لمحات من مصر على مر العصور.. مصر الرومانية 1

دينا شرف الدين
دينا شرف الدين
بقلم - دينا شرف الدين

وبما أن مصر كانت أكثر بلاد البحر المتوسط قدرة على الاكتفاء بخيراتها، حيث كانت غنية بالحبوب والفاكهة، وتنتج أرضها ثلاث غلات فى العام، وكانت تصدّر الغلات والمصنوعات إلى الكثير من البلدان، وقلما كان يزعجها ويقلق بالها حرب خارجية أو أهلية.

ولكن يبدو أن "المصريين" لم يقدر لهم أن ينعموا بخيراتهم ويعيشوا بالسلام الذى كانوا ينشدونه يوماً واحداً فى تاريخهم كله، ذلك أن ثروتهم كانت تغرى الطغاة أو الفاتحين واحداً تلو الآخر على مدار خمسين قرناً من الزمان كانوا فيها يستسلمون لهؤلاء.

ووفقاً لكتاب الحياة فى مصر فى العصر الرومانى، وبعد مقتل يوليوس قيصر، درات فى روما حرب أهلية طاحنة انتهت بانتصار أوكتافيوس وأنطونيوس على أعدائهم وسيطرتهم على الإمبراطورية الرومانية.
ثم قسموا الإمبراطورية إلى قسمين:
القسم الغربى ويحكمه أكتافيوس، والقسم الشرقى يحكمه ماركوس أنطونيوس.

وعندما ذهب أنطيوس إلى القسم الشرقى، فتن بجمال كليوباترا السابعة حاكمة مصر، وفى عام 37 ق م، تزوجت كليوباترا من أنطونيوس، فى الوقت الذى كان لا يزال متزوجا من أوكتافيا شقيقة أوكتافيوس، مما أدى إلى تأزم العلاقة بينهما، لدرجة أن أنطونيوس أعلن طلاقه من زوجته أوكتافيا، وقام بتقسيم الأجزاء الشرقية من الإمبراطورية الرومانية على كليوباترا وابنها قيصرون، وأبنائه منها.

لذا استغل أوكتافيوس بعض الأخطاء التى وقع فيها أنطونيوس فى الشرق لشن حملة سياسية شعواء ضده والتنديد بعلاقته بالملكة المصرية.
وبحكم وجود أوكتافيوس فى روما استطاع ان يثير الرأى العام الرومانى ضد أنطونيوس والملكة المصرية، حيث صور موقفه على أنه قد حول الولايات الشرقية كلها إلى مملكة من الطراز الشرقى يجلس هو وكليوباترا على عرشها ويرثها أبناؤهم وهو ما يعنى خيانة الشعب الروماني.

ومن جديد ولقرون أخرى، أصبحت مصر ولاية رومانية بعد أن هَزَم أوكتافيوس (الإمبراطور الرومانى المستقبلى باسم أغسطس) خصمه مارك أنتونى (أنطونيوس)، وأطاح بعرش الملكة كليوباترا وضم المملكة البطلمية إلى الإمبراطورية الرومانية.
شملت المقاطعة معظم مناطق مصر الحديثة باستثناء شبه جزيرة سيناء.

دخل الرومان مصر العام 30 ق·م وأصبحت إحدى ولاياتها بل صارت مصر من أهم ولايات الإمبراطورية الرومانية نظرا لأهميتها الاقتصادية، فمصر عرفت وقتها بأنها سلة غذاء الدولة الرومانية، وصارت الإسكندرية ثانى أهم مدن الإمبراطورية بعد روما واستمرت جامعة الإسكندرية (القديمة) بالعمل.

وباستيلاء أغسطس (أوكتافيوس) على مصر وقضائه على حكامها البطالمة يبدأ عهد جديد فى البلاد، تصبح بمقتضاه مصر، ولأول مرة فى تاريخها الطويل، تابعة لإمبراطورية أخرى.

فمصر بما كانت تتمتع به من تاريخ قديم، وشأن متميز بين الأمم، وموقع استراتيجى، وقوة وثروة واسعة، لم يكن من المفترض أن تصبح مجرد ولاية رومانية، مثلها مثل باقى الولايات، ودون الدخول فى تفاصيل الجدل الذى دار بين المؤرخين الأقدمين عن وضع مصر يمكن الجزم بأن مصر كان له وضع متميز وفريد بين ولايات الإمبراطورية الرومانية الأخرى.

فقد وضع فيها أغسطس قوات رومانية لتأمين سلامتها، ووضعها تحت إشرافه المباشر.
وفى سنة 27 ق.م قسمت الولايات الإمبراطورية إلى ولايات خاضعة للسناتو، وولايات خاضعة للإمبراطور، وكانت مصر من الولايات الخاضعة للإمبراطور مباشرة.

أما حاكم مصر من قبل الرومان فلم يكن كغيره من الحكام الذين كانوا يعدون نوابا للإمبراطور تحت اسم قائمقام قنصل أو قائمقام برايتور، وإنما كان لقب برايفكتوس أى وال أو حاكم عام واللقب الرسمى "حاكم عام الإسكندرية ومصر".
كما وضع الإمبراطور قاعدة ألا يزور مصر أحد من رجال السناتو أو من طبقة الفرسان إلا بإذن خاص منه.

وأصبح الإمبراطور الرومانى هو الملك الرسمى للبلاد، يتمثل فى شخصه ما تمثل فى شخص فرعون من قداسة وتأليه، وكانت تخلع عليه الألقاب المصرية المألوفة.

وقد ترتب على ضم مصر إلى الإمبراطورية الرومانية فقدانها لاستقلالها السياسى، وارتباط مصيرها بمصير الدولة الرومانية، وذلك على خلاف ما كان عليه الحال فى العصر البطلمى، حيث كانت مصر دولة مستقلة تحكمها أسرة حاكمة من أصول مقدونية، ولكنها تتشبه بفراعنة مصر الأقدمين فى كل شىء.

أما من وجهة النظر التاريخية فإن تاريخ مصر السياسى تحت حكم الرومان يختلف تماماً عن تاريخها فى العصر البطلمى، فلم يعد لها سياسة مستقلة أو تاريخ مستقل.

وتمتد فترة الحكم الرومانى لمصر حوالى ثلاثة قرون، ابتداء من ضمها للإمبراطورية الرومانية على يد الإمبراطور أغسطس سنة 30 ق.م إلى تقسيم الإمبراطورية الرومانية فى عهد الإمبراطور دقلديانوس (284 – 305 م) إلى غربية عاصمتها روما، وشرقية وعاصمتها بيزنطة (القسطنطينية فيما بعد) ووقوع مصر فى نفوذ الإمبراطورية الرومانية الشرقية أوالبيزنطية.

وعلى امتداد هذه القرون الثلاثة اعتمد الرومان فى توطيد سلطانهم فى مصر على القوة، فأقاموا الحاميات العسكرية فى الأماكن الرئيسية التى تمكنهم من السيطرة على كافة أنحاء البلاد، فى الإسكندرية وفى بابليون وفى طيبة وفى أسوان.

ولم يكتف الرومان بالقوة العسكرية، ولكنهم لجأوا إلى الأساليب السياسية بتأليب عناصر السكان المختلفة من المصريين والرومان والإغريق واليهود على بعضهم، ليضمنوا لأنفسهم إخضاع البلاد، مما جعل الحياة السياسية فى مصر خلال العصر الرومانى تتميز بكثرة الفتن وشيوع الاضطرابات التى تباينت أسبابها، واختلفت مظاهرها تبعاً للعهود.

بعد أن صارت مصر بالفتح الرومانى إحدى الولايات التابعة للإمبراطورية الرومانية، كان الإمبراطور يختار لمصر الولاة لتدبير الأمور.
ولم يترتب على دخول مصر فى الدولة الرومانية تغيرات هامة فى إدارة البلاد، لأن سياسة روما بوجه عام فى خلال فتوحاتها فى الشرق، كانت تقضى بتجنب التدخل قدر الإمكان فى نظم البلاد التى كانت فيها إدارة منظمة، ولذلك فقد سارت الإدارة الرومانية على النظام الذى كان البطالمة قد وضعوه، اللهم إلا بعد التعديلات، وبعض التطور مع مرور الوقت.

وللحديث بقية..

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى