والترويح عن النفس، حيث كان يقوم أحيانا الشخص بركوب مركبه والتجديف داخل البحيرة في صحبة بعض الجواري أو المحظيات أو زوجاته ، وكان يتم استخدام الفواكه والخضروات وأنواع الزهور المختلفة التي كان يتم زراعتها في تلك الحدائق في أعمال تقديم القرابين الطازجة أمام تماثيل الآلهة والمعبودات من قبل الكهنة في تلك المعابد، وكذلك بعض الأغراض الدينية والعقدية التي تتصل بديانة وعقيدة المصريين القدماء في ذلك الوقت .

وأوضخ الخبير الأثرى المدير السابق بمعابد الكرنك، إنه من أبرز تلك الحدائق في الأقصر القديمة، كانت تحديداً الخاصة بمجموعة معابد الكرنك بما أنها تعد أكبر وأضخم دار للعبادة، وتم تشييدها لمعبود علي مر التاريخ حيث تبلغ مساحتها الاجمالية حوالي 247 فدان وتحتوي على أكثر من 12 معبداً، تم تشييدها في فترات مختلفة من التاريخ المصري القديم وامتدت لأكثر من 2000 عام، ويعتقد بعض العلماء إنه كان يوجد بمجموعة معابد الكرنك ومحيطها حوالي 26 حديقة مختلفة وبستان مختلف الحجم والمساحة، وذلك وفقاً لبعض النصوص التي عثر عليها في معابد الكرنك ومناظر مقابر الاشراف والمسئولين بالبر الغربي بطيبة والتي حمل بعضهم ألقاب مثل ( المشرف علي ضياع آمون ) و( المشرف على حدائق آمون ) و( المشرف على حقول معبد آمون ).

ومن أبرز الحدائق والبساتين في الكرنك، هي الحديقة الأمامية لمجموعة معابد الكرنك المصورة علي جدران مقبرة ( نفر حوتب ) رقم 29، وكانت هذه الحديقة تتقدم معابد الكرنك من الجهة الغربية بعد مرسي السفن مباشرة وكان جزء منها يحيط بالقناة المؤدية إلي داخل المعبد وذلك وفقًا لمنطر مقبرة ( نفر حوتب ) رقم 49 بطيبة الغربية حيث نري العديد من أشجار التين والجميز والرومان بالاضافة الى الزهور المائية المختلفة التي تسبح فوق صفحة ماء القناة والمرسي، ويعتقد أنه كان يوجد حديقة أخري في الجهة الغربية ملحقة بقصر من عهد الملكة ( حتشبسوت ) وكان يوجد به نافذة ظهور للملكة، وكذلك الحديقة المصورة علي جدران مقبرة ( سنفر ) رقم 96 بطيبة العربية من عهد الملك ( أمنحتب الثاني )، حيث كان النبيل ( سنفر ) يحمل لقب ( المشرف على حدائق آمون ) وقد تم تصوير حديقة علي جدران مقبرته وبها مجموعة كبيرة من الاشجار وخاصة كروم العنب ، والتي يعتقد انها لعلها كانت إلي الغرب من الصرح الثالث ( لعل موقعها حاليًا أسفل صالة الاعمدة الكبري وسط معابد الكرنك ) او في الناحية الجنوبية من المعبد ؟!! .

كما تشمل أبرز حدائق معابد الكرنك حدائق الملك ( نختنبو الأول ) المحيطة بطريق الكباش مابين معابد الكرنك ومعبد الاقصر جنوباً، حيث عثر على نص من عهد الملك ( نختنبو الأول ) من ملوك الأسرة 30 وفيه:- "قام جلالة الملك ببناء طريق جميل لأبيه آمون ، محاطًا بالأسوار ، ومزروعا بالأشجار ، ومزينا بالزهور"، ما يعني أنه علي طول طريق الكباش الممتد بين معابد الكرنك ومعبد الأقصر، وكان يوجد الحدائق الغناء والأشجار المثمرة علي جانبي الطريق، وقد عثر بالفعل أثناء اعمال الحفر في طريق الكباش علي مجموعة كبيرة من أحواض الزهور الموجودة أمام كل كبشين، وتم الكشف كذلك عن شبكة كاملة من القنوات المائية التي كانت تمد هذه الأحواض بالمياه اللازمة، وكذلك البستان المصور علي مقبرة ( نخت ) رقم 161 حيث كان نخت يحمل لقب ( حامل باقات قرابين آمون ) و ( بستاني قرابين آمون ) حيث نجد حقل زراعي به نبات الخس وهو احد القرابين المقدسة التي كانت تقدم للمعبود ( آمون مين ) داخل المعبد ، ونجد علي جانب الحقل بركة من المياه التي تحتوي على مجموعة مختلفة من الاسماك ، وكذا نجد الزهور والنباتات المائية المختلفة ، وأحواض البردي ، ونجد أشجار الجميز ، وكروم العنب ( لصناعة النبيذ ) ، والكتان والزهور المختلفة ، ويوجد منزل صغير من طابقين لعله كان استراحة داخل الحديقة واخيرا نري النبيل ( نخت ) واقفا وسط أجمة من البردي يشرف على جميع تلك الاعمال ، ويعتقد ان هذا البستان كان داخل معابد الكرنك.

وشملت حدائق الكرنك حديقة من عهد الملك ( إخناتون ) داخل معابد الكرنك، حيث عثر على كتلة متوسطة الحجم من الحجر الرملي عند الصرح الثاني مسجل عليها تصوير لحديقة كانت موجودة داخل معابد الكرنك مصور عليها حديقة يوجد بها بوابة وكرم عنب وبركة مياه ومجموعة من الاشجار وحظائر لحيوانات مختلفة ومجموعة من الهياكل والمباني التي تحيط بها الاشجار ، وهذه الكتلة موجودة حاليا داخل منطقة المتحف المفتوح شمال غرب معابد الكرنك علي المصاطب الغربية، وحديقة معبد الملك ( رمسيس الثاني ) عند البوابة الشرقية لمجموعة معابد الكرنك، فقد كان معبد الملك ( رمسيس الثاني ) = ( سجم نحت ) والذي يعني : مجيب الصلوات أو سامع الصلوات والذي يقع عند البوابة الشرقية لمعابد الكرنك كان تحيطه الأشجار المختلفة ويوجد به حديقة مائية وكروم العنب وقد تم تسجيل هذا البستان علي جدران مقبرة ( أمنحتب سيسي - سي ) رقم 75 بالبر الغربي بالاقصر ، وكذلك أشهر حديقة للنباتات والحيونات النادرة التي قام بتسجيلها الملك ( تحتمس الثالث ) علي جدران معبد ومبني ( الاخ منو ) الشهير شرق الكرنك.