خطاب بلا بوصلة.. أزمة الخطاب الحمساوي تجاه مصر

أ.د/ مها عبد القادر
أ.د/ مها عبد القادر
بقلم أ.د/ مها عبد القادر

تتجدد الحاجة في قلب الأحداث الملتهبة بالمنطقة إلى إعمال البصيرة ووزن المواقف بميزان الحكمة والحقائق، ولعل من أخطر ما يواجهه الوعي العربي اليوم، هو ما تمارسه بعض الأطراف، وفي مقدمتها حركة حماس، من توظيف منحرف للقضية الفلسطينية، عبر مسارات خطابية وتحركات ميدانية تتسم بعدم النزاهة، ومناهضة للثوابت القومية، وتهدد وحدة الصف العربي وتشوه المواقف الأصيلة لبلدان دعمت فلسطين منذ نشأتها، وعلى رأسها مصر.


وقد دأبت حماس منذ سنوات على استخدام خطاب مزدوج؛ يتحدث عن المقاومة في الإعلام، ويمارس التنسيق والمقايضات في الكواليس، وقد كشفت الحرب الأخيرة وما تبعها من زعزعة المشهد الغزي عن وجهٍ جديد لحماس أقل ما يقال عنه إنه انتهازي، وبدلًا من أن تعترف بفشل استراتيجيتها الأمنية والسياسية في حماية غزة وأهلها من الدمار والحرب والإبادة والتجويع وشبح التهجير وتصفية القضية، لجأت إلى تصدير الأزمة للخارج، وتوجيه أصابع الاتهام إلى دول الجوار، متجاهلةً مسؤولياتها الفعلية في تعريض الشعب الفلسطيني لكارثة إنسانية وسياسية.


ومن بين هذه الممارسات، ما قامت به حماس بشكل مباشر أو عبر أذرعها الإعلامية والإلكترونية من تحريضٍ على مصر، وطرح دعوات متكررة لتنظيم مظاهرات أمام السفارات المصرية في الخارج، بزعم التقاعس أو التواطؤ في مشهد يراد به قلب الحقائق وتشويه المواقف النبيلة، ولا يمكن قراءة الدعوة إلى التظاهر أمام السفارات المصرية إلا في إطار خيانة للوعي والقضية، فالدولة المصرية كانت ولا تزال العمق الاستراتيجي الأهم للقضية الفلسطينية، وهي التي فتحت معابرها لمئات الجرحى، وقدمت قوافل المساعدات عبر الهلال الأحمر واستقبلت الوفود الدبلوماسية لرأب الصدع وشاركت في كل مسار من مسارات المصالحة الفلسطينية علي كافة الأصعدة.


فهل جزاء الإحسان إلا النكران؟ وهل من الوطنية أن يتم تأليب الجماهير العربية في الخارج ضد الدولة الوحيدة التي لم تساوم على ثوابت القضية؟ أليس هذا نوعًا من الخيانة للأمانة التاريخية والسياسية التي وضعت بين يدي من يتحدثون باسم المقاومة؟ والأخطر من ذلك أن هذه الدعوات لا تخدم إلا طرفًا واحدًا الكيان الصهيوني فمن شأنها أن تبرئ الاحتلال من مسؤوليته المباشرة عن الكارثة الإنسانية في غزة، وتلقي اللوم على مصر في عملية تضليل ممنهجة تقلب الضحية إلى متهم.


فمنذ عام 1948 لم تتخل مصر عن مسؤوليتها تجاه الشعب الفلسطيني، وقد دفعت من دماء أبنائها ثمنًا لذلك سواء في الحروب المباشرة أو في جهود الوساطة والدعم، ويكفي أن نراجع مواقف القيادة المصرية خلال السنوات الأخيرة لندرك حجم ما قدم، دون ضجيج أو دعاية، فعندما أحجمت دول كبرى عن تقديم المعونات، كانت مصر تعبر بقوافل المساعدات، وتبني المستشفيات الميدانية، وتستضيف المصابين والنازحين، وتخصص الموارد المالية والبشرية لتيسير الدعم، وعندما انقسم الفلسطينيون على أنفسهم، كانت مصر هي الدولة الوحيدة التي رعت جولات المصالحة بين فتح وحماس، رغم إدراكها أن حماس تسهم في تأزيم المشهد لا حله.


وتقود مصر أكثر الخطابات اتزانًا وصلابة في المحافل الدولية من الناحية الدبلوماسية، رافضة المساس بالثوابت داعمة للحق العربي، مدافعة عن المقدسات وملتزمة بعدم التفريط في القدس أو الحقوق الفلسطينية، وما يحدث اليوم يكشف بما لا يدع مجالًا للشك أن حماس لم تعد فصيلًا فلسطينيًا مقاومًا بقدر ما أصبحت ذراعًا إقليمية تخدم أجندة جماعة الإخوان وأطرافًا أخري تتلاعب بالقضية وفقًا لمصالحها ومساوماتها، فالتحالف العضوي بين حماس والإخوان معروف، وخطاب الحركة لا يخرج عن ثوب الجماعة من حيث التأليب على الدولة الوطنية وتصدير الفوضى وتشويه المؤسسات وافتعال الأكاذيب.


ويعد ارتباط حماس بأجندات خارجية متعددة خيانة لشعبها، ويضعها في موقع عدائي من أغلب الدول العربية لاسيما الخليج ومصر، فقد بات واضحًا أن المقاومة بالنسبة لحماس مجرد أداة ضغط ومزايدة، يعاد تنشيطها عندما تخدم سياقات التفاوض أو الظهور الإعلامي، بينما يتم قمع كل صوت داخل غزة يطالب بالمحاسبة أو وقف نزيف الدم، وأخطر ما في سلوك حماس، ليس فقط تشويه مواقف مصر أو استغلال الجماهير العربية، ولكن الاخطر تقويضها البطيء والفعلي للقضية الفلسطينية نفسها، عبر تحويلها من قضية تحرر وطني عادلة إلى ملف عبثي، ولقد أضاعت حماس فرصة تاريخية لبناء تجربة سياسية راشدة في غزة، وبدلًا من النهوض بها كنموذج مقاوم حولتها إلى ساحة مغلقة تدار بالقبضة الأمنية، وبالتالي لم يعد الفلسطيني يؤمن بأن حماس تمثله، ولا العربي يرى فيها أملاً للقضية، وغدت عبئًا يقتات على دماء الأبرياء ويبرر الانقسام ويشعل العداوات، ثم يلوم الجميع سواه.


ونؤكد أنه آن الأوان لأن نتسلح بالوعي ولا ننخدع بالشعارات الزائفة ولا نستجيب لتحريض مغرض، فالمواقف تقاس بالمبادئ والمقاومة الحقيقية تبنى على وحدة الصف ومصر، رغم كل الضغوط ومحاولات التشويه، ستبقى الرقم الأصعب في معادلة الإقليم، عصية على الابتزاز لا تنحني أمام التشويه، ولا تتنازل عن التزامها التاريخي تجاه فلسطين، لذا فدعوات حماس المشبوهة للتظاهر ضدها، لن تفلح إلا في كشف وجهها الحقيقي وفضح أجندتها وتعريتها أمام الجماهير الواعية التي ما زالت تؤمن أن فلسطين لا تتحرر إلا بوحدة الصف، وصدق النية، وشرف الفعل والمقصد.
ــــــــ

أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة - جامعة الأزهر

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

تعرف على آخر موعد لتقديم الإقرار الضريبي على الدخل لعام 2025

الإدارية العليا تنظر 31 طعنًا على نتائج 19 دائرة ملغاة فى انتخابات النواب.. غدا

ألافيس ضد الريال.. الملكي يتقدم في الشوط الأول عن طريق مبابي

وزارة التعليم تحدد ممنوعات داخل المدارس بعد وقائع التعدى على الأطفال

تشييع جنازة شقيقة عادل إمام بالشيخ زايد غدا والعزاء الأربعاء المقبل


تريند 6 7.. مصطلح ينتشر بين الطلاب والمراهقين حول العالم ويحرج نائب ترامب

تقرير مغربى: بلعمرى فى الأهلى مقابل 500 ألف دولار

7 معلومات عن شقيقة عادل إمام أرملة مصطفى متولى

نقابة الصحفيين تطالب بعدم تصوير جنازة أو عزاء شقيقة عادل إمام احتراما لرغبة الأسرة

ترامب يشيد بالبطل الأسترالي أحمد الأحمد: أنقذ أرواحا كثيرة في هجوم سيدني


وفاة شقيقة الزعيم عادل إمام أرملة الراحل مصطفى متولى

تحذير عاجل.. نوة الفيضة الصغرى تضرب الإسكندرية غدا والأمواج ترتفع 3 أمتار

أحمد الأحمد المسلم بطل اليوم في أستراليا بعد تصديه للهجوم الإرهابى.. فيديو

نتيجة كلية الشرطة كاملة لعام 2025/ 2026 ثانوية عامة ومتخصصين.. فيديو

الطقس غدا.. انخفاض بالحرارة وأمطار وشبورة والصغري بالقاهرة 13 درجة

نتيجة كلية الشرطة 2026 كاملة لجميع التخصصات.. بالأرقام

تقارير: غياب مرموش ضربة قوية للسيتي ومصر ثاني المرشحين لحصد أمم أفريقيا

سعد الصغير ينتقد غياب المطربين عن عزاء أحمد صلاح: مهنتنا مناظر أمام الكاميرات

موعد مباراة منتخب مصر ونيجيريا الودية فى البروفة الأخيرة لأمم أفريقيا

قبول 1550 طالبًا من خريجي الحقوق بأكاديمية الشرطة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى