صوت من وسط الدخان داخل حريق سنترال رمسيس.. وائل مرزوق لم يخرج من مكتبه لكن بقيت قصته.. تفاصيل آخر مكالمة لموظف الموارد البشرية مع زميلته تكشف لحظات الوجع: "مش عارف أخرج.. إحنا كده خلاص".. صور

وائل مرزوق ضحية حادث حريق سنترال رمسيس
وائل مرزوق ضحية حادث حريق سنترال رمسيس
كتبت - أسماء نصار

فى قلب القاهرة النابض بالحياة، وتحديدًا فى منطقة وسط البلد، حيث يتداخل التاريخ مع تفاصيل الحياة اليومية، ويختلط ضجيج السيارات بوقع أقدام العابرين، شهد مبنى "سنترال رمسيس" مأساة إنسانية ستظل آثارها تخيم على الأرواح التى عايشتها، محفورة فى ذاكرة المدينة بأكملها.

الحريق الذى اندلع فى المبنى العريق التابع للشركة المصرية للاتصالات، لم يكن مجرد حادث عابر، بل لحظة مفصلية كشفت كم يمكن أن تكون الحياة مفاجئة، وقاسية، حين تنقلب فى لحظة واحدة، أربعة من العاملين هناك فقدوا حياتهم فى تلك الساعات الحرجة، رحلوا قبل أن يتمكنوا من النجاة، وقبل أن تمنح لهم فرصة العودة إلى من ينتظرونهم، من بينهم وائل مرزوق أحد موظفى الموارد البشرية، لم يكن مجرد موظف يؤدى عمله، بل كان إنسانًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى - فى بساطته، وحرصه على حياة من حوله، حتى لو كانت تلك الحياة تتمثل فى قطط صغيرة تتخذ من المبنى مأوىً لها.

كان هذا اليوم المشؤوم عاديًا فى ظاهره، استيقظ وائل مبكرًا كعادته، ودع أسرته بابتسامة ربما لم يدرك أحد أنها ستكون الأخيرة، وخرج متجهًا إلى عمله فى مبنى "سنترال رمسيس"، كأى موظف يعلق آماله على يوم جديد، وربما كان يحمل فى قلبه خططًا صغيرة لعطلة نهاية الأسبوع، أو لقاء مع صديق، أو حتى شراء شىء لزوجته أو أولاده، لم يكن يعلم أن هذا الصباح يحمل فى طياته وداعًا لم يكتب بعد.

كان وائل يؤدى مهامه بهدوء، وسط طابق يعرفه جيدًا، بين أوراق يعرف مكانها، وزملاء يبادلهم الود والاحترام، لم يكن من النوع الصاخب، لكنه كان محبوبًا، حاضرًا بلفتاته الطيبة ومبادرته البسيطة، كان جزءًا من نسيج المكان، تمامًا كما كانت القطط التى يتولى رعايتها كل يوم.

في لحظة غير متوقعة، بدأ الدخان يتسلل إلى أرجاء المبنى، الحريق اندلع سريعًا، وكأن شيئًا ما قرر أن يختبر صبر الجميع، لا إنذار مسبق، ولا خطة إخلاء منظمة، ولا تجهيزات تليق بمبنى حيوى كهذا، الفوضى حلت محل النظام، والذعر انتشر أسرع من اللهب.

الذين نجوا كانوا إما فى أدوار منخفضة، أو استطاعوا الهروب مبكرًا، أما وائل، فكان فى الطابق الذى التهمه الدخان أولًا، ومعه عدد من الزملاء، وجدوا أنفسهم محاصرين، لا مخارج آمنة، لا نوافذ يمكن القفز منها، لا وسائل تهوية تعمل بعد انقطاع الكهرباء، فقط دخان كثيف، يسد الرؤية ويخنق الأنفاس.

كانت إحدى زميلات وائل وتدعى سها المنياوى، قد غادرت المبنى قبل اندلاع الحريق، وفور علمها بالحادث، اجتاحها القلق على كل من ظلوا فى الداخل، ومن بينهم وائل، الذى كانت تعرف أنه لا يزال فى مكان الخطر، بسرعة أمسكت بهاتفها واتصلت به، مدفوعة بشعور إنسانى ومسؤولية الزمالة، متشبثة بأى بارقة أمل تطمئنها على سلامته، وحين رد على مكالمتها، سألته "أنت بخير يا أستاذ وائل؟ أنت فين؟ والقطط فين؟ سؤالها عن القطط، رغم ما يبدو من بساطته، حمل فى طياته عمقًا إنسانيًا نادرًا، تعرف أن وائل يحب تلك الكائنات الصغيرة، ويطعمها يوميًا، لم تنسها فى لحظة الخوف، وربما كانت تأمل أن يكون الجواب مؤشرًا أن وائل لا يزال على قيد الحياة.

رد وائل، بصوت لم تعهده من قبل، صوت مختنق، محاط بالخوف: "أنا مش شايف حاجة.. لا قطط ولا بشر.. أنا وزمايلى محبوسين فى المكتب.. فصلوا الكهرباء.. الدخان شديد.. وخايفين نتخنق".

كل كلمة كانت كافية لتكشف ما لا تنقله الكاميرات، الظلمة التى ابتلعت كل شىء، الشعور القاسى بالعزلة، والرعب المتصاعد من موت بطىء، خانق، لا سبيل للهرب منه، "فصلوا الكهرباء" لم يكن مجرد انقطاع ضوء، بل كان انقطاع أمل فهم محاصرين الآن بين الظلام والدخان.

حاولت زميلته أن تبقى الأمل حيًا، سألت: حد كلم المطافى؟

لكن صوت وائل جاء أكثر اختناقًا، تملؤه الكحة والوجع، "أعتقد جات.. بس الدخان جامد"

كانت الكحة التى سمعتها كافية لتخبرها أن الدخان غزا رئتيه، وأن الوقت يداهمهم، وأن كل دقيقة تمر تقلل من فرص النجاة، ثم انقطع الاتصال.

عادت للاتصال مرات ومرات، فى كل مرة، كانت تتمنى ألا يكون الخط قد انقطع إلى الأبد، وأخيرًا، رد وائل مجددًا، لكن صوته هذه المرة كان مختلفًا، مختنق، متقطع، يحمل فى طياته الاستسلام للمصير المحتوم، "لا، مش عارف أخرج ..حاولى تقفلى .. إحنا كده خلاص".

طلبه بإغلاق الخط كان مؤلمًا بقدر ما كان إنسانيًا، لم يرد لها أن تسمع النهاية، لم يرد لصوته أن يكون عبئًا عليها، ثم، جاء صوت زجاج يتحطم، ربما كانت نافذة حاول أحدهم كسرها، ربما كان انفجارًا بفعل الحرارة. وربما كان آخر محاولة للفرار.

وبعدها، صمت ثقيل .. لا صوت.. لا وائل.

مرت الساعات، ثم جاء الخبر المؤكد، وائل مرزوق، وزملاء آخرون، قضوا اختناقًا داخل مكاتبهم، رحلوا بصمت، وهم يحاولون النجاة، بينما العجز يطوقهم من كل اتجاه، لم يكونوا مغامرين، ولا متهورين، كانوا فقط موظفين فى يوم عمل عادى.

وائل، والقطط التى أحبها، والزملاء الذين لم يتمكنوا من الخروج معه، أصبحوا جميعًا ذكرى عميقة تؤلم القلوب، لم يكونوا مجرد أسماء أو أرقام فى سجلات الموظفين، بل كانوا أرواحًا تنبض بالأمل، تحمل أحلامًا مؤجلة، وعائلات تنتظر عودتهم، ولحظات بسيطة من السعادة كانوا يتطلعون إليها، رحيلهم ترك فراغًا لا يملأ، ووجعًا يتردد صداه فى قلوب كل من عرفهم وشاركهم دروب الحياة.

ابراج الاطفاء تواصل العمل
ابراج الاطفاء تواصل العمل

 

اخماد الحريق (1)
إخماد الحريق
 
اخماد الحريق (2)
التقاط صور للحريق

 

اخماد الحريق (3)
اخماد الحريق 

 

اطفاء من اعلي نقطة في سنترال رمسيس (1)
اطفاء من أعلي نقطة

 

اطفاء من اعلي نقطة في سنترال رمسيس (2)
محاولة إطفاء سنترال رمسيس 

 

المواطنين يتابعون اخماد الحريق
المواطنين يتابعون إخماد الحريق

 

رجال الاطفاء في محاولات الاطفاء (1)
رجال الاطفاء

 

رجال الاطفاء في محاولات الاطفاء (2)
محاولات الاطفاء 

 

رجال الاطفاء في محاولات الاطفاء (4)
رجال الاطفاء

 

رجال الاطفاء مواصلات الليل والنهار من اجل الاطفاء (1)
رجال الاطفاء

 

رجال الاطفاء مواصلات الليل والنهار من اجل الاطفاء (2)
سيارات الإطفاء

 

سنترال رمسيس في مراحل الاطفاء الاخيرة (1)
سنترال رمسيس في مراحل الاطفاء الاخيرة

 

سنترال رمسيس في مراحل الاطفاء الاخيرة (2)
 مراحل الاطفاء الاخيرة

 

سنترال رمسيس في مراحل الاطفاء الاخيرة (3)
سنترال رمسيس

 

سنترال رمسيس في مراحل الاطفاء الاخيرة (4)
 مراحل الاطفاء

 

سنترال رمسيس في مراحل الاطفاء الاخيرة (5)
سنترال رمسيس

 

عشرات عربات الاطفاء المشاركة ف الاطفاء (1)
عربات الاطفاء 

 

متابعة من المواطنين  (1)
متابعة من المواطنين

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ريال مدريد مهدد بفقدان أرنولد ضد باريس سان جيرمان بمونديال الأندية

السعودية تعلن وفاة الأميرة بزه بنت سعود بن عبدالعزيز آل سعود

الإسكان الاجتماعى: طرح 113 ألف وحدة سكنية لتلبية احتياجات المتقدمين

مهرجان قرطاج يلغى عرض إيلين سيغارا لنصرة الشعب الفلسطينى

رئيس الوزراء عن صورته مع آبى أحمد: وفق البرتوكول فقط ومصر لن تفرط فى حقوقها المائية


رئيس الوزراء: الساحل الشمالى أصبح يحظى بنصيب كبير من السياحة المصرية

مدبولى: الدولة اللى نجحت فى عمل أفضل برامج إسكان قادرة تتعامل مع موضوع المستأجرين

إبراهيم سعيد يبكى فى أول ظهور له بعد الخروج من السجن: عايز حقى.. فيديو

الحكم بسجن أنشيلوتي عامًا بتهمة التهرب الضريبي خلال فترته الأولى مع ريال مدريد

شاهد التريللر الرسمى لفيلم أمير كرارة "الشاطر" قبل طرحه


الاتصالات: تصريحات الوزير حول زيادة كفاءة الإنترنت بعد حريق رمسيس مجتزأة

موعد مباراة بي اس جي ضد ريال مدريد في كأس العالم للأندية والقناة الناقلة

كيف يستعد الأهلى للموسم الجديد من خلال المعسكر الخارجى بتونس؟

الدفع بالسفينة البرلس pms للمشاركة فى البحث عن المفقودين الثلاثة بحادث البارج أدمارين 12 بمنطقة جبل الزيت.. صور

اعتقال 7 جنود إسرائيليين بتهمة "انتهاكات جنسية" ضد زملائهم

رئيس الوزراء: حريصون على وضع تصور واضح لمستأجرى "القانون القديم"

محمد صلاح يشترى فيلا فاخرة فى تركيا.. السعر مفاجأة

النيابة العامة تعاين اليوم موقع حادث حريق سنترال رمسيس لكشف أسبابه

هنا جودة بعد وداع بطولة أمريكا: لم أتلقى دعما من الاتحاد الحالى أو السابق

نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس 2025.. مراجعة الدرجات وتجميعها

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى